العمر الضائع في البحث عن وردة

-كم أحب الورد و أحب رؤيته

كم أحب أن أتوقف دائماً لأراه و أشعر به.. يبعث البهجة في نفسي و يجعل مشاعري تركض باتجاه السعادة و الفرح.

-أحب أمي كثيراً حباً جماُ لا يضاهي حبها شيء و أريد أن أخبرها. فكم تتوق نفسي لأن تعبر لها عن حبي و كيف أكون دائماً ممنونة فقط لوجودها. أشتري الورود التي تميل إليها نفسي و أراها تعبر عن جزء صغير من ذرة في حبي لها و أذهب إليها “أمي.. هذه لكِ” قائلة لنفسي:

هكذا ستعلم أني أحبها فهذه الورود تحمل حبي و امتناني و حتماً ستخبرها.

-صديقتي, أردت يوماً أن أخبرها أني أحبها. أذهب و أشتري الورود و أذهب إليها قائلة في نفسي: هكذا ستعلم أني أحبها.. فماذا لي غير الورد لكي يعبر عما بداخلي؟ ماذا غير الورد يمكن أن يحمل عني كلمات لا أستطيع البوح بها و الإفصاح عنها أمامهم؟! الورد يمثلني.

-تمر الأيام و الشهور و السنين, أنتظر وردتي التي ستُقدم لي يوماً ما مُخبرة كم أعني لمن أهداني إياها, حاملة من الحب ما لا يستطيع وصفه الكلمات. أنتظر و أنتظر .. حتى علمت أني أنتظر اللاشئ.

-لم تأتي وردتي المُنتظرة .. لم يخبرني أحد كم يحبنى .. لا أحد يحبنى.

-اعتدت لفترة ما في حياتي أن أنادي الجميع بألقاب محببة إلى نفسي و نفوسهم حتى ما إذا زادت المحبة و أصبحت المشاعر تفوق حاملها و تريد الهرولة مُسرعة إلى الآخر أجدني أضِف إلى ألقابهم ياء الملكية.

-ماذا تعني ياء الملكية بالنسبة لي؟

هي المرحلة الجديدة التي تنتقل إليها صداقتنا .. هى المشاعر التى فاضت شوقاً إليهم .. هي تفصيلتي الصغيرة لأخبرهم كم تشتاق روحي للقائهم .. هي رمز انتمائي لهذه العلاقة.. هي تعبيري عن محبتي بالبقاء معهم لبضعة دقائق زيادة .. هي يدي التي تربت على أكتافهم في وقت حزنهم .. و هي ما أشد أزرهم به وقت فقدانهم الأمل .. هي ما لا أفصح به ولا تستطيع الكلمات وصفه.

-أرسل لصديقتي قائلة: أتمنى أن تكون عينيك تلمع كالعادة. تمُر الكلمات كباقي الكلمات المُرسلة و نسترسل في الحديث و لكن.. هل تعلم صديقتي أن عينيها تلمع عندما تكون سعيدة؟ هل تعلم أن الفرحة تجعل عينيها براقة كالألماس؟ و أنني أبتهج دوماً لرؤية بريق عينيها لأني أتيقن من أنها حقاً سعيدة فأسعد أنا الآخرى من أجلها.. هل توقفت لتتأمل هذه الكلمات يوماً؟

أمضي في طريقي يوماً, يصادفني هذا الرجل العجوز حاملاً وردة يمد يده إلي بها مبتسماً قائلاً: اضحكي…

وردة .. كيف هذا؟! شخصاً عابراً و يعطيني وردة؟ أيحبنى أكثر من أهلي و أصدقائي مثلاً؟

لحظة.. أتمهل قليلاً .. أفكر, هل يعبر الجميع عن مشاعرهم بنفس الطرق؟ هل تعني الوردة للجميع ما تُعنيه لدي؟

هل يشاركني الجميع رؤيتي بأن الورود هي ما يعبر عن حبهم و مشاعرهم؟

بالطبع لا.. أتشوش و أتساءل مرة أخرى في زحمة الحياة عندما توقفت عن شراء الورود لتحمل ما بداخلى إلى من أحبهم – كيف كنت أعبر عن حبي وما بداخلي إذا؟

أمي .. هل تحبيني؟

كنت أحتضنهم .. أمي و أصدقائي و أهلي. أتذكر يوماً حاولت جاهدة أن أخبر أمي أني أحبها, ذهبت .. جلست بجوارها .. نظرت إليها ملياً .. جاهدت نفسي حتى كادت تنقطع أنفاسي ثم قلت: أمي .. هل تحبيني؟ أجابتني قائلة: نعم .. أحبك كثيرا .. صحت بفرحة طفلة صغيرة و أنا أيضاً.

الكلمات ليست وسيلتي المفضلة و على الأغلب ليست وسيلتي على الإطلاق. ماذا لو كانت الورود لا تعني شيئاً لأحبائي؟ ماذا لو طالبوني يوماً ما بأن أعبر لهم عن حبى بطريقتهم الخاصة؟ هل سأستطيع؟ هل سأستجيب؟ قطعاً .. لا.

إذا لماذا أطالبهم بما لا أقدر أنا على فعله؟ لماذا مضيت معتقدة أنهم لا يبادلونني المحبة و التقدير؟

هل توقفت يوماً لكي أرى كيف يعبرون هم عما بداخلهم؟ هل تأملت يوماً طريقتهم الخاصة؟

أتساءل دائماً هل ينتبه أحد لمثل هذه التفاصيل الصغيرة؟ هل يدركها أحد؟

ربما.. و لكني بت أعلم الآن أني لم أُدرك طرقهم و لم أنتبه يوماً لتفاصيلهم الصغيرة و لم أُتوقف يوماً لأُتيح لهم أن يعبروا بطريقتهم التى تمثلهم.

-تسألني أمى عن حالي يومياً و توقظني و تحضر لي فطوراً قبل أن تذهب لعملها بالرغم من أنها تغادر قبلي ومن دون أن أطلب منها ذلك. أليست هذه محبة؟ تخبرني أمي دوماً أنها تحبني و تشعر بي عندما أكون متوترة أو حزينة .. أليست هكذا تعبر لي عن حبها؟

تأتيني أختي حاملة كوباً من النسكافيه الساخن دون طلب مني .. أليس هذا حب؟ تعطيني ما أريد من قبل أن ينطق لساني معبراً عن رغبتي فيه .. أليست هكذا تعبر لي عن حبها؟

تخبرني صديقتي كم أعني لها وكم تشتاق لرؤيتي و كم تشتاق لحديثنا المعهود .. أليست هكذا تعبر عن مشاعرها؟

ألا تكفي كل هذه التفاصيل الصغيرة التي لم أنتبه لها يوما.. بلى تكفي و إنها لنعمة. قضيت معظم أوقاتي موجهة تركيزي وانتباهي  على تفاصيلي الصغيرة و وردتي متسائلة كيف لا يروها. والآن أعلم أنهم كانوا يتسائلون أيضاً كيف لي ألا أرى تفاصيلهم..

الآن صرت أفعل ذلك .. الآن أدركت بكل الحب أنني ربما لن أحصل يوماً على وردتى المنتظرة و لكن سأحصل بدلاً منها على كوب من العصير المثلج.

فهذه وردتي متمثلة فيهم .. فكم أنا ممتنة لوجودها.

فيديو مقال العمر الضائع في البحث عن وردة

 

أضف تعليقك هنا