طمس ثقافة الشعوب الاصلانية – #فلسطين

قال هرتزل : : إذا حصلنا يوما على مدينة القدس وكنت ما أزال حيا وقادرا على القيام بأي عمل، فسوف أزيل كل شيء ليس مقدسا لدى اليهود فيها، وسوف أحرق جميع الآثار الموجودة ولو مرت عليها قرون.

 الاستعمار الاستيطاني

ظاهرة الاستعمار الاستيطاني هي ظاهرة عالمية، ديناميكية ومستمرة، ومتعددة الجوانب. لا تقتصر فقط الاستيلاء على الارض من اهلها، باختلاف الوسائل والاساليب من الابادات الجماعية كما حصل في نكبة 1948 الى الازاحة والنقل كما يحصل في وقتنا الحالي. انما تعمد الى تحويل سكانها الأصلانيين الى غرباء في أرضهم، وجعل الأرض خالصة لهم دون سكانها المحليين. هذه الفكرة تتعدى الحيز الجسدي للإنسان، انما تتمثل في طمس ثقافته، حضارته وذاكرته، أي تعمل على تغييب الوعي للإنسان من اجل نفي اصلانيتة وبذات الوقت تعمل على بناء هوية لها في هذا المكان وادعاء الاصلانية فالمشاريع الاستيطانية قائمة على الالغاء، النفي والاقصاء
اعتمدت الدول الاستعمارية على استراتيجيات ثقافية من أجل مصادرة تاريخ وثقافة وحضارة الدول المستعمَرة، وهذه الاستراتيجيات تأتي الى جانب الاستراتيجية العسكرية الكولونيالية التي عملت بها من أجل فرض واحكام سيطرتها على الشعوب المستعمًرة، فجاءت السرديات الكولونيالية ليس فقط من أجل تبرير عمليات القتل والتشريد التي قامت بها ضد السكان المحليين، بل لمصادرة التاريخ المحلي، وتزيفه وربطة بتاريخ الدولة المستعمِرة. على ذلك، عملت المشاريع الاستيطانية منذ البداية الى تدمير علاقة المواطن الاصلاني بالمكان من خلال اعادة تشكيل المشهد.
يعمل الكيان الاسرائيلي الاستيطاني على تبني رورايات متناقضة لدلالات المشهد الفلسطيني وذلك من أجل نفي والتغلب على الهوية الفلسطينية، وذلك من خلال عملية فاشية ممنهجة ضمن مخططات استعمارية. ففي الوقت الذي قامت بنفي الاصلانية عن الشعب الفلسطيني تقوم بذات الوقت بادعاء الاصلانية. من خلال اتباع العديد من الاستراتيجيات من ضمنها؛ تغيير أسماء الأماكن، واللغة والذاكرة مما يعمل مع الوقت وعلى المدى الطويل التأثير على الذاكرة والهوية.

نفي الوجود الفلسطيني:

عملت الحركة الصهيوني على نفي الوجود الفلسطيني بشريًا، اقتصاديًا وثقافيًا منذ بداية المشروع الصهيوني من خلال حملة طرد للفلسطينيين بارتكابها المذابح، ولكن المطلوب هو ارض خالية، أرض بلا شعب. وهذا لم يتحقق بشكل كامل من خلال ارتكاب المذابح، بحيث بقي عدد من السكان في اراضي النكبة، فعملت على نفيهم نفيا اجتماعيا، ثقافيا، والذي بدأ اولا بطمس هويتهم، لغتهم وتراثهم. هنا عملت الحركات الاستعمارية على الدخول الى الحيز الفكري لا الجسدي للمستعمًر، من خلال قيامها بتغييب شيء غير ملموس وهو الهوية، وعلاقة هذا الشخص بهويته. فأرادت نفي أو قطع هذه العلاقة. فالهوية شيء غير ملموس، ولا يمكن تعريفها بأبعاد واضحة وهي عبارة عن كيفية تعريف الفرد لذاته. وهوية الفرد هي عبارة عن موقعة من هذا المكان وعلاقته مع المكان، وهذه العلاقة مستمرة عبر الزمان والمكان..

الأسماء:

أدركت الحركة الصهيونية أن الأسماء تمثل حضارة وثقافة الشعوب. فإذا ازيلت هذه الاسماء وحرفتها فإنها تنجح في سلب تراث وحضارة الشعب الاصلاني. وازالة أي احقية له في هذه الارض، ويتضح ذلك من خلال الرسالة التي ارسلها رئيس الوزراء الاسرائيلي الى رئيس (لجنة الاسماء في النقب)، حيث قال اننا مجبرون على ازاحة الاسماء العربية لأسباب تتعلق بالدولة. إننا ببساطة لا نعترف بحق العرب السياسي بامتلاك الأرض، ولا نعترف أيضا بحق امتلاكهم الروحاني ولا بأسمائهم. وعلاوة على ذلك ان تغيير الاسماء العربية هي عبارة عن بتر لعلاقة الانسان العربي وأرضة التي يعيش عليها. وبما أننا اليوم في القرن الحادي والعشرين وعصر العولمة، تتعدى هذه الظاهرة من مجرد كونها في وسائل الاعلام التقليدية وفي الكتب، انما تتمثل في كل خطوة يقوم بها الانسان، يتجسد ذلك مثلا عن طريق الاشارات الموجودة في الطرق، مواقع التواصل الاجتماعي والخرائط الالكترونية وغيرها. كل هذا عمل على خلق انسان لا يعرف اين موقعة وعلى أي ارض يضع قدمية وبالتالي انه يتواجد في أرض غريبة.
في الدائرة الكبيرة تأتي عملية تحريف اسم فلسطين ككل، حيث كانت الحركة الصهيونية ترى أن الاسم يحمل ويحتوي على العديد من المدلولات التاريخية، من أجل ذلك سعت الحركة الصهيونية الى حسم المسألة عبر تحريف هذه المدلولات. فأخد رئيس الحكومة الأسبق (مناحيم بيغن) على ذلك من خلال التشديد على حرف الشين لإظهار المصدر البلشتي، فأخدوا بتسمية الفلسطينيين بالبلشتينيم. حيث كان الرابط بين اليهود واسم البلاد يمثل رافعة للعمل الصهيوني الرامي الى طمس فلسطين ووحدانية ملكيتها لليهود، وشدد على ذلك مناحيم بيغن عندما قال: ان اليهود لو تحدثوا عن فلسطين بدلا من ايرتس يسرائيل، فإنهم يفقدون كل حق لهم في الأرض، لأن بذلك يعترفون ضمنا بأن هنالك وجودا فلسطينيا، وبالتالي ان عبارة أرض اسرائيل تدل على عدم الاعتراف باي شعب اخر على هذه الأرض. وكما هو معروف كل هذا من باب امتلاك الأرض وحرمان العرب منها ومحي أي اثر لهم على هذه الارض.

اللغة

تعتبر اللغة فكر الأمة وجوهر وجودها، ولا وجود للفكر خارج اللغة. تعبِر اللغة عن أسلوب التفكير لدى الشعوب والأمم، وتمكنها من نقل افكارها وآرائها وتراثها الى الأمم والأجيال. وبات معروفا أن التأثر بلغة معينة يعني التأثر بكل ما تحمله من قيم ومعتقدات وأفكار. وهذا ما سعت اليه الشعوب الاستعمارية، منذ البداية عملت على احلال لغتها مكان اللغة المحلية كخطوة لنسف جميع ما تحمله اللغة من افكار واراء، واحلال قيمها وافكارها من خلال لغتها.
تشكل اللغة العناصر الاساسية التي تعرف الهوية، تتكون الهوية من عناصر متعدد، مثل : الارض، الشعب، اللغة، الثقافة والتاريخ. بالرغم من أن الارض تشكل عنصرا مهما في تحديد الهوية ولكنها لا تلغي العناصر الأخرى، فماذا من الممكن أن ينتج من الاهتمام بالأرض فقط واهمال عناصر اخرى تعتبر اساسية في تحديد الهوية مثل اللغة.
تأتي اللغة لتؤكد على عنصر المواطنة، فأسبقية عنصر المواطن واولويته في تحديد الهوية تؤكده الأسماء التي تحملها الشعوب ولغاتها. فالأسماء التي تعرف بها الشعوب وتسمى بها كذلك لغاتها ليست سوى أسماء لمواطنيها التي يعيش فوقها الشعوب طوال تاريخها، على سبيل المثال اللغة (الصينية) هي اللغة التي يتكلم بها الشعب الصيني، وهو الشعب الذي يسكن أرض الصين، فاسم الصين كموطن هو مصدر اسم الصين كشعب والصين كاللغة. وعلى ذلك عملت الشعوب المستعمِرة منذ البداية على فرض لغتها وطمس لغة الشعوب الاصلانية، لأنه من خلال هذه العملية سوف تقوم بنفي كل الامور التي تحتويها اللغة.

الذاكرة:

تعمل الدول الاستعمارية بكافة تياراتها، مشاربها الفكرية وأطيافها الايدلوجية على السيطرة على الارض. وتعاني هذه الدول من هوس اضافي في عملية فرض سيادتها على المكان، وبذات الوقت عدم ترك أي بقعة أو اثر للشعوب المحلية. ولكن في الحالة الإسرائيلية فإن الدولة تعاني هوسًا إضافيًّا، يتلخص في عملية طمس البلاد، بما يرتبط بذلك من معضلة وجود أقلية نسبية وهي العرب لها تاريخها القومي وتراثها الشعبي الأصلي الذي من الصعب محوه. فمثلا حاولت الحكومات الاسرائيلية على شطب مصطلح (النكبة) من ذاكرة الفلسطيني وذلك من خلال استخدام القوانين التعسفية، فإنها تهدف من ذلك الى طمس بشاعة جرائم الاحتلال، وذلك من خلال استخدامها سياسة التهويد واخفاء معالم الهوية الحضارية للفلسطيني. بمعنى انه من خلال طمس العوامل التي تم ذكرها سابقا تكن النتيجة على المدى الطويل هو تغييب للذاكرة. هنالك ثمة دلالات عميقة وخطيرة بذات الوقت تكمن في سياق قرار اسرائيل بإلغاء الأسماء العربية للشوارع والمدن والبلدات الفلسطينية، واستبدالها بأسماء توراتية واسماء اسرائيلية. وهنالك دلالات تتجاوز استبدال لغة بلغة اخرى، بحيث تأتي هذه الدلالات لتلامس عصب الوجود الفلسطيني متمثلة بقضيته الوطنية وذاكرته التاريخية.

فيديو مقال طمس ثقافة الشعوب الاصلانية.

 

أضف تعليقك هنا