تفعيل الرغبة في التعلم مفتاح النجاح

بقلم: منى عبد الفتاح

مستوى الأداء التعليمي

إن المُتَأمل في حال مجتمعنا يَلْمح بشيء من الوضوح القصور في مستوى الأداء التعليمي، يعكس تدَنِّ لمستويات التعليم، وتراجُعُ جودَتِه ومردوده على المجتمع، وفي ظلِّ هذا التراجُع الملحوظ وتزايُدِ مستوى الإحباط لدى أبنائنا الطلاب وعدم إقبالهم على الأنشطة المدرسيَّة؛ يكون من الأَجْدى التفكير بطرُق وبدائِلَ لِدَفْعهم، وتشويقهم نحو الرغبة الداخلية للتعلم، فالدافع مثل المحرك في الآلة هو الأساس وراء سلوكياتنا ومن بينهـا ”الدافعية للتعلم“.

الدافعية للتعلم

تأمل أداءك وأنت تجبر على القيام بعمل ما، إنك تتم المهمة المطلوبة ولكن قد لا تبذل قصارى جهدك. قد تدفعك السيطرة الخارجية إلى الإذعان والامتثال ولكنها لن تلهمك أبداً أن تبذل أقصى ما لديك من جهد.

لقد تعاملنا مع عدد كبير من المعلمين في مختلف مراحلنا الدراسية وكونا اتجاهات ايجابية او سلبية نحو المعلم او نحو الصف أو نحو المــــــــــادة الدراسية فبعض المواد نكون متشوقين لها وبعضها الآخر نشعر بالملل وننتظر بفارغ الصبر انتهاء هذه الحصة،

ما الذي جعلنا نشعر بذلك؟

لا شك أن المعلم هو الأساس وله الدور الأكبر في ذلك، فإثارة الدافعية هي واحدة من استراتيجيات التعلـم والتعليم التــــي يمارسها المعلم في الغرفة الصفية، بل ربما تكون هي من أهم هذه الاستراتيجيات وأصعبها تطبيقاً، فالطلبة يأتون إلى المؤسسة التعليمية بمستويات مختلفة من الدافعية، فلا يوجد هناك وصفة سحرية لإثارة دافعية الطلبة للتعلم، لذلك فإثارة دافعية الطلبة بحاجة لمهارة وفن من قبل المعلم. حتى يستطيع المعلم إثارة دافعية الطلاب يمكنه القيام بما يلي:

• توجيه انتباه الطلاب نحو أهداف التعلم:

حيث أن كثيراً من ممارسات المعلم الدراسية تنمي أهداف الأداء أكثر من تنميتها لأهداف التعلم، فوضع الدرجات وتوزيعها على أساس المنحنى وتذكير الطلاب بأنهم يحتاجون الحصول على تقديرات عالية، وعرض التقديرات والدرجات ليراها كل فرد، هذه كلها استراتيجيات تشجع الطلاب على تحصيل أعلى الدرجات، أكثر من اهتمامهم بالتعلم ذاته.

وحين يركز المعلم على أهمية هذه المادة في المستقبل، يشجعهم ذلك على الاندماج في تعلم له معنى بدلاً من الحفظ الصم، ويوضح لهم أنهم يحققون تقدماً ملحوظاً، وحين يؤكد على أن التعلم يتطلب بذل الجهد، فإنه يؤكد على أهداف التعلم التي تساعدهم في التركيز على فهم المادة الدراسية وإتقانها.

• توظيف منجزات العلم التكنولوجية:

في ظل التطورات العلمية والتكنولوجية الهائلة، ترى جميع الطلبة مولعين بأحدث الوسائل وأكثرها تطوراً، فإن توظيف المنجزات التكنولوجية في إثارة فضول وتشويق المتعلم، كمساعدته على التعلم من خلال اللعب المنظم، أو التعامل مع البرامج التقنية الحديثة مثل الرحلات المعرفية عبر الانترنت، البيئات الافتراضية، هي أساليب تساهم كثيراً في زيادة الدافعية للتعلم ومواصلته لأقصى ما تسمح به قدرات المتعلم، مع تنمية قدرات التعلم الذاتي وتحمل مسئولية عملية التعلم، وتنمية الاستقلالية في التعلم.

• مشاركة الطلاب يدوياً بالنشاطات التي تؤدي إلى التعلم:

هناك العديد من الأنشطة الصفية التي يمكن للمعلم أن يشرك فيها الطلبة، سواء بتحضيرها مسبقاً، أو بالمشاركة في إعدادها خلال الحصة مع المعلم بمشاركة الزملاء، هذا يساعد على إثارة الدافعية لدى الطلبة للوصول إلى النتائج بأنفسهم، بدلاً من أن تقدم له المعلومات جاهزة، وهم بذلك يعدوا منتجون للمعرفة لا متلقون لها.

• توظيف التهيئة الصفية المحفزة:

يمكن للمعلم استخدام أساليب التهيئة المحفزة عند بدء الحصة، أو عند تقديم الخبرة، مثل قصص المخترعين، والأسئلة التي تدفع إلى العصف الذهني، والعروض العملية المثيرة للدهشة، تعرضهم لموقف مشكل، هذه الأمور من شأنها إثارة الدافعية للطالب لاستكمال الحصة للتعرف على حل هذه المشكلة.

• العمل على إشباع حاجات الطالب النفسية:

ومن أمثلة ذلك الحاجة إلى الحب والانتماء، فكل طالب بحاجة لأن يشعر بأنه محبـــوب وعضو فعال في المجموعة، ويمكن للمعلم أن يعمل على ذلك منذ اللقاء الاول، فيعرفهم بنفسه ويتعرف على أسماءهم ويعرفهم باسم المـــــــادة والاهداف المراد تحقيقها، مناداة الطالب باسمه، تفقده عند غيابه، تشجيع العمل التعاوني والجماعي حتى يشعر الطالب بانه عنصر فعال في هذه المجموعة وله قيمته. جعل البيئة الصفية امنة ومنظمة أيضاً من العوامل التي تشعر الطالب بالاستقرار النفسي والشعور بالأمن والسلامة.

• تجنب استخدام التهديد بالرسوب للطالب الضعيف:

لأن ذلك لا يثير دافعيته للتعلم بل على العكس يشعره بالقلق ويهدد أمنه، فبدلاً من ذلك حاول ان تعرف سبب ضعف هذا الطالب وساعدة على ان يحــــسن أداؤه فاذا كان هذا الضعف ناتجاً عن عدم قدرة الطالب على التذكر، فاعمل معه على تحسين ذاكرته من خلال استخدام مساعدات التذكر، كـأن يعمل اكثر على المهمة التعليمية ويكررها أكثر، او ان يستخدم كلمات مفتاحية ولاقطه او ربما تكــــــون ”عادات الدراسة“ التــــــي يستخدمها الطالب خاطئة ، فساعده على ان يتعرف على عــــــادات الدراسة الصحيحة، ذلك يزيد من قابليته وحافزه نحو التعلم.

• إخبار الطلبة بما يحتاجون للنجاح في مساقهم الدراسي وما هو مطلوب منهم عمله:

ولا تدع الطلبة يجاهدون في تصور ما هو متوقع منهم خلال المساق وتذكير الطلبة بالواجبات المطلوبة ومواعيد تسليمها ومواعيد الامتحانات والمادة المطلوبة، هذا من شأنه أن يخلق جو من الراحة النفسية للطالب مما يساعده على ترتيب أولياته، ليتسنى له استكمال عمله في سبيل تحقيق الأهداف، مؤدى ذلك شعوره بالدافعية نحو مزيد من تحقيق الأهداف.

• التقرب من المتعلمين:

إن المعلم يتوجب عليه التقرب من المتعلمين وأن يحببهم في ذاته، فالمتعلم يحب المادة وتزداد دافعيته لتعلمها إذا أحب معلمها، وحب المعلم مرتبط بأسلوبه ومدى فهمه للمرحلة النمائية التي يتعامل معها، فكل مرحلة لها خصائصها ومداخلها، التي تجعل المعلم يثير من دافعية الطلاب نحو التعلم.

• الحرص على تنمية التفكير لدى الطلبة:

تزداد دافعية الطلاب نحو التعلم إذا شعر أنه يلبي رغبة داخلية لديه، وهذا يمكن أن يتضح من خلال معرفة مستوى الذكاء لدى الطالب، فلكل طالب مجموعة من الذكاوات التي يتميز ببعضها ويحتاج لتنمية البعض الآخر، فإذا تعرف المعلم على طلابه وبدأ تدريجياً بتوصيل طلبته للحد الأدنى من مستويات الذكاء المطلوب الوصول إليها وتنمية التفكير لديهم، سيشعروا بالتطور والتقدم مما يستثير دافعيتهم نحو مزيداً من التقدم.

• العمل على استثارة انتباه الطالب للمهمة التعليمية بشكل مستمر وطيلــة الحصة

والعمل على تقليل المشتتات ما أمكن لأن انتباه الطلبة للمهمة التعليمية انتباهاً حقيقياً، يجعله يحصل على معلومات أكثر ويطــــــرح اسئلة أكثر، ويفكر أكثر ويصبح أكثر قدرة على معالجة المعلومــــات وتخزينها واسترجاعها عند الحاجة.

وتقع قضية إثارة انتباه الطالب بشكل رئيسي على المعلم من خلال:

البعد عن الروتين والتنويع في أساليب عرض المادة والانتقال من أسلوب المحاضرة إلى المناقشة والحوار، واستخدام وسائل لفظية وغير لفظية، بالإضافة لاستخدام وسائل تعليمية متنوعة ومحاولة التقليل ما أمكن من المشتتات داخــل الغرفة الصفية، كذلك استخدام تكتيكات تجعل المهمة التعليمية مشوقــــــة وممتعة سواء من خلال التعبير وحركات الجسم والإيماءات وأسلوب الفكاهة والتمثيل.. الخ كذلك إعطاء فرصة للطالب لأن يلعـــب دور المعلم، واستضافة أي محاضر له علاقة بالموضوع المراد طرحة.

• التواصل مع الطالب في بيئات تعلم متنوعة:

وهنا يأتي دور المعلم من خلال الأنشطة الصفية واللاصفية، وهذا يحتاج من المعلم الإعداد لهذه الأنشطة والتخطيط المنظم؛ لاستثمار وقت الطالب فيها في سبيل تحقيق الأهداف، تبرز أهمية الأنشطة الصفية في تحديد دور المتعلم من خلال وجود فرق عمل أو مجموعات، لكل طالب دوره المثمر فيها يزيد من الدافعية الحماس لإنجاز الأنشطة المطلوبة، كما أن الأنشطة اللاصفية يمكن استثمارها لتفعيل الرغبة في التعلم بالطرق التي يحبها الطالب، إما بالأعمال اليدوية أو بالتقنيات الحديثة أو أي مهارة من المهارات التي يرغبها الطالب ويستطيع تنفيذها.

• الطلبة يتعلمون بطرائق مختلفة:

فلا يوجد عقلان متشابهان تماما؛‏ فلكل منا طريقته في التعلّم.‏ والطريقة التي تنجح مع شخص قد تفشل مع آخر.‏ لذلك يذكر الطبيب مِل لِڤين في كتابه تفرُّد كل عقل بمقدراته‏:‏ «اذا عاملنا كل الاولاد بالطريقة نفسها،‏ نكون غير منصفين.‏ فكل ولد يتعلّم بطريقة مختلفة؛‏ ولكل ولد الحق في ان نفيه حاجته»، فعلى سبيل المثال،‏ يستوعب البعض الأفكار ويتذكرونها بشكل أفضل اذا استخدموا صورا او رسوما بيانية.‏ ويفضل البعض الآخر الكلمة المكتوبة او الكلمة المقولة،‏ او ربما مزيجا من الاثنين.‏ يذكر لِڤين:‏ «افضل طريقة لتذكُّر المعلومات هي تغيير القالب الذي وضعت فيه.‏ فإذا كانت المعلومات بصرية،‏ فحوّلها في ذهنك الى كلمات؛‏ وإذا كانت مكتوبة فاخلق في ذهنك رسما او صورة عنها».‏ وهذه الطريقة لا تجعل الدراسة مفيدة فحسب،‏ بل ممتعة ايضا.‏

وختاماً فلقد تبين لنا أهمية تفعيل الرغبة لدى المتعلم فهي تعد سر من أسرار النجاح، والذي يبرز دوره هنا هو المعلم بالدرجة الأولى، فقد تتوفر المناهج المناسبة والإمكانات اللازمة والبيئة الصفية المعززة، ولكن وجود المعلم المحفز المثير لدافعية الطلبة هو العنصر الأساسي في إثراء الموقف التعليمي من خلال توظيف كافة عناصر العملية التعليمية بما يخدم تحقيق الأهداف التعليمية المنشودة.

بقلم: منى عبد الفتاح

أضف تعليقك هنا