فقه الصداقة (4) الحب في الله من مقاصد الشرع

الحب  من مقاصد الشرع :

 إن ذلك الحب لهو أحد مقاصد شرع الله في علاقة المؤمنين مع بعضهم ، ولم لا وقد حكى الله حال المؤمنين فقال قاصرا (( إنما المؤمنون إخوة )) فإذا كان هذا هو حال المؤمنين جميعا فما بالك بمن اصطفيناه من دون الناس جميعا ليكون الصديق المقرب والخدن المحبب ،لا شك سيكون أقرب من الأخ والأب والناس جميعا ولنا مع هذا الأمر مبحث خاص قريبا…….

ألا و إن رسول دين المحبة دين الإسلام ماترك لنا وسيلة تؤدي إلى هذا المقصود العظيم إلا دلنا عليها فقال ( ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم ) وقال كذلك ( تهادوا تحابوا )

 

◄ولا أدل على ذلك أكثر من أن دين الإسلام قد فضل الذي يحب أخاه أكثر من حب أخيه له !!وما ذلك إلا ليتسارع المتحابون ويزدادوا حبا وائتلافا ، قال – صلى الله عليه وسلم – : ( ما تحاب أخوان في الله إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه ) ….

البوح بالحب!

بل ندب رسولنا الكريم عليه صلوات الله وسلامه أن يبوح المرء بحبه لأخيه إذا وجده في قلبه ، بل لم يكتف بذلك فجعل جزاء هذا البوح أن يقول له أخوه عندما يعلم أنه يحبه : أحبك الذي أحببتني له !! وهل هناك جزاء خير من أن يحب حبيبك اللهُ عز وجل ؟! ، قال الله في الحديث القدسي  : ( وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين في والمتباذلين في ) فنعمت الجائزة أن يحبك الله جزاء حبك للمؤمنين الصالحين………………

◄بل جعل جزاء المتحابين فيه أن يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله من السبعة المشهورين !!  بل يسأل الله عنهم يوم القيامة سؤال تشريف 🙁 أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي ) بل جعل المتحابين فيه على منابر من نور يوم القيامة ،

وما أحلى أن يكون رفيقك وحبيبك في الدنيا رفيقك يوم القيامة في ظل الرحمن على منبر من نور بل تكونان في نفس الدرجة والمنزلة في الجنة وإن تفاوتت أعمالكما فبحبك لصديقك العابد التقي تشاركه منزلته في الجنة لا لشيء إلا حبك المخلص الصادق له !!!!!!! لذا يلحق بهم فقال لهم مقولته الشهيرة : المرء مع من أحب ……………

 

بل  جعل الإسلام الحب الصادق علامة من علامات الإيمان

قال صلى الله عليه وسلم 🙁 من سره أن يجد حلاوة الإيمان فليحب المرء لا يحبه إلا لله ) .

بل جعل ذلك أعظم شعب الإيمان ( ود المؤمن للمؤمن في الله أعظم شعب الإيمان ألا ومن أحب في الله وأبغض في الله وأعطى في الله  ومنع في الله فهو من أصفياء الله )

بل جعل الصالحون حبهم شفاعة لهم عند الله سبحانه وتعالى فقال ابن سماك عند موته : (اللهم إنك تعلم أني إذا كنت أعصيك كنت أحب من يطيعك فاجعل ذلك قربة لي إليك !)

بل الأعظم من كل هذا أن يغبطك أسياد البشر يوم القيامة !!

يقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إن من عباد الله لأناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى» قالوا: يا رسول الله تخبرنا من هم. قال: «هم قوم تحابوا بروح الله بينهم، على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، والله إن وجوههم لنور وإنهم لعلى نور لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس»

وليس ذلك بالعجيب فكلما التقى الصديقان الحبيبان انتثرت ذنوبهما وهما لا يشعران فيأتيان يوم القيامة بلا ذنوب يقول- صلى الله عليه وسلم-: «إن المسلم إذا لقي أخاه المسلم، فأخذ بيده تحاتت عنهما ذنوبهما كما تتحات الورق عن الشجرة اليابسة في يوم ريح عاصف وإلا غفر لهما ذنوبهما ولو كانت مثل زبد البحار» ..

فما أعظمه من شرف حرم منه التعساء ونسي حظه منه الجهلاء !

الحب في الديانات الأخرى :

 إن من العوامل المشتركة في جميع الديانات سواء أكانت سماوية الأصل أو وضعية بشرية – نشر المحبة بين أبناء هذا الدين فالحب يجعل بناء الأمة متماسكا مترابطا فيصعب اختراقه أو شقه ويصير من المحال اجتثاثه أوهدمه ، ولما كان حديثنا عن الصداقة التي هي من أعظم صور المحبة كان لزاما علينا استعراض صور الحض على الحب في الديانات الأخرى لنرى الصورة المثالية التي تراها الأديان في العلاقة المجتمعية .

فإذا أخذنا المسيحية مثالا

نجد أن العهد الجديد لخص مسألة الحب في كلمة ( الله محبة ) ليبين مدى طلب السماء لانتشار الحب بين البشر ونجد في يوحنا مثلا على لسان عيسى عليه السلام (  وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُم ْ أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِهذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلاَمِيذِي ) وفي تسالونيكي (وَأَمَّا الْمَحَبَّةُ الأَخَوِيَّةُ فَلاَ حَاجَةَ لَكُمْ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا لأَنَّكُمْ أَنْفُسَكُمْ مُتَعَلِّمُونَ مِنَ اللهِ أَنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ) بل بالغ الإنجيل في مسألة نشر المحبة حتى قال على لسان عيسى ( أحبوا أعداءكم ) ولعله قصد بذلك حب الخير لهم بتبليغهم الدعوة حتى تكتب لهم النجاة من الهلاك …..

وإذا رجعنا لليهودية

وجدنا العهد القديم تحدث عن الحب كثيرا ففي سفر الأمثال ( البغضة تهيج الخصومات والمحبة تستر كل العيوب)وفيه أيضا ( أكلة من البقول حيث تكون المحبة خير من ثور معلوف ومعه بغضة )

ومحبة داوود ليوناثان قصة مشهورة في العهد القديم غنية عن التعريف وكذا صداقة النبي اليشع والنبي إيليا و صداقة راعوث ونعمى …

أما البوذيون فيسمون دينهم دين الحب ويقولون عن الحب إنه الوسيلة المنشودة لتغذية الحرية الروحية !

وإذا نظرنا للكونفوشيوسية نجد كونفوشيوس نفسه يقول : إن القلب الذي يعمر بالحب لا يخطئ ، وهو شبيه بمقالة أرسطو : إذا عم الحب فلا حاجة للعدل !

الحب في الديانات القديمة

فنجدها قدست الحب لدرجة أنها جعلت للحب إلها خاصا فاليونانيون لهم إله الحب أفروديت ، أما الإغريق فإله الحب عندهم كيوبيد أما الرومان فعندهم آلهة الحب والجمال فينوس ، وأما الفراعنة فعندهم قادش آلهة الحب ، أما الهندوس فلهم كريشنا  وفي هذه الديانات كلها الحب شبه مقصور على الحب بين الرجل والمرأة وهم وإن لم يفردوا للصديق إلها كان للحب عموما منزلة خاصة عندهم………

وبهذا نكون قد استعرضنا استعراضا سريعا الحب بين الصديقين في الإسلام وأتبعناه بذكر الحب في الديانات الأخرى ليعلم الجميع منزلة ذلك الشعور الفطري الجميل الذي اعتزت به كل الأمم في أدبياتها وأنزلته منزلة خاصة ……….

فما أعظم الحب من شعور حُرم منه التعيسون ونسي حظه منه الجاهلون !!

فيديو مقال فقه الصداقة (4) الحب في الله من مقاصد الشرع

أضف تعليقك هنا