ديننا لا يتجاوز حدود المسجد

حينما تدخل المسجد للصلاة

تنظر إلى هذا ساجدا , وإلى ذلك راكعا , والذي أمامك رافعا يديه مجتهدا في الدعاء. والآخر مستغرقا في قراءة القرآن الكريم , فتشعر بروحانية تملأ القلب طمأنينة , ياله من مشهد عظيم , ويدخل الإمام في سكينة وطمأنينة . لابساً جميل الثياب , وعليه شيء من الوقار , فيعتلي المحراب ويسلم ويقوم المؤذن ليصدع بالحق.

فتنقطع الأصوات . كانقطاع الضوء عنه الطاقة . فيقوم الإمام ويبتدي بالصلاة على الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ويشرع في خطبة رنانة فيرتفع بها صوته أحيانا وينخفض أحيانا , ويذكر من محاسن الأخلاق وكرائم الصفات حاثا ومرغبا , ويضرب الأمثال ويسوق أحاديث المصطفى كل في بابه . وأنت تبحر معه بالأفكار

وتقول في نفسك ليته يكثر ولا يسكت .

وبعدها يختتم بالصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم .

وانتهت الصلاة …وانتهى معها كل جميل…

وحينما تخرج من المسجد وقد تغشتك الطمأنينة والروحانية وتلبسك الخشوع .

تصدم بواقع غير ماكان منذ دقائق . وتتساءل هل هؤلاء اللذين كانوا معي منذ برهة في هذا المسجد

أم أنهم أناس آخرون ؟

فتجد هذا يصرخ في وجه هذا .

وهذا يسب ذاك والآخر يلعن . وتحمد الله أنك خرجت من جو هذه المعارك -الأخلاقية – ولم تشتم أو تلعن أو تقذف …. يا الهي، أهذه أخلاق الإسلام ؟

أين الطمأنينة والسكون ؟ ألم يسمعوا ياترى خطبة الامام أم أنها فقط تكتب لتقرأ ؟

ما أحوجنا في هذا العصر إلى تصحيح مفاهيمنا عن الدين والأخلاق – وكما قال صلى الله عليه:

بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.

أين هي ابتسامتنا البشوشة مع الضعفاء والمساكين وتواضعنا الجم ؟ أين هو عطفنا على الصغار؟ واحترامنا للكبار .

لماذا نعيش حالة متناقضة في أقوالنا وأفعالنا . الواحد فيهم يتصدر المجالس ويتحدث ويخوض في فضائل الأمور ويحذر من رذائلها .

وحينما يتعامل مع بني جنسه . تجده من أشد الناس فضاضة ومن أكذبهم حديثا ومن أكثرهم غشاً في التعاملات، وقل ماشئت .

وحينما يتعلق الأمر بالمختلف معه فكريا أو مذهبيا فيرسل عليه صواعق التكفير والتفسيق وحرمانه من الجنة – لوكانت بيده – هذا ما أفزره الفكر المتشدد ورسخه وغذاه في عقول العامة حتى أصبحت طبائع متجذرة في عادات المجتمع وأثرت في سلوكه وأخلاقه . وحينما تناقش أحدهم في أمر ما لتبين له أو تصحح له مفهموما خطأ معتقدا صحته . يعرض عنك ويسفهك ولا يقبل حجة ولا دليلا . لأنه تشرب جهلا مركبا منذ طفولته . بحيث برمج ذهنه على السماع والخضوع وعدم المناقشة وتلقيه الأمر بالإذعان والقبول .

كيف نتج الجيل المنغلق ثقافيا ومعرفيا؟

وحينما يقرأ بعض الروايات في كتبنا الإسلامية والتاريخية يجد فيها مايناقض القرآن تارة والعقل تارة أخرى . ومما يسمعه أيضا من تهويل السؤال وحرمته حينما يحتاج العقل للتساؤل ومعرفة الأسباب وكيفية حدوثها من بعض رجال الدين الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على الناس . فأصبح شخصا متلقيا يحفظ مايسمع معتمدا على المنقول بدون تمحيص عن المعلومة الصحيحة . ومن هنا نتج جيلا منغلقا ثقافيا ومعرفيا . معتمدا على النقل ومعطلا للعقل . فأصبحت مجتمعاتنا تعاني الازدواجبة في شخصيتها . وقصوراً في فهمها للدين الصحيح ومحصورا على فئة من الناس دون غيرهم .

لذا يجب على مفكرينا وعلمائنا الأجلاء . أن يقوموا بتصحيح وتنقيح كتبنا الدينية , وتنظيفها من الغث والسمين , بما يتماشى مع سماحة الإسلام الصحيح وبما يتوافق مع العقل والمنطق . وكما قال ابن رشد:

(إن الله لم يشرع الشرائع لتخالف العقل) .

وأن يجعلوا من الأخلاق ثقافة في تعاملنا مع الآخرين وليس في أقوال مجردة .

فيديو مقال ديننا لا يتجاوز حدود المسجد

أضف تعليقك هنا

أحمد سالم الغزواني

احمد سالم الغزواني
مهتم بالفلسفة وعلم الاجتماع
ادعو الى تحرير الفكر من الموروث والاستقلالية الفكرية.