بين الخامسة والسادسة

في يوم من أيامِ الله ..يوم جرت العادة أن ينتشر في الطرقات الناسُ كجمعِ النمل حول قطعةَ سكر ..أخذتُ أقرب طريق يوصل لمكان ٍعزَّ علي كل مرة فرقته ..

هي قطعة من شاطئٍ نيلي ..

ساحرة أجملُ ما تراها ما بين الخامسة والسادسة صباحا ، جلستْ على حافةِ الماء ذات السيدة التي أكادُ أجزم أنه لا شَغل لها سوى أن تجلس بذاتِ النطاق ..وقد نثرتْ ملابس لم أتبين لأي عُمرٍ هي من كثرتها واختلاطها وعكفت على غسلٍ ..تترك عينك السيدة كل مرة حين يقطعك صوت الولد القادم من خلفك “يامَّا الوكل مِتى؟! ” لا أعلم إن كان هذا أيضًا شاغله طوال الوقت هو معدته أم أنها من محضُُُُُِ الصدفة ..تركت كليهما ..و خطوتُ بتعرجات مُهمَلة بطول النهر ..حتى وصلت إلى جزئي المفضل ..الحافة ..

أول ما يُلقى السلام على خديك هنا هي تلك الرشات الخفيفة التى ينثرها الماءُ الجاري يعقبه تحية من الشمس في الأفق القريب وقد تمطَّأت وسلبتك أنت أيضا ما بقي من نومك ..أخرجت دفتر رسمي وشرعتُ في استحضار هوايتي التي أنستنيها الثلاثة أشهر الماضية ..الخط الاول أعوج قليلا ..والثاني أهوج ..وحنانيكَ إلى أن وجدت الزاوية المرغوبة ..تبدو ملامح السيدة جميلة ..لم ألحظ من قبل على كثرِ ما أراها ..لكن كل شيء في عين من يرسم يتحول إلى لوحة دفعة واحدة صحيح؟!..

“أمى دي يا أبلة؟!” ..

بدأت أبحث بين أقلامي عن درجة الخُمرة التى تشرَّبت به بشرتها ..وعن لون شفتيها ..وتلك الشامة كالقبلة على خدها الأيسر ..وتعابيرُ الهمة المشوبة بهيبة السنين التى خطَّت على جفنيها خط واثنين ..كنت قد أوشكتُ على الانتهاء حين أتى نفسُ الولد الصائح وقد اشرأبَّت عنقه من خلفي ..”أمى دي يا أبلة؟!” ..

تبسمت ضاحكة للطريقة التي لفظ بها كلامه ..تبدو أنت أيضا جميلاً وتصلُح ككادر للوحة أخرى ..طلبته للجلوس و أن يمكث بلا حراك ..و كظاهرة ٍ غريبة نوعاً أن تجد صغيراً طائعاً تلك الأيام ..سكن مكانه لنصف ساعة ٍكاملة بدون حركة ..حتى انتهيت من عملي ..أريته ما خرج على اللوح ..وأعجبتني عيناه حين ابتسم ..في تلك اللحظة كانت الساعة قد اقتربت من السابعة والنصف صباحا ..أضاءت السماء أكثر من اللازم بالنسبة إلي ..لملمت حوائجي و عدت أدراجي من ذات الطريق المؤدية إلى هنا ..حيث جرت العادة بانتشار الناس بالطرقات كجمع نملٍ حول قطعة سكر .

فيديو مقال بين الخامسة والسادسة

أضف تعليقك هنا