العروسة – قصة قصيرة

العروسة

قصة قصيرة

بقلم/ عبده عبد الجواد

تعانقت أكفنا بعهد جديد ..إحساسٌ قوىٌ يساورني بأننا سنفرح والحلم الجميل داخلي- وقد بدأ يتلمس طريقه- يملؤني شعوراً بالحقيقة .. ضَغَطَتْ برفق على أناملي .. رَفَعَتْ وجهي .. هَمَسَت :” لاتذهب بعيدا وتنسنى ” .. تأملت عيونها .. حركني بريقها.. لا مستحيل ..هذا الأفق الذى يبدو هناك من خلال زجاج نافذة السيارة ، وينطبق من هناك على الأرض سيظلان هكذا أبد الدهر ، وهكذا أنا وأنت .. عهدٌ وَثَقَتهُ قلوبنا ، وقَدَرٌ ننتظرأن يبشرنا .. عُدْتُ ببصري بسرعة إليها .. كانت تنتظرني ..تحركت السيارة بينما كانت أمى تجلس بجوار السائق فى وجوم .

التقت أعيننا من جديد ..

ابتسمت .. ليتك تسمعين نبضي .. بادلتني الابتسامة .. لابد أنها تشعر بي .. تساءلت :

” هل تثق فى كلام الرجل الذي حدثك عن الشقة ” ؟.. “نعم بالطبع “..امتدت يدي تعبث بالجرائد الموضوعة على ساقينا..

” عظيم .. أرأيتِ.. لقد خصصت الجريدة اليوم جزءاً للعروسة ” .. انغمست بكل حواسي داخل الكلمات.. الديكور.. كيفية تنسيق الأثاث حسب مساحة الشقة .. توزيع الاضاءة ، وضع النجف والأباجورات .. عودة موضة الابليكات الصغيرة فى الأركان .. “رحم الله ابى .. كان دائما يقول: كل شيء فى الدنيا له موسم .. الدنيا مواسم ! ” ..

كنت لا أفهم معنى كلماته فى حينها، وأما الآن وقد تخليت عن بلاهة طفولتي صرت أفهم ، وليتني مافهمت !

انغمست مرة أخرى وسط الكلمات ” الضوء غير المباشر يضفي الهدوء في المنزل ..” أترين هذه الصفحات .. فساتين الزفاف .. مارأيك فى هذا ؟ ..الله جميل .. وهذا .. انه أجمل وأجمل ..الحقيقة الاختيار صعب جدا !

كنت أقلب الصفحات وأرقب بطريقة غير مباشرة ملامح وجهها .. شعرت به وقد رسمت عليه بعض علامات القلق،

فقد كنت أتحدث وكأنني أحدث نفسي بينما كانت تومىء برأسها فقط .. قلبت الصفحة ..عنوان كبير يتوسط الصفحة

” الحمل وعاداتنا ” ..

تجولت بعيني سريعا بين السطور .. شعرت بالضيق من العادات البالية .. الآباء ينتظرون الأحفاد ليرونهم قبل الموت وكأنه يدق أبوابهم !! .. بل ان الحمل والانجاب هو المؤشر الحقيقى لاكتمال معالم الرجولة والأنوثة لدى الطرفين ، بل ودليل السعادة ..!

قلبت الصفحة وجدت مقالا عن الشقة وفشل الزواج .. حاولت أن أواريها بسرعة .. لاحَظَتْ .. فرمقتنى بنظرة خاطفة .. “لِمَ قلبت الصفحة بسرعة ولم تقرأ ؟ ” قلت : ” لا أريد ان أقرأ قصص فشل ” .. قالت: الفشل يصنع النجاح ..قلت :

” ويصنع الدمار أيضا ” .. قالت: ” ولم لانقرأ ونتعرف على الأسباب ؟ ” .. قلت : ” إنني أعتبر الطرفين هما الأساس .. ثقة كل منهما بالآخر فى اختياره .. وفى حبه ” .. توقف المناقشة !

دفعنا الفضول لقراءة المقال حتى آخره والذى اختتم كاتبه بدعوة كل شاب بالتخلص من قيود التقاليد والبقاء بجوار أهله والخروج وبناء مسكنه بنفسه في مشروع متكامل يشترك فيه كل شاب بتخصصه ، وتمر سنوات الضجر والانتظار كسنوات كفاح وبناء وعزيمة .. إنها الأفكار الورقية الحالمة ممن لايشعرون كيف يكون ألم الانتظار ! ..

انقضى الطريق ..

دعوت السائق لانتظارنا .. حاولت من داخلي الخروج من كهوف اليأس .. سألت عن الرجل .. دخلت الشقة لم تكن مثل الوصف ولم يعجبني نظامها .. لاحقتنى الأفكار .. تناسيت عدم اقتناعي .. تناقشنا بخصوص المبلغ المطلوب .. كان خرافيا أضعاف إمكانياتي .. انصرفنا !! تملكنا طريق العودة .. شعرت أننى كنت أحلم أو على هامش الحقيقة .. فلم أرها من قبل مثلما أراها الآن .. أمسكت بالجريدة .. تجولت بعيني بين الموضوعات .. الأثاث .. الديكور .. الانجاب .. الحلول المقترحة على الأوراق !!

طويت الجريدة بعنف .. تذكرت كلمات أمي قبل أن أتقدم لخطبتها : ” الموضوع يحتاج امكانيات ..البنت جميلة ولن تنتظرك طويلا والمشكلة ليست فى مجرد الخطوبة .. بل الشقة والأثاث ، هل ستؤجر شقة مفروشة ؟!”

يومها رددت بتحدى : ” حتما ستنتظرنى لأنها تحبني ”

قالت :” لا أظن أن أهلها سينتظرون “.. قلت: ” وماذا يفعل إذاً من يحب ؟”

قالت : ” يضحى من أجل حبيبته ويتركها طالما لايمتلك الإمكانيات ! ”

قلت بمرارة: ” إن اصحاب الامكانيات لايتزوجون مايحبون بل مايريدون ” !

قالت: ” يابنى لا تظلمها معك فأنتم متساوون فى السن لذا فالمشكلة أكبر”

قلت : ” حين أحببتها لم أفكر فى السن ، هذه أحاسيس تأتي فجأة ولايمكن أن نحددها بحدود قبل أن تبدأ” .

قالت :” أنت حر، والعاقل من يمتلك زمام أمره ” !

يومها توقف الكلام على لساني ، ولم أشعر لحظة أننى حر .. فمرور الأيام يقيدني .. نظرات الجيران تقيدنى .. آلام وآمال أمي -وهى لاتستطيع مساعدتى بمعاش أبى المتواضع ،ودخلي من وظيفتى كموظف جديد – تقيدنى..انتظار أهلها يقيدني..حتى نظرات عيون حبيبتى -إذا تَغَيَرَتْ أو تَأَلَمَتْ لحظة – تقيدنى وأظن نفسي السبب !!

مزقت جريدتى .. نثرتها من النافذة .. تألمت .. شعرت بيديها تعانق يديّ .. اطمأننت ..شعرت وكأن قيودى تطير مع الأوراق المتناثرة .. ابتسمت لى .. همست في أذنى بنفس كلماتها الرقيقة- يوم رويت لها حواري مع أمى وتركت لها الاختيار -وانسابت كلماتها كنسمات من بين شفتيها : ” أحبك وسأنتظرك ” .. أوثقنا عهداً جديداً .. التفت لزجاج النافذة .. عَكَسَ الضوء صورة وجهها أمامي .. تأملتها للحظات .. وجدت تاجاً على شعرها .. وجدتها عروسة فى بدلة الزفاف .. التفت إليها .. غمرنى الأمل رغم أن الصورة الأصلية – كانت بلا تاج !

فيديو مقال العروسة – قصة قصيرة 

أضف تعليقك هنا