صناع الإعلام المزيف … المتلاعبون بالعقول #تونس

قوة الإعلام بالتأثير على الشعب

وأنا أكتب هذه المقالة أتذكر جوزيف غوبلز ، صاحب المقولة الشهيرة “أعطنى إعلاما بلا ضمير، أعطيك شعبا بلا وعى”.. غوبلز صاحب آلة الدعاية النازية الجبارة، الذى صوّر أدولف هتلر للألمانيين على أنه منقذهم، وأحد أساطير الحرب النفسية، وأبرز وأهم من استثمروا الإعلام لتحقيق مآربهم، صاحب شعار “اكذب حتى يصدقك الناس” .
رحل “المنظر” و واصلت “المدرسة” طريقها مع التقدم التكنولوجي الكبير، وتطور أساليب الاتصال، فتحول الإعلام إلى ما يشبه عصا سحرية يمسك بها الساحر فيتحكم، ويؤثر على عقل ووعي المواطن ، عصا لها قوة طاغية قادرة على خلق واقع آخر، له قوانينه الخاصة.

الإعلام التونسي

لم يشكل المجال الإعلامي التونسي بعد الثورة استثناءً يشذ عن هذه القاعدة رغم التحوّلات العديدة والحاسمة على كل المستويات و إجتهادات بعض العاملين في صفوفه و لكن لم يرتقي لمرتبة الإعلام المهني المحايد و النزيه ، بل يراه الكثير من التونسيين ، لم يتجاوز دوره السابق كبوق للسلطة و أصبح في جزء منه أداة للسياسيين و الأحزاب ذات اليمين و اليسار و التي اقتنصت الفرصة و تحالفت مع رؤوس الأموال ممن تحتاج دعمهم من أجل صناعة مجموعات إعلامية تمثل لوبيات ضغط لتحقيق المصالح المتشابكة فرأينا قنوات خاصة و إذاعات و صحف توالي السلطة وأخرى تحاول إسقاطها دون أن تمارس المعارضة.
حقيقة نحن نعيش أحلك فترات الإعلام حتى و إن تواجدت بحرية العشرات من القنوات و الإذاعات الخاصة و الجهوية ، و هذا بشهادة المجلس القطاعي للنقابة العامة للإعلام الذي أقر هذه الأيام مبدأ الإضراب العام على خلفية ما وصف بالوضع المتردي للقطاع والتفويت في المؤسسات المصادرة دون ضمان حقوق العاملين فيها و رفض مشروع القانون الأساسي للاتصال السمعي البصري المقدم من الحكومة و المطالبة بسحبه بإعتباره مشروع تركيع للقطاع يفتقد الى فلسفة وروح تضمن حرية الإعلام والتعبير.لقد نجح طيف واسع من الاعلام التونسي في تزييف الحقائق عند تعامله مع بسطاء الناس، بما يتفق ومصالح القائمين عليه، بل أنه نجح في خداع العقول التي تظن بأنها نخبة مثقفة محصنة من مخاطر الاعلام المزيف.

الإعلام المزيف 

أصبحت الاكاذيب في صورة أو حالة واقعية مفروضة على المتلقي جراء التلاعب بالوعى و الإغراق السلبى للعقول في تيار المعلومات والصور المغلوطة المتواترة والمتوترة التي يتفننون في عناصر طبخها وإحكام السيطرة عليها لتمرير اهداف معينة لصالح كتلة او حزب او شخصية سياسية ، او تزيين وجوه كالحة وأياد سارقة وآثمة، ومشاريع قوانين مشبوهة، وما الى ذلك من اهداف يسعى الاعلام المزيف الى ترويجها وتثبيتها كحقائق للرأي العام و لصناعة الوهم.
وهم تسوقه مراكز الأبحاث ومؤسسات إستطلاع رأي، هدفها الظاهر إستطلاع آراء المجتمع حول سياسات حكومات التوافق و مرشحي الانتخابات ، وقضاياهم المهمة، لكنها ضمنياً تعمل على توجيه الرأي العام لهذه المجتمعات، وبما يتناسب مع سياساتها و أجنداتها الخفية .
إن الشعب البسيط ربما لا يعي مخاطر اللعبة الاعلامية وقدرتها على التزييف، لذلك قد ينخدع كثيرون بسرعة، بما يتم طرحه من اجندات خفية و مشبوهة مختلقة لا تمت للحقيقة بصلة، وقد نعطيهم العذر بسبب ضعف الاطلاع وفهم ما يجري في السياسة وما يدور في فلكها ، ولكن ما هو عذر جماعة من الصحفيين المنخرطين في هذه الحرب أو ممن تُدعى النخبة المثقفة و المشتغلة في الحقل السياسي والاقتصادي والاجتماعي عندما ترضخ إما أمرا واقعا ولحسابات سياسية أو تنطلي عليها مثل هذه الاكاذيب وتؤثر عليها، وتغيّر من قناعاتها وسلوكاتها ايضا؟
إن الخطر كل الخطر يكمن في تكرر الانتهاكات بحق الصحفيين الرافضين خلال الفترة الأخيرة لتغول القصر و القصبة و محاولات إعادة التضييق على العمل الصحفي من قبل الداخلية ، و مواصلة سيطرة بعض المرتزقة على المجال الإعلامي و قدرة التأثير في جزء من النخبة و إطارات الدولة خدمة للوبي التوافق ، إضافة لإستقطاب الكثير من الوجهاء و المثقفين و أهل الفن و العقول الذكية لتحجيم دورهم في كشف التضليل والتزييف الاعلامي وفضحه وتنوير الشعب المسكين، فسقطوا في الفخ والنتيجة أن الجميع إنطلت عليه اللعبة.

ضرورة عودة الإعلام الحر من أجل الانتخابات

نحن اليوم أمام إمتحان جدي لتركيز و بناء السلطة المحلية في أولى الإنتخابات البلدية و يعترني خوف شديد عند تفكيري في إعادة سيناريو “فوز مرشح رئاسيات 2014 ” الناتج عن التضليل والتزييف الإعلامي و وضع سياسات دقيقة لتوجيه الجماهير و ا لتأثير على الناخبين : لقد جعلوا للخوف وهماً وللأمان وهماً، وللحرية وهماً، وللدين وهماً ولهيبة الدولة وهماً ولمعيشتنا وهماً..
لن نضمن النجاح للعملية الانتخابية دون ان ياخذ الاعلام دوره الايجابي و نطلب من الهايكا و النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والنقابة العامة للإعلام الأخذ بزمام الأمور و السهر على أن يكون دور وسائل الاعلام في عملية رصد الانتخابات بطريقة حيادية وغير منحازة يُتحلى فيها بقواعد السلوك المهني في تعاطيهم مع المرشحين والأحزاب و القائمات المتنافسة.
يشرح الكاتب الأمريكى هربرت شيللر ما سبق التطرق له في هذه المقالة بطريقة أكاديمية فى كتابه “المتلاعبون بالعقول Mind managers” و شرح مفاهيم مهمّة، كالتضليل الإعلامى، والوعى المعلّب، وكيفية صناعة الوهم للتحكم بالرأى العام و يرى شيللر أن تضليل وبرمجة عقول البشر ما هو سوى تطويع الجماهير للأهداف والسياسات السائدة حتى يتم ضمان تأييد النظام بغض النظر إذا ما كان هذا النظام يعمل للمصلحة العامة أو ضد الصالح العام للشعوب و حديثنا قياس .

فيديو مقال صناع الإعلام المزيف … المتلاعبون بالعقول

أضف تعليقك هنا

عصام الدين الراجحي

عصام الدين الراجحي

ناشط سياسي تونسي