فى حب و نقد أستاذ جيلنا يوسف زيدان

أستاذ الجيل

لا أدعي العلم بإرهاصات و تفاصيل و كيفية ميلاد لقب أستاذ الجيل ، ذلك اللقب الذى اتصف به الدكتور أحمد لطفى السيد رجل الفكر و العلم النابهة ( رغم استشارتي لأكثر من مرجع كان من أهمها : معجم الألقاب و الأسماء فى التاريخ العربي للدكتور فؤاد صالح  )، إلا أنني أزعم قدرتي على تفسير و تحديد السبب الذي من أجله لُقًب الاستاذ الجليل بلقب ( أستاذ الجيل ) .

أحمد لطفي باشا السيد

فرغم حياة أبو الليبرالية المصرية أحمد لطفي باشا السيد و مسيرته الفكرية و العملية الطويلة المثمرة الزاهرة ، و مواقفه العملية والانسانية الفارقة ، إلا ان اهم ما اتصف به و ميزه عن غيره من مفكري جيله هو مجمل مشروعه العلمى الذى كان يتلخص فى محاولة إرساء البناء التحتي الفكري و الثقافي لملامح شخصية الجيل . بمعنى آخر محاولة إرساء البناء التحتى للشخصية الثقافية المصرية العامة . من هنا كان دافعي بتلقيب المفكر الدكتور يوسف زيدان بلقب ( أستاذ جيلنا ) محاكاة للطفى السيد ( أستاذ جيله).

يوسف زيدان، أستاذ جيلنا

فبغض النظر عن شاعرية و موسيقى أعمال زيدان لغةً و فكراً و مضموناً ، و بغض النظر عن أصالة هذه الأعمال و أهمية محتواها ، فإن أهم ما يميز منهجه عن مناهج الآخرين من المشتغلين بقراطيس العلم و أرواق الفكر و صحائف الفلسفة الأولى – في تقديري – هو محاولته إعادة بناء المفاهيم و الرؤى التى يتم على أساسها النظر و التفكير .

و بالتالي فكلاهما الأستاذان يلتقيان فى زاوية ( التأسيس ) لبنية تحتية معرفية جديدة لعقل جيل ، و ذلك من خلال تفكيك ( مخيال ) هذا الجيل تفكيكً نقدي هادئً يخلو من عنف أسلوب الصدمات الكهربائية .  يتلازم هذا التأسيس و التفكيك دوماً مع طرح عام  لتصورات معرفية بديلة.

من هنا أيضاً و تماشياً ومحاكاة لمنهج ( أستاذ جيلنا ) النقدي الناعم الحكيم أكتب مقالتي هذه التى تحمل نقداً هادئا ً لما ذكره بخصوص (غزوة بنى قريظة ) فى لقائه التلفزيوني الأخير و الذي ناقش فيه كتاب ( تاريخ اليهود في بلاد العرب ) للباحث إسرائيل ولفنسون .

ذكر ( استاذ الجيل ) ماذكره اعتماداً و تصديقاً لرواية (ابن اسحاق ) تلك التي وصلتنا من خلال ( ابن هشام ) و الذي نقلها بدوره عن شيخه ( البكائي )  . و مجمل رواية ابن اسحاق هو : أنه في أثناء غزوة الأحزاب كان قد اتصل حيي بن أخطب زعيم بني النضير بكعب ابن أسد زعيم بنى قريظة ( القبيلة اليهودية الوحيدة التي بقيت في المدينة و التي كانت مسئولة من قبل الرسول عن حماية المدينة من جهة الجنوب ) ، و عرض عليه الانضمام  إلى الأحزاب ، فوافق بعد تفكير و تردد ، ثم أرسل  – اى كعب ابن أسد – تمهيداً لبدء مساعدته للأحزاب كشافاً لاستطلاع المنطقة التى كانت أسر و نساء المسلمين متواجدة فيها ، فتصدت له صفية عمة النبى محمد و قتلته .

و كان طبيعيا بعد نهاية الغزوة و انتصار المسلمين أن يعاقب الرسول بنى قريظة على خيانتهم ، فاتجه و معه جيش من المسلمين إلى حيهم ، إلا إنهم تحصنوا بحصونهم و أغلقوا الابواب على أنفسهم ، و تكررت قصة بنى قينقاع و بنى النضير .

و استمر حصار الرسول لهم خمسة و عشرين ليلة حتى جهدهم الحصار فاستسلموا، فتشفعت لهم الأوس لأنهم كانوا مواليهم ، فقال لهم رسول الله : ( ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم ؟ ) فقالوا نعم ، فعين الرسول سعد بن معاذ حكماً و فى قول آخر هم الذين اختاروا بأنفسهم سعد ، و قد طلبت الأوس من سعد أن يُحسن فى مواليه ، فأجاب : ( لقد أنى لسعد ألا تأخذه فى الله لومة لائم ) ، و حكم بقتل الرجال و تقسيم الأموال و سبى الذرارى و النساء . ثم استنزل بنو قريظة وحبسهم الرسول فى دار إمرأة ، و حفرت خنادق فى سوق المدينة و سيقوا إليها ارسالاً ، فضربت اعناقهم فى تلك الخنادق ، و كانوا بين ستة مائة و تسع مائة و قد تولى تنفيذ الحكم الزبير بن العوام  و على بن أبى طالب .

هذه هى رواية ابن اسحاق باختصار شديد فيما يخص يهود بني قريظة  .

و نحن قبل أن نحلل و ننقد رواية ابن اسحاق فى مذبحة بنى قريظة ، و هي الرواية التى اعتمد عليها الدكتور زيدان مؤكداً صحتها ومن ثم تأكيد وقوع المذبحة نود الاشارة الى نقطتين :

أولاً :

إن أحد أسباب كتابة هذا المقال هو الإشارة إلى أن المنهج الذى نتمنى أن يتبناه المؤرخين و الدارسين و المهتمين بكتابة التاريخ الإسلامي بشكل عام هو المنهج النقدي القائم على التحليل العقلي المحايد و المنزه عن اتخاذ موقف مسبق، و الساعي فقط إلى الوصول  لمعرفة الحقيقة التاريخية المجردة ، قاطعاً فى سعيه العقلي المنزه هذا كل صلة له بالتفكير العاطفي المحبب للنفس الانسانية وأسلوب  النقل والسرد الألي المقرًب الى عامة الجمهور .

 إن مفتاح هذه النقلة النوعية فى كتابة التاريخ – فى تقديري و قناعتي – تكمن فى التخلي عن مبدأ ( التبرير المر ) للتحلي برداء ( التفكير الحر ) .

ثانياً :

إن أحداث هذه المذبحة المزعومة تُوظف دائماً و أبداً من قبل خصوم الإسلام خاصة فى المحافل و الكتابات الأكاديمية الغربية للتدليل على عنف الإسلام و عنف نبي الإسلام ،  لذا وجب الرد عليها علمياً و منطقياً خاصة أنها و غيرها من الأساطير الموجودة في كتب التاريخ الإسلامي ( و ما أكثرها ) كانت سبباً فى إلحاد بعض المسلمين. و من المفارقات الغريبة أن أول من يدافع عن مثل هذه الأساطير و الخرافات و الإسرائليات هم المسلمون أنفسهم خاصة التيار المحافظ منهم ،  هذ التيار الذي يدافع عن التراث دفاع أعمى حتى و إن نبأ التراث عن الأسماع أو استوحشه السامع ، متصوراً أنه بصنيعه هذا يدافع عن الاسلام ، و بذلك – و هذه هى المفارقة التى تحتاج الى تأمل –  يجتمع التيار المحافط المافع (كما يتوهم و يظن) عن الاسلام مع التيار المهاجم للاسلام تاريخاً و عقيدة فى خندق واحد ، خندق الدفاع عن المرويات الاسلامية صحيحها و غير صحيحها .

رأينا في مسألة بني قريظة

و الآن نعرض فى إيجاز رأينا في مسألة بنى قريظة و هو الرأي الذي يخالف بالطبع رواية ابن اسحاق و يتبنى رواية اخرى قال بها بعض الدارسين المتأخرين و التى مفادها : أن الذين قُتلوا كانوا فقط زعماء بنى قريظة وكبارهم و ذلك لأنهم كانوا هم وحدهم الذين اتخذوا قرار مساعدة الأحزاب و خيانة المسلمين ، و ما كان يمكن أن تُؤخذ القبيلة كلها بجريرة زعمائها ، خاصة ان ذلك – فى حالة وقوعه –  كان  سيتعارض مع مبدأ القصاص العادل الوارد فى القرآن الكريم صراحةً ، و هو المبدأ الذى كان محل اهتمام النبي محمد طيلة حياته وهو المبدأ الذى كان محل اتفاق بين المسلمين و اليهود كما جاء فى بنود صحيفة المدينة.

دليلنا على صحة هذا الرأي

أما دليلنا على صحة هذا الرأي فنقدمه فى النقاط التالية ، تلك النقاط التى اعتمدنا فيها بشكل أساسي  – و لكن بتصرف – على دراسة الدكتور بركات أحمد المنشورة منذ سنوات فى كتاب بعنوان ( محمد و اليهود نظرة جديدة ) : –

1 .. وفقاً لحديث أبو سعيد الخدرى و الذى رواه البخارى و مسلم أن سعد بن معاذ ذهب إلى بنى قريظة قبل غزوة الأحزاب و ذكرهم بالعهد الذى بينهم و بين الرسول ، فأخبروه أنه لا عهد بينهم و بين محمد فشاتمهم و شاتموه ، و كان رجلاً فيه حدة ،  فقال له سعد بن عبادة دع عنك مشاتمتهم فما بيننا و بينهم أربى من المشاتمة ، و تمنى سعد بن معاذ ان يعيش لينتقم من خيانة بنى قريظة . و السؤال الآن : كيف توافق ( و فى رواية تختار ) الأوس سعد بعد هذه الواقعة ليكون حكماً لتحديد مصير مواليهم ؟ و كيف لا تعترض بنى قريظة نفسها و تتهم سعد بعدم الحياد ؟ إن اختيار سعد و موافقة بنى قريظة على هذا الاختيار تعنى دعوتهم لسعد للحكم عليهم بالاعدام .

2 .. بعد الحوار ( الخيالى ) الذى من المفترض انه تم  بين كعب ابن أسد و بنى قريظة ، طلب هؤلاء من الرسول محمد أن يبعث لهم أبا لبابة بن المنذر لآستشارته ، و سأل بنو قريظة أبا لبابة لدى وصوله عما إذا كان عليهم أن ينزلوا على حكم الرسول  فقال : نعم ، و اشار بيده إلى حلقه بما يعنى الذبح ، و قال ابو لبابة : ( فوالله ، مازالت قدماى من مكانهما حتى عرفت أنى قد خنت الله و رسوله صلى الله عليه و سلم ) ، و ينقل ابن هشام و ليس ابن اسحاق آيتين من القرآن عن زلة لسان أبى لبابة ، و الاستشهاد بهاتين الآيتين أستشهاد فى غير محله ، فالآية الأولى ( الآية رقم 27 من سورة الأنفال ) لم تنزل فى زمن غزوة الأحزاب بل نزلت بعد غزوة بدر ، و الآية الثانية (  الآية رقم 102 من سورة التوبة ) و التى تتعلق بتوبة ابى لبابة كما يقول ابن هشام نزلت  بعد غزوة تبوك .

و إذا صحت رواية ابن إسحاق ( وهى فى نظرنا غير صحيحة ) فيما يتعلق بتصرف ابا لبابة فهذا معناه أن ابا لبابة كان يعرف نية الرسول و أن حكم سعد بن معاذ اللاحق كان معداً من قبل ، بمعنى آخر أن المحاكمة التى تمت بعد ذلك كانت محاكمة صورية أو مسرحية إسلامية  و هذا أمر صعب تصوره فضلاً عن قبوله .

3 .. ان ابن إسحاق يقول ان مابين 600 و 900 رجل من بنى قريظة ضربت أعناقهم ، وليس من المعروف كم كان عدد مقاتلى بنى قريظة جميعاً ، و لو افترضنا ان كل اسرة فى هذه القبيلة كانت تتكون من ست أشخاص (وهذا متوسط منخفض  ) ، لكان عدد من استسلموا من الرجال و النساء و الأطفال يتراوح بين 3600 و 5400 ، و يقول ابن اسحاق انهم حُبسوا جميعاً فى دار بنت الحارث و هى امرأة من بنى النجار و انهم قيدوا بالحبال ، أن حبس اربعة إلى خمسة ألاف شخص عملية تثير مشكلات كثيرة حتى لو كان ذلك فى مدينة كبيرة فى زمننا هذا ، و إذا صدقنا مايقوله ابن اسحاق فلابد ان يثرب كانت مدينة على مستوى عال من التنظيم يمكن اتخاذ ترتيبات لحبس هذا العدد الضخم من السجناء . كم كانت مساحة هذه الدار ؟ و فى أى جهة كانت تقع ؟  و كم من الحبال أستخدمت فى تقييدهم ؟ و هل قُدم طعام للسجناء ؟ و أى ترتيبات صحية اتخذت لكل هذا العدد من الناس ، فى بلدة ليس فيها مراحيض و كان الناس بما فيهم النساء يخرجون فى ظلام الليل لقضاء الحاجة ؟

4 .. لقد كان بنو قريظة يعيشون على مسافة تبعد ست أو سبع ساعات سيراً على الأقدام من المدينة . و قد استنزلوا بعد استسلامهم إلى المدينة و حبسوا فى بيت من البيوت وفى اليوم التالى حفرت الخنادق فى السوق لدفن من ينفذ فيهم حكم الاعدام . و من المستغرب ( إذا صدقنا رواية بن اسحاق ) على قائد حربى له ما للرسول صلى الله عليه وسلم من خبرة ذكية بالاستراتيجية و الخدمات اللوجستية ، ان يحضر قرابة حمسة ألاف أسير منهم تسعمائة  لإعدامهم طوال المسافة من مساكنهم إلى المدينة و ان يدفن من نفذ فيهم حكم الإعدام فى قلب المدينة ، لقد كان الأفضل من ذلك بكثير و أكثر فاعلية و كفالة للأمن أن يتخلص منهم خارج حصونهم ، و ألا تستنزل إلى المدينة سوى النساء و الذرارى ، و بهذا كان يمكن حل مشكلة الأمن الذى يهدده و جود السجناء ، و الحالة الصحية التى يخلقها وجودهم فى المدينة .

5 .. أن التمحيص التفصيلى يثبت أن قصة هذه المذبحة  بأكملها قصة لا تقف على قدميها  – و كما يقول ابن خلدون : القانون فى تمييز الحق من الباطل فى الأخبار بالامكان و الاستحالة –  و قد سبق أن ذكرنا ان المدينة فى زمن الرسول  لم يكن فيها مكان يسع اربعة إلى خمسة ألاف شخص ، و انها لم تكن مزودة بوسائل تسمح بتنفيذ حكم الإعدام فى 600 أو 900 شخص فى يوم واحد . و قد أثار قتل مثل هذا العدد الكبير من الناس و التصرف فى جثثهم مشاكل حتى فى ألمانيا النازية التى كانت مادة ( سيانيد الهيدروجين) تستخدم فيها كعقار قاتل فعال ، و لاشك ان المذبحة التى تتم فى قلب مدينة مأهولة بالسكان تختلف كثيراً عن تلك  التى تتم فى مدينة عاث فيها فساداً جيش غاز يسير من مدينة إلى مدينة مخلفاً وراءه جثث تجعلها غير قابلة للسكنى . و يكاد يكون من المستحيل فى مثل هذه الظروف أن ينجو أهل المدينة من التيفود أو التيفوس ، و كلاهما مرض وبائى متوطن ، و أيضا من الإنفلونزا و الإسهال ، و قبل كل شيء من الكوليرا ، لكن كل هذا لم يحدث فى المدينة و لم يحدثنا أى كتاب تاريخي من قريب او بعيد عن حدوث مثل هذه الوقائع فى المدينة عشية حدوث هذه المذبحة المزعومة .

6 .. وفقاً لرواية ابن اسحاق فإن سبايا بنى قريظة من النساء و الذرارى أرسلوا إلى نجد لكى يبتاع بهم خيل و سلاح ، و فى الواقع فإن هذه الرواية تجافى العرف الذى كان متبعاً ، لقد كان اليهود يشترون دائماً سباياهم من العرب بعد كل اشتباك مسلح ، و كان يهود خيبر و يهود بنى النضير و وادى القرى و تيماء بل يهود المدينة ذاتها قادرين على شراء هذه السبايا ، و المسلمون إذا كان همهم المال على الاطلاق لشراء الخيل و السلاح فلم يكن يمثل لديهم فارق بين بيع السبايا فى نجد أو فى خيبر ، بل ان بيعهم فى الحجاز كان من المفترض أيسر بكثير من الرحيل بمثل هذا اعدد الكبير إلى نجد .

7 .. يبدو أن المسلمين الذين شهدوا مصارع القوم كانوا مجردين من الشعور . فلابد أنها كانت تجربة مدمرة للكثيرين ، و حدثاً لا ينسى حتى بالنسبة لمن كانوا يعتبرون أن ما وقع كان له تماماً مايبرره ، و لابد ان أحداثاً يتمزق لها نياط القلب قد حدثت خلال اليوم ، و لابد ان بعض من صدر عليهم حكم الاعدام قد حاولوا المقاومة ، و ان آخرين قد صدرت منهم كلمات حسرة و توبة ، و لابد أنه كان هناك كثيرون لم يقتلوا من الضربة الاولى أو ماتوا من الرعب حتى قبل أن ينزل على رقابهم سيف الجلاد ، و لابد ان الزبير و عليا اللذين قاما بوظيفة الجلاد واجها مشاكل عديدة  وشهدا جوانب عديدة للطبيعة الإنسانية في ذلك اليوم ، و لكن لا علي و لا الزبير و لا أي شخص فى الواقع ذكر شيئاً عن مشاعره ازاء عملية القتل هذه في أي وقت من الأوقات .

إن الجلادين و حفاري القبور و متعهدي الجنازات يتعاملون مع الموت فى المجرى العادي لحياتهم و يعتبرون ان مهنتهم مهنة شريفة وأخلاقية و مع ذلك فإن معايشتهم المستمرة للموت تخلق عندهم معاناة و رعباً يسمى (بذنب الدماء)، و ليس في مقدور أحد كائناً من كان أن يخرج من مذبحة أزهقت فيها أرواح 600 إلى 900 شخص فى يوم واحد بأعصاب هادئة دون ان تهتز شخصيته .

و ما كان يمكن لإرث مذبحة لقى فيها كل هذا العدد مصرعهم أن يترك علياً أو الزبير يعيشون فى سلام ، و رغم أن حياة الزبير ليست معروفة لنا بالكامل ، إلا أننا نعلم الكثير عن حياة الخليفة الرابع ، و ليس فى خطب علي و لا في رسائله و أحاديثه السياسية و حكمه التى جمعت فى نهج البلاغة ما يستشف منه أنه مر بتجربة كتجربة القتل الجماعي المزعوم . لقد حاول علي بعد انتصاره فى معركة الجمل أن يخفف من شعور المهزومين بمرارة الهزيمة ، فمنع سبى نسائهم و ذراريهم بالرغم من معارضة بعض اتباعه ، و كان بعد ان تنتهى المعارك يظهر حزنه و يبكى الموتى بل و يصلى على أعدائه ، لقد كان علي جندياً شجاعاً ولكنه لم يكن جلاداً متحجر القلب ، و كان رفيقه فى تنفيذ حكم الاعدام الزبير ابن العوام رجلاً مشهود له بالشهامة ، و قد اشترك فى جميع المعارك و الغزوات الكبرى فى حياة الرسول ، و مجرد التفكير فى ألا يكون قد ظهر على من يدعى أنهما نفذا هذه المذبحة المزعومة قبل الحدث أو بعده عرض من أعراض الشخصية التى فقدت إنسانيتها أمر غير مقبول من وجهة النظر السيكولوجية .

8 .. لقد حدثت واقعة بنى قريظة قبل عقد صلح الحديبية و قبل إقرار السلام مع خيبر و من المستحيل لو أن ما روى بشأنها فيما بعد كان صحيحاً  تصور أن تصمت عنها ألسنة المشركين والمنافقين و يهود أورشليم و الشام و العراق. لقد ندد الناس بخرق جحش للشهر الحرام و إراقته الدماء فيها ، و نددوا بتحريق نخيل بني النضير ، و نددوا بتزوج الرسول من زوجة أبنه بالتبنى بعد طلاقها ، و دافع القرآن الكريم عن الرسول في ذلك، و من المستبعد أن يكون اهتمام ناقدي الرسول بأرواح بني قريظة ( إذا كانت قد أُزهقت ) أقل من اهتمامهم بنخيل بني النضير .

عماد فهمى

باحث و كاتب مقيم فى أوروبا

…………………………………………………………………………

الأعمال المنشورة :

ظلال السلام في الإسلام  ( نشر ورقي – دار ليلى للنشر )

تأملات حول تاريخ النص النبوي ( نشر إلكتروني – الكتاب غير متاح حالياً لأسباب فنية )

فى ذكرى مارتا ( نشر ورقى – دار تويتة للنشر )

فيديو مقال فى حب و نقد أستاذ جيلنا يوسف زيدان

أضف تعليقك هنا

عماد فهمي

باحث و كاتب مقيم فى أوروبا