الأفعال الميمونة في زمن عصر الليمونة

نتولد .. ندرس .. نتخرج .. نشتغل .. نتجوز .. نخلف .. نموت

دورة حياة طبيعية لأي شخص في العالم..

نختلف في طول المراحل و توقيتها و مدى إنجازنا في كلاً منها و لكن هي هي نفس الدورة الحياتية التي نمر بها جميعاً.

– Hey, إنت

– إنت عايز تعيش كده بجد ولا إيه ؟ زيك زيهم ؟ ترس بيلف في ماكينة آلية؟!

– إيه ده إنت بتشتغل عادي زي أي حد و مش Entrepreneur ؟

– ليك مدير و مش مدير نفسك؟ إزاي كده ؟ يع دي حاجة وحشة خالص

– إيه ده إنتي هتتجوزي و تقعدي في البيت ؟ مش هتشتغلي و تحققي ذاتك و يبقى ليكي قيمة في المجتمع؟

– إيه ده إنتي هتشتغلي و تنسي الجواز و تفني عمرك في الشغل؟

– إيه ده إنتي هتشتغلي و إنتي متجوزة و هتهلكي نفسك و مش هتدلعيها و تديها حقها في الحياة؟

– إيه ده إنت عايز تبقى إنسان عادي و طبيعي و تتولد و تعيش و تموت عادي كده ؟

– إنت مش هتغير الكون ياعم بقى ولا إيه؟

و العديد من مثل هذه الكلمات التي صارت ماهي إلا تلوث سمعى يؤذي آذاننا بقدر ما يؤذي نفسياتنا و يفسد أذهاننا و حياتنا معاً.

الخروج من منطقة الراحة

وسائل التواصل الإجتماعي, التليفزيون و الأخبار كلها تعج بأناس يلومونك و يطالونك بفعل شئ واحد لا غير: أن تترك مكانك و تخرج من منطقة الراحة .. تلك المنطقة التي يوهمونك بأنك عالق بها..

عشرات الإنطربرنورز entrepreneurs و مئات الإنفلونصرز و آلاف البابليك سبيكرز يخرجون عليك من كل وادِ داعيين مهللين يحثوك على فعل شئ واحد: الخروج من منطقة الراحة. get out of your comfort zone

فبقائك فيها يعني شيئاً واحداً: الفشل .. و خروجك منها يعني شيئاً واحداً أيضاً: النجاح 

الجميع يدعوك بألا تكون ترس يدور في آلة و أن تخرج من منطقة الراحة ثم ماذا؟ 

هل لاحظت يوماً أنهم يطالبونك بأن تكون ترس في آلة مختلفة و لكن منمق و مزين بمصطلحات تضيف عليه رونق النجاح؟ هل تصبح ناجح فعلاً و يحدث كل شئ جميل عندها؟ 

هل لاحظت يوما أنك تخرج من منطقة الراحة The comfort zone إلى منطقة القلق المثالية Optimal anxiety ؟

هل يعلم أياً من هؤلاء تكلفة هذه القرارات على المستوى الشخصي و الجانب النفسي و الأسري و الإجتماعي على الأفراد؟

يوهمنا الجميع بأن سعادتنا تكمن هناك بالخارج ..

بعيداً عن منطقة الراحة للفرد و عند الخرج يتنزل علينا الغيث من السماء و تأتينا السعادة من كل فج عميق و تغمرنا الأحداث الحياتية السعيدة .. حقاً؟!

لماذ لم ينوه أحداً منهم إلى الصعوبات التي عليك تجازوها؟ لماذا لم يخبرنا أحد أن الصورة المُصدرة إلينا صورة مصمتة فارغة من واقع الأمور الحياتية ؟

تظن أنك ستخرج من منطقة الراحة comfort zone و تحقق النجاحات و تحقق ذاتك و تجد نفسك أخيراً بعد عناء.. بل و ستجد شغفك في الحياة .. هذا الشغف الذي لن تشعر بالملل يوماً عندما تعمل بما تحبه!

خدعوك فقالوا والله.. كل هؤلاء الداعيين يصفون لك عالم مثالي .. يكافئك دوماً على اجتهادك .. يتوج فوزك بالشغف الدائم المنقطع النظير ولأنه عالم موجود فقط بالكلمات و ليس على أرض الواقع يولد ضغط نفسي أكبر و أقوى على الأفراد عند إصطدامهم بالواقع الحقيقي.

لم يفكر أحد يوماً بسعادتك و مدى راحتك النفسية و رغبتك في التخلص من القلق و التوتر المصاحبين لخروجك من منطقة الراحة أو استرارك بعيش حياة عادية مثلك مثل الآخرين.

لم يؤخذ يوماُ في الاعتبار الجانب النفسي و الإنساني و البشري لنا كبشر ذو محدودية ..

كل ما يهم هو أن تعمل دوماً و تنتج أكثر و تضغط على نفسك و ألا تكون كائن بشري عادي يولد و يعيش و يتزوج و يموت بل يجب أن تصبح كائن خرافي له جناحان و يستطيع الطيران من دونهما حتى ..

أن تصبح مثلما يصدورن لك من صور.. هؤلاء الذين يطالبوننا بتحقيق ذواتنا لا يعلمون معنى ذواتنا أصلاً..

تظل كلماتهم تلاحقك دوماً ..

-سبع عادات يجب أن تتخلص منهم لتصبح أكثر إنتاجية

– عشر صفات يتصف بهم رواد الأعمال

– كيف تصبح أكثر إنتاجية بإدارة وقتك بصورة سليمة

– كيف تحلق في السماء دون طيران

هل يعتبر أحد منهم الفوارق البشرية الفردية بين الأشخاص؟

هذه الرسالة التي صارت تتصدر لنا في كل وقت و في كل حين أصبحت لعنة تلاحق الكثيرين

منهم من خرج من منطقة الراحة يصطدم بعكس الصورة التي صُدرت له يوماً مما ولد ضغط نفسي عليه أكبر فأصبح في معاناة دائمة و لم تتساقط عليه النجاحات بعد..

ومنهم من فضل البقاء في منطقة الراحة و لكن لازمه الإحساس بالذنب و اللوم الدائم لنفسه لأنه فاشل طبعاً لأنه لم يستطع الخروج من منطقة الراحة فصار يعاني عدم الرضا و فقد طعم الحياة..

ومنهم من خرج من منطقة الراحة و نجح ولكن تكلفة قراراته كانت أكبر مما يتخيل يوماُ بل و لم يجد هذا الشغف الدائم الذي لا يصاحبه ملل .. حتى علم أن من يخبرك بأنه إذا أصابك الملل بعملك فهذا ليس عملك و هذا ليس مكانك .. كل هذا درباً من العته المصاحب للأفكار الرأسمالية التي تطالب الجميع بأن ي Fit in و يكونوا أكثر إنتاجية و أقل شعوراً بأنفسهم

لم يعد يرضى أحد..

فالقابع في منطقة الراحة Comfort zone يصاحبه اللوم و السخط على نفسه و حاله و يجلد نفسه مساءً و صباحاً بدافع الإحساس بالذنب..

و الخارج منها يعاني الضغوط النفسية و الإضطرابات النفسية و صارت أولوياته نظرات الناس له و حكمهم عليه بداية من أنه فاشل إذا لم يتحدث في الإجتماع و يقدم رأيً إستثنائياً..

لم يعد هناك سبيل للراحة سواء داخل ال Comfort zone أو خارجها..

أصبحنا عالقين في المنتصف .. لا منا بقينا ناس عادية و منا بقينا ناس استثنائية

صار كلاً منا يعصر على نفسه ألف ليمونة في الدقيقة ليكمل للدقيقة التي تليها..

صرنا نعصر الليمون علينا لكي نتابع حياتنا!!

الحكم علينا و على الآخرين أسهل من القبول و التفهم في هذا الزمن ..

عالم خطاء يحكم على الخطائين لأنهم يخطئون بشكل مختلف عنهم بل و يحكم على من يخطئ مثلهم لأنه أخطأ..

ألم يعلم كلاً منهم أن كل ابن آدم خطآء?

كل من يعطيك درساً عن الأفعال الميمونة و المحمودة و يشكو تغيرك و قيامك بأفعال مخالفة .. يشكو فقط من كونك صِرت عكس ما أرادوه و ما أرادوا منك فعله.

فكن كما أنت و كما تريد ..

ابحث عما تراه مناسباً لك و ما يسعدك .. اسعى لما تعتبره أولوية في حياتك حتى و إن كان جل  ما تريد فعله هو الجلوس و الصمت..

كن كما أنت .. فلن يكف أحداً عن انتقادك أو شكواك .. لن يرضي الجميع عنك أو يجتمعوا عليك .. محالٌ هذا ياصديقي

فلتعبأ بروحك و اترك من حولك عابثين كلاً في عالمه.  فكلاً يبكي على ليلاه يا عزيزي.

فيديو مقال الأفعال الميمونة في زمن عصر الليمونة

أضف تعليقك هنا