المنـازعــة في أتعــاب المحـامـــاة

العلاقة بين المحامي، وعميله

لما كانت العلاقة بين المحامي، وعميله من العقود غير المسماة ذات الخصوصية، والذاتية الخاصة التي تتطلب من المحامي القيام بالأعمال المادية، والفنية ذات الطبيعة القانونية، فضلاً عن الأعمال ذات الطبيعة المختلطة بينهما، وذلك لصالح عميله؛ لتحقيق موضوع معين متفق عليه، وما يتفرع عنه من مسائل فرعية أخرى، وبصرف النظر عن نوع تلك العلاقة، وتكييفها القانوني، وجوانبها، ومناحيها المختلفة، والتي تسببت في جدل فقهي يحاول رد هذه الرابطة تارة لروابط القانون العام، وتارة إلى روابط القانون الخاص بأنها عقد وكالة، وآخر بأنها عقد مقاوله، وما توسط بينهما …، إلا ما يهمنا في تلك العلاقة أو الرابطة أنها تنتمي لعقود المعاوضات حيث الالتزامات المتقابلة بين الطرفين، وإن كان التزام المحامي لا يثور خلاف عليه، إلا أن التزام العميل بدفع المصروفات، وأتعاب المحامي هو في الواقع العملي محل النزاع الدائم حول مقدارها بالمقارنة بنوع الخدمة ونتيجتها.

 لكن كيف تقدر أتعاب المحاماة؟ وما هي المعايير والضوابط لها؟

وما هو الفرق بين المصروفات، والأتعاب؟ و ما هو الحل القانوني عند النزاع؟ ومن المختص بالفصل فيه؟

لقد نظم قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983 المعدل بالقانون 197 لسنة 2008 مسألة النزاع في أتعاب المحاماة بالباب الثاني الفصل الأول في حقوق المحامين، فالمادة 82/1 محاماة تناولت مفهوم الأتعاب والمصروفات، فعرفت الأتعاب بأنها: “ما يقوم به المحامي من أعمال المحاماة، والتي عددتها على سبيل المثال المادة 3 محاماة بالحضور عن ذوي الشأن أمام المحاكم، وهيئات التحكيم، وجهات التحقيق، وغيرها من الجهات ذات الصبغة القانونية، وإبداء الرأي، والمشورة القانونية, وصياغة العقود ….. ، فضلاً عن الأعمال المادية، والأعمال المختلطة دون حصر”.

أما بالنسبة للمصروفات فعرفتها المادة 82/1 محاماة بأنها:

“ما أنفقه المحامي في سبيل مباشرة الأعمال المكلف بها”.

ثم قررت الفقرة الثانية من المادة 82 محاماة كيفية تقدير أتعاب المحاماة، فجعلت الأصل في تقدير أتعاب المحاماة هو العقد المحرر بين المحامي، وعميله حيث الإرادة الاتفاقية للطرفين، ومن ثم تنعدم السلطة التقديرية للجنة تقدير أتعاب المحاماة، ويكون قرارها في ذلك قرار كاشف، ولكن إذا تفرع عن موضوع العقد أعمال أخرى لم يتم الاتفاق عليها أو إذا لم يكن هناك عقد أو إتفاق من الأصل، فما هو الحل؟

أجابت عن ذلك الفقرة الثالثة من المادة 82 محاماة المقضي بعدم دستوريتها جزئياً بالحكم رقم 23 لسنة 14 ق دستورية بجلسة 21/2/1994 فيما تضمنته من الاعتداد بملاءة الموكل كأحد العناصر التي تدخل في تقدير أتعاب محاماة، وكذلك ما قررته من أن لا تقل الأتعاب المستحقة عن 5% من قيمة ما حققه من فائدة لموكله في العمل موضوع طلب التقدير. أما العناصر الأخرى بالفقرة الثالثة بالمادة 82 محاماة المقضي بدستوريتها فهي محل اعتبار في تقدير أتعاب المحاماة، وتدخل فيها، وتتمثل في أهمية الدعوى، والجهد الذي بذله المحامي، والنتيجة التي حققها، وخبرة المحامي طبقاً لمبدأ التدرج في ممارسة المهنة، وفي جميع الأحوال لا تزيد الأتعاب عن 20% من قيمة الفائدة المحققة أي أن المشرع وضع سقف لنهائية حد الأتعاب، كما حظر المشرع بالمادة 82/4 محاماة أن تكون الأتعاب حصص عينية من الحقوق المتنازع عليها.

ثم تناولت المادة 83/1 محاماة حالات استحقاق أتعاب المحاماة في حالة الانتهاء المبتسر للوكالة، كما لو انتهت الدعوى صلحاً أو تحكيماً أو أنهى الموكل الوكالة دون مسوغ قبل انتهاء التزام الوكيل ففي هذه الحالات يستحق المحامي أتعابه كاملةً.

ونظمت المادتين 84، 85 محاماة كيفية الفصل في حالة الخلاف على أتعاب المحاماة، بأن للمحامي أو للموكل أن يتقدم بطلبه إلى لجنة تقدير أتعاب المحاماة التي توجد بمقر النقابة الفرعية التي يتبعها المحامي، وتتكون هذه اللجنة من رئيس قاضي بدرجة رئيس محكمة ابتدائية، وبعضوية قاضي ينتدبهما رئيس المحكمة الابتدائية التي توجد النقابة الفرعية في دائرتها مع عضوية أحد أعضاء مجلس النقابة الفرعية يصدر بتعيينه قرار من مجلس النقابة الفرعية المختصة لمدة سنة قابلة للتجديد، وتقوم اللجنة بنظر النزاع على أن تعرض على الطرفين الصلح، وتسعى جاهده في التوسط بينهما، فإذا قبل الصلح وما تعرضه عليهما اللجنة حرر محضر صلح موقع منهما ورئيس اللجنة، وزيل بالصيغة التنفيذية بواسطة قاضي الأمور الوقتية بدون رسوم. أما في حالة عدم قبول الطرفان الصلح طبقت اللجنة قانون المرافعات المدنية والتجارية على الإجراءات المتبعة أمامها، وفصلت في الطلب بقرار مسبب خلال 30 يوماً على أكثر من تقديمه، ويكون هذا القرار بمثابة حكم صادر في الخصومة ( الطعن رقم 2430 لسنة 57 ق، جلسة 6/4/1994 )، ويطعن عليه بالاستئناف الذي يخضع للقواعد المنصوص في قانون المرافعات من حيث الاختصاص، والإجراءات والمواعيد.

و لما كانت المادة 184 مرافعات أعطت لأتعاب المحاماة نفس حكم المصاريف القضائية، وبالتالي يسري عليها قواعد استئناف الأوامر على عرائض طبقاً لنص المادة 189 مرافعات التي تنص على أن تقدير مصاريف الدعوى وأتعاب المحاماة بالدعوى تقدر في الحكم إن أمكن، وإلا قدرها رئيس الهيئة التي أصدرت الحكم بأمر على عريضة يقدمها المحكوم له، ويعلن هذا الأمر للمحكوم عليه بها، ولا يسري على هذا الأمر السقوط المقرر في المادة 200 مرافعات.

أي أن قرار لجنة تقدير أتعاب المحاماة يسري عليه قواعد الأوامر على عرائض عدا السقوط المقرر في المادة 200 مرافعات، وبالتالي فمدة استئناف هذا القرار عشرة أيام من تاريخ صدوره بالرفض أو إعلانه للمحكوم عليه، ويرفع الاستئناف أو التظلم للمحكمة المختصة بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى، ويكون حكمها في ذلك بإصدار القرار بالأتعاب أو بتعديله أو بإلغائه (مادة 197 مرافعات)، فضلاً عن أن قرار تقدير أتعاب المحاماة قد يصير نهائياً بعدم استئنافه خلال الميعاد المحدد، ومن ثم توضع الصيغة التنفيذية على قرارات التقدير النهائية الصادرة بإلزام بواسطة قاضي الأمور الوقتية المختص وذلك بدون رسوم، ويسري عليها قواعد التنفيذ المنصوص عليها في قانون المرافعات، وهو ما إستقر عليه قضاء محكمة النقض فيما قرر:

” النص في المادة 85/1 من قانون المحاماة 17 لسنة 1983 على أنه لا يجوز الطعن على قرارات التقدير التي تصدرها النقابات الفرعية إلا بطريق الاستئناف خلال عشرة أيام من تاريخ إعلان القرار … ” الطعن رقم 4026 لسنة 63 ق جلسة 10/5/1944.

وتسري على المصاريف نفس أحكام أتعاب المحاماة، فالمحامي الحق في أن يسترد من عميله ما يكون قد أنفقه من مصروفات قضائية مؤيدة بالمستندات ( مادة 87 محاماة )، و لقد ألزم قانون المحاماة المحامي عند انتهاء توكيله أن يقدم بياناً لعميله بما يكون قد تم دفعه أو حصله من الدعوى أو العمل الموكل إليه بمناسبتها، و أن يرد إلى عميله جميع ما سلمه إليه من أوراق ومستندات ما لم يكن قد تم إيداعها في الدعوى، وأن يوافيه بصور المذكرات، والإعلانات التي تلقاه باسمه (مادة 89 محاماة).

الضمانات المقررة للمحامي

و لقد قرر المشرع للمحامي ضمانات، و تأمينات لاستيفاء حقه من الأتعاب، والمصروفات، فمن الضمانات المقررة للمحامي ضمانة الحبس كضمانة غير مسماة تتميز بالقوة والفاعلية طبقاً لأحكام القانون المدني، فيستطيع المحامي حبس الأوراق، والمستندات المتعلقة بعميله أو حبس المبالغ المحصلة لحسابه بما يعادل أتعابه ومصروفاته التي لم يسددها العميل له طبقاً للاتفاق الكتابي بينهما، فإذا لم يوجد إتفاق كتابي كان للمحامي أن يستخرج صوراً من هذه الأوراق والمستندات التي تصلح سنداً له في المطالبة بحقه، وذلك على نفقة عميله. شريطة. ألا يترتب على حبس الأوراق والمستندات تفويت أي ميعاد محدد لاتخاذ إجراء قانوني يترتب على عدم مراعاته سقوط الحق فيه (مادة 90 محاماة).

التأمينات العينية للمحامي

ومن التأمينات العينية التي أقرها المشرع للمحامي لاستيفاء أتعابه، ومصروفاته من عميله المقدرة بقرار التقدير النهائي؛ أو عقد الصلح المصدق عليه من مجلس النقابة الفرعية أو المحكمة، حق الاختصاص بعقارات من عقارات عميله بحكم يصدر من المحكمة المختصة التي تقع في دائرتها هذه العقارات (مادة 83/2 محاماة)، كما قرر المشرع للمحامي الدائن لعميله حق امتياز يلي مباشرة حق الخزانة العامة على ما آل إلى عميله من أموال، ومنقولات نتيجة عمل المحامي أو الحكم في الدعوى موضوع عقد المحاماة، كما يمتد هذا الحق على ضمانات الإفراج والكفالات أيا كان نوعها (مادة 88 محاماة).

وأخيراً يتقادم حق المحامي في مطالبة عميله أو خلفه العام بالأتعاب، والمصروفات عند عدم وجود اتفاق كتابي بشأنها بمضي خمس سنوات من تاريخ انتهاء التوكيل؛ أو من تاريخ وفاة العميل حسب الأحوال، وتنقطع هذه المدة بالمطالبة بها بكتاب موصى عليه أو بورقة من أوراق المحضرين (مادة 86 محاماة)، ونضيف أن العميل يستطيع بموجب السند المقرر لأتعاب المحاماة والمصروفات سواء كان قرار تقدير نهائي؛ أو عقد صلح مصدق عليه أو عقد أن يرجع به على المحكوم عليه أو الملزم بالمصاريف القضائية، ومقابل أتعاب المحاماة في الحكم الصادر في الدعوى (مادة 184 مرافعات) سند الوكالة بالمحاماة بأمر على عريضة لرئيس الهيئة التي أصدرت هذا الحكم ليلزمه بها (مادة 189 مرافعات).

الود، بين المحامي وعميله

ومما تقدم، فالمنازعة بين المحامي وعميله على تقدير أتعاب المحاماة، والمصروفات التي لم يتم الاتفاق عليها نظمها المشرع في قانون المحاماة فجعل الأصل هو أن يسود بين المحامي، وعميله الود.

والمحبة بأن ألزم اللجنة المختصة بالفصل في النزاع بالتوسط والتوفيق بينهما بعقد صلح يرتضي به الطرفان، وفي حالة رفضهما الصلح تفصل خلال شهر على الأكثر بقرار يتم استئنافه خلال 10 أيام من تاريخ إعلانه أو رفضه، ويسري على الاستئناف أحكام الطعن على الأمر على عريضة، و قرار التقدير النهائي أو عقد الصلح المصدق عليه إذا لم يتم تنفيذه اختيارياً يجوز للمحكوم له سواء المحامي أو العميل اللجوء إلى قاضي الأمور الوقتية؛ لوضع الصيغة التنفيذية؛ ليكون سنداً تنفيذاً يصلح تنفيذه جبراً، ثم تناولنا الضمانات، والتأمينات العينية، والحقوق الممتازة المقررة لحق المحامي على عميله من حق حبس، وحق اختصاص، وحق إمتياز، وأن حق المحامي المقرر بعقد كتابي لا يتقادم إلا بخمس سنوات، وتنقطع المدة بالمطالبة، كما ظهر مدى اهتمام المشرع بالمحامي فيما وازن بين حقه والتزاماته اتجاه عميله فيما ألزامه في جميع أحوال النزاع بينه وبين عميله أن يتخذ الإجراءات القانونية الحتمية التي تمنع الضرر عن العميل، وأن يحافظ على أسراره، و أن يرد له أوراقه دون تعسف إذا استوفى حقه، وذلك؛ لأن مهنة المحاماة تقوم على المبادئ والأخلاق التي تعتبر أساس وجوهر عمل المحامي.

الدكتور / مصطفى حمدي محمود

دكتوراه في الحقوق

فيديو مقال المنـازعــة في أتعــاب المحـامـــاة

أضف تعليقك هنا