رقمنة المؤسسات .. ديمقراطية بلا وسطاء

لقد تغلغلت التكنولوجيا في حياة البشر بشكل مذهل على كافة المستويات الإجتماعية والثقافية والإقتصادية والعسكرية حتى بتنا غير قادرين على ملاحقة واستيعاب العديد من المصطلحات المحدثة كالذكاء الاصطناعي والنانوتكنولوجي والتعهيد الجماعي وانترنت الاشياء وتقنيات الواقع المختلط والبيتكوين وغيرها من المصطلحات التي جعلت العالم يواجه واقع مغايير قائم على رقمنة الأشياء وتلاشى الوسطاء .

التطور التكنولوجي

وقد امتد آثار التطور التكنولوجي إلى العملية السياسية والديمقراطية بشكل كبير خلال العقد الماضي في العديد من دول العالم مما أتاح للمواطنين ممارسة عملية التصويت الإلكتروني والرقابة والفرز عن بعد، وإتاحة آليات رقمية لمراقبة أداء الحكومة والاطلاع على التقارير وتقديم العرائض والشكاوي ومتابعة أداء البرلمان وتقييم أداءه والتدخل في بعض الأحيان لتعديل أساليب عمله دون التقييد بحدود الزمان والمكان .

ولعلنا في مصر ما زلنا نتجاهل استخدام آليات ربط التكنولوجيا بالعملية السياسية والديمقراطية، واستخدام أدوات تكنولوجيا الاتصال والاعلام في تعزيز البنية الديمقراطية، وقد امتد هذا التجاهل من المؤسسات الرسمية للدولة إلى باقي المؤسسات التي تشكل مجمل المجتمع السياسي في مصر، دون مراعاة أن تلك التكنولوجيا فرضت نفسها بشكل أو بآخر على المجتمع، فهنا نرى تأثير وسائل الإتصال والإعلام خلال الأعوام القليلة الماضية والتي مثلت معيارًا جديدا للعمل السياسي في مصر أعيد من خلاله صياغة ثنائية “النخبة والجماهير” حيث لم تعد تلك النخبة قادرة على تحريك الجماهير بل قادت الجماهير النخبة للحديث وفق تطلعاتها.

اليوم أصبح لكل مواطن ميكرفونه الخاص يعبر من خلاله عما يشاء، وتقلصت الصورة النمطية للزعماء السياسيين، وتلاشى تدريجا دور المؤسسات الوسيطة من أحزاب ونقابات، وانكسر مفهوم احتكار السلطة ليصبح المواطن مباشرة هو جوهر السلطة.

التغييرات التي صنعتها تكنولوجيا الاتصال والإعلام

وأمام تلك التغييرات التي صنعتها تكنولوجيا الاتصال والإعلام على شخصية المواطنين، لا يجب أن تترك الهوة تتسع بين المؤسسات المتحكمة في الواقع السياسي بأداء روتيني محدود ، وبين جموع المواطنين في واقع إلكتروني يسبح في أفكار ورؤى غير مستغلة، فاليوم بات واضحا أن علينا أن نفكر بشكل جاد في مستقبلنا السياسي الإلكتروني والذي يصبح تحقيقه مرهون برقمنة المؤسسات بشكل يتيح للمواطنين المشاركة الجماعية في صياغة التشريعات عبر الإنترنت، وارساء نظام التصويت الالكتروني تدريجيا، وتشجيع النشاطات السياسية عبر الإنترنت، والتوسع في استطلاعات الرأي الكترونيا ونشر القرارات الحكومية قبل اتخاذها واتاحت قنوات الكترونية لتقييم نتائج القرارات الحكومية واتاحة برامج استخدام البيانات بمسؤولية وتوسيع منتديات النقاش الإلكترونية المتخصصة، وقبل هذا وذاك وجود نظام سياسي يحترم حق المواطنون في تقرير مصيرهم، وبيئة سياسية تقبل التعددية.

إننا بذلك لا نحاول مواكبة العالم الذي يسعى لحكم نفسه من خلال الهاتف الذكي بقدر سعينا إلى إيجاد آليات وطرق عمل جديدة لممارسة ديمقراطية تجعل من المواطنين مشاركين فاعلين في الحياة السياسية وتفسح المجال أمام أفكار ورؤى وتصورات لم تجد طريقها إلى النور ، وتعزز من ثقة المجتمع في قدراته وتنمي العقل الجمعي للجمهور من خلال ممارسة فعلية للديمقراطية بأدوات وآليات جديدة تتماشى مع مقتضيات العصر الحالي.

فيديو مقال رقمنة المؤسسات .. ديمقراطية بلا وسطاء

أضف تعليقك هنا