التحيز يضع الذات في مركز كل شيء

تحت هذا العنوان كتب دانيل جولمان, في بداية مقالة مقتبسا لـ ولت وايت مان,

” لا شيء, أعظم للشخص من نفسه”

واعتبر الكاتب ان هذه العبارة هي اغنية تصف ذاته, واعتقد أنها صفة حقيقية للناس بطرق واضحة. وبين ان الباحثين الان يؤكدون ذلك, لكن أيضا في العديد من الصيغ والأشكال الدقيقة والتي لم يتطرق لها من قبل.

التحيز الذاتي

علماء النفس يكتشفون أن التحيز الذاتي والذي من خلاله يقوم الناس برسم صور ذهنية للعالم من حولهم خاصة بهم, و أنه أكثر شمولية عما كان يعتقد. وبالرغم أن الفهم السائد حول التمركز حول الذات لدى بعض الأفراد ينتج عنه تشويها لحقيقة الواقع, فالأبحاث تقترح أنه وبطريقة ما فإن تشويهنا للحقائق من حولنا هي تقريبا سمة بشرية عالمية وأنها لذلك تؤثر في حياة الناس بشكل أكثر مما كان متوقع سابقا.

ويرى الكاتب بأننا بطريقة ما نكون أشبه بالمصابين بجنون الشك والريبة, فالبعض في حال مروره بتجربة وبعد ذلك يسمع أحدهم يتحدث عن تجربة مشابهة لشخص ما, فإنه بسرعة يعتقد أن الحديث يستهدفه هو شخصيا أي انه هو المقصود..عالم النفس انثوني جرين وارد من جامعة اوهايو, قال في مقابلة حسب الكاتب,

“التحيز المتمركز حول الذات”

” بالمختصر وفي أبسط الحالات فإن كل واحد يميل إلى رؤية الأحداث كما لو أنها تتمركز حول ذواته بخلاف ما هي عليه في حقيقة الأمر. وأن الناس يخوضون تجارب الحياة من خلال فلتر الذات”

هذا الميل والذي يسميه الدكتور جرين والد, “التحيز المتمركز حول الذات”

وكما قيل انه يفسد كل ادراكنا الحسي, ابتداءا من كيف يفسر الناس ما يحدث لهم وفي كيفية استرجاع المعلومة او المواقف لاحقا  من الذاكرة”

وعلى الرغم من أن المفهوم الجديد للتحيز المتمثل في التمركز حول الذات يجد دعما  كبيرا  في مجتمع العلوم الاجتماعية، إلا أن العديد من الأطباء يرون خطرا في الإفراط في التأكيد عليه، وهو خطر في أن يصبح مبسطا, ويشيرون إلى أنه ليس سوى إحدى الطرق العديدة لفهم النسيج الغني والمعقد للذات. ولكن بالنسبة لعلماء النفس الاجتماعيين، فإن الفكرة هي طريقة مفيدة لوضع إطار متباين من السلوك داخل إطار أوسع.

وكمثال على ذلك يوضح الكاتب انه في التجارب لاختبار  التحيز الذتي التي قام بها ميرون زوكرمان وهو عالم نفس  في جامعة روتشستر, حيث استنتج ان  نقاشات الناس في المجموعات الداخلية التي ينتمون لها, لاحظ انهم كثيرا وباستمرار  يبالغون في وصف واهمية المجموعة التي ينتمون اليها.

أمثلة على التحيز الذاتي 

ينظرون إلى أنفسهم على أنهم أكثر جاذبية  للاهتمام

وأظهرت الدراسة، التي نشرت في مجلة “اليرسونلتي” أن الناس ينظرون إلى أنفسهم على أنهم أكثر جاذبية  للاهتمام من الأعضاء الآخرين، كما أن لهم تأثير أكبر على تشكيل آراء الآخرين، وانهم يكونوا دائما  موضوع ومحور تعليقات واراء الآخرين, ونتائج الدراسة في جوهرها، تشير  إلى أنه، في المجموعة الغير رسمية، كل شخص من الحاضرين يرى نفسه ذا شخصية مركزية مهمة في المجموعة.

الدكتور غرينوالد، في كتيبه الإدراك الاجتماعي (إرلبوم)، والذي سيتم نشره  الشهر المقبل، يستعرض فيه أدلة واسعة على التحيز المتمركز حول الذات. ويستطرد أن هذا يؤدي إلى وهم السيطرة على الأحداث في حياة الناس والتي، اذا ما تأملناها بشكل موضوعي فإننا لن نجد أن لديهم أي شيء منها على الإطلاق. ويصف ما يحدث بالوهم و هو ما يعطي لاعبين اليانصيب، على سبيل المثال، الشعور بأن تذكرتهم ستفوز باليانصيب لانهم يعتقدون بقوة أن احتمال فوز تذكرتهم عالي جدا واعلى من أي وقت سابق..!

يعتقدون أنهم مستهدفين من قبل الآخرين

مؤشر آخر للتحيز المركزي الذاتي, هو اعتقادهم أنهم مستهدفين من قبل الآخرين بينما الحقيقة أن لا أحد يهتم بأمرهم..

واشار الكاتب الى وجهة نظر روبرت جيرفس وهو عالم سياسي في جامعة كولومبيا, حيث يرى أن هذا التصور الخاطئ يحدث في كثير من الأحيان بين صانعي القرار في السياسة الدولية, وهذا ما يحدث في كثيرا من النزاعات والصراعات الدولية.

التمركز التحيزي الذاتي

التمركز التحيزي حول الذات- التمركز التحيزي الذاتي- يقود الناس إلى تفسير الوقائع والأحداث بحيث تجعلهم يضعون أنفسهم في الأضواء المفضلة. وفق الدكتور جرين والد, الذي وضع مصطلح “Beneffectance” التفوق, وهو مزيج من الخير والفعالية- بدافعية الخداع الذاتي الذي يعزز أعمالهم بحيث تبدو معتمدة أخلاقيا. ويرى أن هذا ميول بشري والذي نراه شائعا بوضوح في استعداد الناس في خوض تجارب ناجحة  لنيل الثناء والاستحسان لكن ليس مع الاخفاقات.

والمصطلح Beneffectance على ضوء ذلك, شائع جدا, على سبيل المثال, إذا تحدثت إلى مجموعة طلاب بعد أن تسلم لهم نتائج الاختبار, يقول الدكتور جرينوالد, ثم سألتهم, هل كان الاختبار جيدا لقياس قدراتهم, فإنهم سيجيبون, نعم كان كذلك إذا كانت إجاباتهم جيدة, لكن إذا كانت إجاباتهم ضعيفة, سيخبروك أن الاختبار كان سيء جدا..

ويرى علماء النفس أن التأثيرات الأكبر للتحيز الذاتي يكون في الذاكرة, فهناك العديد الدراسات, تظهر, على سبيل المثال, أنه أسهل كثيرا على الناس في تذكر معلومات إذا كانت تتعلق بهم, بينما نادرا ما يتذكرون أي شي اذا مضى عليها 5 إلى 10 سنوات.

ويرى أن الناس قد تتذكر الخطوط العريضة في مناسبة معينة, وغالبا يقومون بفبركة الذاكرة, حيث يشرح الدكتور جرين والد, أنه ولكي يعززون من أهميتهم في الأحداث التي يروونها, عن “الماضي” فإنهم يتذكرونها كما لو أنها دراما مثيرة, بينما يأتي دورهم “ذواتهم” كلاعبين رئسيين في هذه الدراما.

كيف نميز بين الحالة المرضية والحالة العادية؟

دكتور بك يشير إلى أن البسيط من التحيز الشخصي للمعلومات والوقائع يعد أمرا عاديا, لكن في حالة الاضطراب العقلي إن الوضع يصبح خطيرا وتعميما لا يقل خطورة, فالبعض ربما أن الناس يصبحون أكثر قسوة وشدة في تحيزهم الذاتي حتى في حال وجود الأدلة القطعية.

ويرى دكتور بيك, أن الشخص العادي يكون غالبا متيقظاً ومنتبهاً لتحيزاته الذاتية, أو ربما على الأقل سيكون قادرا على إدراك ما يقول ويتعامل مع الأحداث أو المعلومات بشكل عقلاني وقد يستشهد بالأدلة للتوضيح..

فالواقع والوهم وفق بيك لا يجب أن يكونا منفصلين, بمعنى آخر, أن لا تؤدي إلى الضرر أو ربما في آخر المطاف تؤدي إلى مأساة.

د.سالم موسى

فيديو مقال التحيز يضع الذات في مركز كل شيء

أضف تعليقك هنا