التقاضي الإستراتيجي..محرك التغيير

إن تمكين الفئات الهشة والمهمشة في المجتمع من تحصيل حقوقها هو أهم ما يصبوا إليه الحقوقيون، وتجدهم يسلكون في سبيل ذلك شتى الطرق الممكنة من حملات ضغط ومناصرة وحراك مجتمعي ونشر الوعي القانوني وتفعيل دور الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من الطرق الممكنة، وهنالك من توجه في السنوات الاخيرة نحو وسيلة “التقاضي الاستراتيجي” أو ما يعرف بتقاضي الأثر كوسيلة فعالة للحد من الانتهاكات الواقعة على حقوق الإنسان.

ما هو التقاضي الاستراتيجي؟

تتمثل آلية التقاضي الاستراتيجي برفع قضية قد تكون دعوى مدنية أو طعن بقرار إداري أو طعن بعدم دستورية النص القانوني ذاته لإخلاله بالمساواة وتكافؤ الفرص. وهذه القضية تتعلق بشخص أو بمجموعة من الأشخاص أمام محكمة مختصة يكون الهدف منها الحصول على حكم أثره يتجاوز هذا الشخص أو تلك المجموعة ليصل الى شريحة كبيرة من المجتمع أو إلى المجتمع ككل.

التقاضي الاستراتيجي يساهم في تشكيل رأي عام

من هنا يتضح أن التقاضي الاستراتيجي يعمل على تسليط الضوء على قضية معينة ويضعها تحت المجهر، ويمكن الإعلام بوسائله المختلفة من تغطية الحدث، مما قد يخلق قضية رأي عام تُحدث حالة من الجدل والنقاش بين المواطنين وترفع درجة الوعي بينهم، وتساهم بتشكيل رأي عام موحد وضاغط على صانعي القرار يكون رأياً مؤيداً ومناصراً للقضية.

محاور التقاضي الاستراتيجي

يرتكز التقاضي الاستراتيجي على محورين أساسيين الأول هو إلغاء القوانين التي من شأنها ان تخلق حالة من الإجحاف أو التمييز بين المواطنين، حيث أنها تتناقض مع الحقوق والحريات التي نص عليها الدستور والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان ومن أبرز أمثلته الطعن بعدم دستورية القانون، والثاني هو تفعيل قوانين موجودة بالفعل ولكنها غير مطبقة امام المحاكم وإعمال الحقوق والحريات التي تتيحها هذه القوانين.

التقاضي الاستراتيجي طريق شائك

لكن هذا لا يعني أن طريق التقاضي الاستراتيجي مكلل بالزهور فهنالك العديد من العقبات التي قد تواجه من يسلك هذا الطريق، أهمها طول أمد التقاضي، والنتيجة كعادة سائر القضايا غير مضمونة، وقد تكون المحاكم تفتقر الى الحياد لعدم استقلاليتها التامة عن الحكومة، بالإضافة الى صعوبة التحكم بمجريات المحاكمة وما قد تحمله تلك الفترة من أحداث غير متوقعة، ناهيك عن أنها وسيلة مكلفة وقد تكون في بعض الأحيان باهظة الثمن.

مصر رائدة التقاضي الاستراتيجي في العالم العربي      

و فيما يتعلق بالدول العربية تعتبر مصر رائدة في مجال التقاضي الاستراتيجي ، فقد طبقت هذه الآلية منذ عقود من الزمن و ذلك عن طريق دعم المؤسسات غير الحكومية لتفعيل معايير حقوق الانسان في قضايا معروضة أمام المحاكم ، و من أمثلة تجارب التقاضي الاستراتيجي الناجحة في مصر قضية الحد الأدنى للأجور التي رفعتها أحد المؤسسات غير الحكومية المعنية بالحقوق الاجتماعية و الاقتصادية و ذلك نتيجة لتفاقم مشكلة التضخم و ارتفاع أسعار السلع و الخدمات التي أدت الى انزلاق شرائح كبيرة من المجتمع الى حد الفقر و دون حده ، دون قيام الدولة بدورها بضبط الحد الأدنى للأجور بما يتناسب مع الوضع، و تم الاستناد في الدعوى الى القوانين المطبقة و العهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية و الاقتصادية و تم تزويد المحكمة بدراسات بالأسعار و الحد الأدنى للأجور مع إمكانية تنفيذه و تمويله ، و بناء على ذلك أصدرت المحكمة حكمها بإلزام الحكومة بوضع حد أدنى للأجور.

وأيضا قضية خصخصة التأمين الصحي….

التي تم المطالبة فيها بإلغاء قرار رئيس الحكومة بتحويل التأمين الصحي إلى شركة قابضة استثمارية، استنادا إلى القوانين المطبقة والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وقد قضت المحكمة بإلغاء القرار المذكور بالفعل ولم تستند في قرارها إلى العهد الدولي فحسب بل تبنت التعليقات العامة للجنة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية أيضا وغيرهم العديد من القضايا التي كان لها الأثر الواضح في ترسيخ حقوق الإنسان. هذا ومازالت العديد من الدول العربية الأخرى تخطو خطواتها الأولى نحو التقاضي الاستراتيجي مثل فلسطين والأردن وتونس مؤخرا.

فكروا مليا قبل الشروع في التقاضي الاستراتيجي  

إذا فالتقاضي الاستراتيجي يعتبر وسيلة مبتكرة للتمكين والمناصرة وهو مغامرة شيقة بلا شك، إلا أنه قد لا يكون الخيار الأنسب في كثير من الأحوال، كما أنه قد يصلح أن يكون الوسيلة الوحيدة المتبعة وقد يحتاج الى دعم الوسائل الاخرى له في أحيان أخرى. لذا يجب التفكير مليا قبل الشروع فيه لأن الفشل فيه وعدم تحقيق الأهداف المرجوة منه يؤدي الى استقرار الأوضاع القانونية وتأييدها على أرض الواقع.

 فيديو التقاضي الاستراتيجي .. محرك التغيير

أضف تعليقك هنا