نقد فلسفة العلوم الزائفة (نموذج قانون الجذب والمقدمات التكوينية له)

نقد فلسفة العلوم الزائفة
(نموذج علم الطاقة الكونية وقانون الجذب الباطني)

 

لعل ما سيقدم في هذه المقالة هو من قبيل الافتراض لعلل بعيده بربط المشكلة بنصوص قديمة برغم ان الشاهد فيها أنها سياق ممتد متحرك من الماضي الى الحاضر ثم نحو المستقبل ، فكان لا مناص من هذه الافتراضات حيث ان الاقتصار على العلل القريبة لا يؤدى الى الاحاطة الكاملة بالمشكلات في اصولها مما يجعلنا كمن رأى حريقا في قناة فيكتفى فقط باخمادها في حيزها ليفاجئ باشتعالها بشكل جديد في قناة اخرى دون ان يدرك ما السبب العام وراء كل هذه الاشتعالات وليس فقط السبب الخاص في كل اشتعال بمفرده .

(مدخل) كيف تتكون العلوم الزائفة ؟

تكونت العلوم الزائفة كتطور عن المشكلات الزائفة Pseudo – problems . ربما يكون مما يحسب إيجاباً للفلسفة التحليلية المعاصرة لدى أبرز أعلامها (مور) Moore و(رسل) Russell و(فيتجنشتاين) Wittgenstein وغيرهم ، أنها كشفت عن حقيقة نمط أساسي من المشكلات تداولها الفكر الإنساني عبر كافة مراحله بكونها مشكلات ذات اعتبار وذات أدوار حاسمة في تفسير وحل ما استغلق من الإنسان والحياة والكون .

ولكن الحقيقة التي كشفت عنها الفلسفة التحليلية أن هذه المشكلات إن هي إلا مشكلات زائفة وتشكل زيادة غير مبررة على أعباء الفكر الإنساني بصدد مشكلاته الكونية والمجتمعية والوجودية .

فلقد اعتبر فلاسفة التحليل أن التاريخ الفكري للإنسان قد تعبئ دون ضرورة بهذه المشكلات الزائفة أو التي هي ليست من قبيل المشكلات أصلاً، فهي إما قد تم اصطناعها قصداً من أجل شغل الفكر الإنساني بها عن جادة المشكلات الحقيقية، وإما أنها قد تولدت عفواً جراء طريقة معينة في النظر إلى الحقائق جعلت هذه المشكلات الزائفة تبدو لدى الناظر نحوها على قدر كبير من الخطورة والإلحاح لحسمها كي ما يستقيم الوعي.

المشكلات الزائفة

إذن (المشكلات الزائفة) هو مصطلح فلسفي يدل على بناء واستخدام الاستدلالات المنطقية الاستنباطية على نحو لا يؤدي إلى وقف التساؤل في المشكلة بتقديم إجابات وحلول نهائية عليها وعلى وجه الخصوص التساؤلات التي تقع في دائرة قانون التناقض المنطقى حيث لابد من بقاء إحدى الاجابات وترتفع الأخرى حتماً ، ولكن إثبات الزيف هنا كان في بقاء النقيضين معاً دون ارتفاع احدهما بالضرورة . وما سبب ذلك إلا أن أوجه وطبيعة البحث في مثل هذه المشكلات تتساوى فيه حجة التأييد مع حجة الدحض من حيث القيمة المنطقية والمعرفية لكليهما وفي هذا كسر للمنطق.

استعارة (نصل أوكام) Ockham razor

لذا لجأ فلاسفة التحليل إلى استعارة (نصل أوكام) Ockham razor المصطلح المعروف في أخريات العصور الوسطى وينص على أنه (لا يجب مضاعفة الكائنات في العالم بغير ضرورة) . وكان من قبيل استخدام هذا المبدأ في سياق الكشف عن المشكلات الزائفة هو أن ما لا يعتمد في الخبرة الواقعية والمنطقية للإنسان لا يمكن أن يكون عضواً ذا اعتبار في الحقل الدلالي للذهن البشري والذي يعتمد في تكوينه على المعايير القياسية التحليلية والتركيبية في العلوم عموماً (وفق كانط I. Kant). من هنا كان منطلق فلسفة التحليل في تفسير ظاهرة المشكلات الزائفة ونشوءها إلا كنوع من الافتراضات الزائدة عن حيز الخبرة الفعلية والمنطقية والعملية الممكنة .

والشاهد في عصرنا الراهن أن الاصرار على استمرار البحث في محاولة اصدار أحكام في مواجهة هذه المشكلات الزائفة قد انتج مادة جديدة فيما عرف مؤخراً بـ (العلوم الزائفة) ، حيث أدت المبالغة في الجدال على هذه المشكلات إلى الاجتهاد في محاولة وضعها في قالب (العلم) Science لتصبح علوماً ، ولكنها علوم ذات أسرار . ولعله من الراجح أن الأغراض والسياسات الفكرية الاستراتيجية للأنظمة الماسونية كان لها ضلع بارز في شغل العقل الشرق اوسطي بمثل هذه العلوم الزائفة على هيئة صيحات زمانية متعاقبة، وكان ذلك على شرطين:

  • الشرط الأول – أن هذه العلوم لا يتم فيها التعلم وإنما التدريب ، لأن التعلم يمكن أن يستمد من مصادر متعددة قد يكون للمتعلم فيها قدراً وافراً من حرية الاختيار، أما التدريب فلا يمكن في الغالب بدون مدرب.
  • الشرط الثاني – ويلزم عنه الشرط الأول ، وهو أن تقوم مواد هذه العلوم على حقائب من الأسرار والشفرات المغلقة التي يتم التدرب عليها وبواسطتها على هيئة تجارب غير قياسية يكون الاعتبار فيها للنتائج وليس للأصول (منظور برجماتي Pragmatism) حيث تبقى الأصول من الأسرار .

مراحل التكوين لعلم الطاقة الكونية و(قانون الجذب الباطني):

باستخدام المنهج التحليلي النقدي ، يمكن إحصاء اربعة مراحل متدرجة ومرتبة بنحو منطقي صارم لدى المؤسسة العالمية التي تعمل على النشر الخفي والسلس لعلم الطاقة الكونية وقانون الجذب الباطني :

المرحلة الأولى

وهي تعرف بخلق الحالة الانتاجية التفاعلية المستمرة للنظم والبرامج الحاسبية ، وهنا ظهر ما يعرف في ثلاثينات وأربعينيات بعلم (السايبرنيتك) Cybernetics وهو علم السيطرة والتحكم ، ويقوم على ضبط كافة العمليات الانتاجية الآلية وفق عامل (التغذية المرتدة) Feed back وهي العملية المنوط بها التطوير الابداعي للمنتجات . حتى هنا كانت تلك هي المرحلة التي قصد منها خلق تصور مخيف في ذهن الإنسان العادي بأن التقنية الآلية إذا تطورت على هذا النحو صارت لها السيطرة على الإنسان ومجتمعه ، لذا كان من المنطقي توجيه البحث في مقابل ذلك نحو عوامل ضمان سيطرة الإنسان على الآلات والنظم البرمجية للإنتاج .

المرحلة الثانية

هي تكوين ما يعرف بعلم السايبرنيتك من النظام الثاني Second order Cybernetics حيث أن السايبرنيتك من النظام الأول First order Cyberneticd كانت وظيفته التوقف عند حد العامل التفاعلي للتغذية المرتدة للنظم والآلات ، أما النظام الثاني فوظيفته تقوم على الإدارة الفوقية التحكمية على النظام الأول ويكون النموذج فيها هو للإنسان.

المرحلة الثالثة

إذن كان لابد من تأهيل عوامل السايبرنيتك ووظائفه من النظام الثاني المناطة بالبشر حتى يكونوا قادرين على التحكم والسيطرة الفوقية في إدارة وظائف النظام الأول – بمعنى أن الإنسان يخضع لنظام تحكمي عليه حتى يتم ترقيته للقدرة على خلق المنظومة التحكمية لكل ما هو دونه من الآت وعناصر طبيعية – الأمر الذي يتطلب الاستدامة في بلوغ درجات التفوق الوجودي للإنسان بأعلى من كل مرحلة تبلغها التقنية الآلية والنظم البرمجية.

من هنا بالضبط ظهر علم (البرمجة اللغوية العصبية) NLP وهو علم تم اختلاقه قصداً من أجل السيطرة على الجهاز التحكمي للإنسان وهو (الجهاز العصبي) والجهاز التعبيري للشخصية وهو (الجهاز اللغوي) وإعادة البرمجة لهما في منظومة واحدة بما يعيد خلق شخصية الإنسان إيحائياً بنحو يجعل منه كائناً متفوقاً ، وهنا تكمن الخرافة والزيف لهذا العلم.

حيث يتحول الإنسان إلى قرص كمبيوتر مدمج يسهل تفكيك معتقداته وإعادة تشكيلها بنحو مختلف تماماً ، وبالتالي يعمل هذا العلم ابتداءً وبصورة تلقائية على ترسيخ فكرة أن أي إنسان هو مادة قابلة للبرمجة وإعادة البرمجة من ناحية ، ومن ناحية أخرى أن البرمجة لأي إنسان بالضرورة لا تتم إلا على يد (مبرمج) هو شخص آخر .

ويتم الاستغلال في هذا كله للثقافات (السمع – مرئية) والتي تجتذب الملكات الحسية وتربطها بالانفعال اللا- إرادي من خلال الصورة المتحركة والمؤثرات الصوتية وهو ما يحدث التهيئة اللازمة في عقول الناس لأن يتقبلوا بسهولة فكرة البرمجة.

المرحلة الرابعة

وهي رأس الأمر في العصر الراهن ، وهو تنزيل قانون الجذب الباطني للطاقة الكونية إلى حيز التدريب والاكتساب البشري ، ويمثل المرحلة المتقدمة العليا في علم البرمجة اللغوية العصبية والذي يتحول هنا إلى التفاعل لقانون الجذب بين الروح الإنساني والروح الكوني العام والواحد في كل الوجود ، فالإنسان يعلو بقدرته الجديدة إلى مركز الكون والكون يدنوا منه وينجذب إليه بكل اسراره .

لذا كانت الغاية النهائية لعلم الطاقة الكونية هو السيطرة المطلقة والتحكم التام في هذا الكل الكوني والواحد من خلال الذات ، بما في ذلك ما يعد من الغيب وأهم موضوعاته القضاء والقدر . فالاحتواء التجاذبي للكون لدى الإنسان بفعل التماس بين حدود الطاقة الباطنية للإنسان ونطاق محيط الطاقة للكون كله هو ما يؤهل هذا الإنسان في المراحل العليا من تسيير وتعديل تصريفات القدر بغير ما هي عليه وهو ما يمكن تسميته (إدارة الأقدار) .

ولكن ، ماذا وراء هذه الغاية النهائية لهذا العلم ؟

علاقة علم الطاقة الكونية وقانون الجذب الباطني بسفر التكوين في التوراة:

(فخلق الله الإنسان على صورته ، على صورة الله خلقه) – التكوين ، إصحاح2 .

(وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا ، فقالت الحية للمرأة لن تموتا ، بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر) – التكوين ، إصحاح3 .

(وقال الرب الإله هوذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفاً الخير والشر ، والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضاً ويأكل ويحيا إلى الأبد ، فأخرجه الرب الإله من جنة عدن) – التكوين ، إصحاح3 .

(وكانت الأرض كلها لساناً واحداً ولغة واحدةً ، وحدث في ارتحالهم شرقاً أنهم وجدوا بقعة في أرض شنعار وسكنوا هناك … وقالو هلم نبن لأنفسنا مدينة وبرجاً رأسه بالسماء . ونصنع لأنفسنا اسماً لئلا نتبدد على وجه كل الأرض ، فنزل الرب لينظر المدينة والبرج اللذين كانوا بنوا آدم يبنونها ، وقال الرب هوذا شعب واحد ولسان واحد لجميعهم وهذا ابتداؤهم بالعمل والآن لا يمتنع عليهم كل ما ينوون أن يعملوه هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض ، فبددهم الرب هناك على وجه كل الأرض فكفوا عن بنيان المدينة لذلك دعي اسمها بابل لأن الرب هناك بلبل لسان كل الأرض ومن هناك بددهم وجه كل الأرض) – التكوين ، إصحاح11 .

لعله يظهر في التحليل التأويلي لتلك النصوص من (العهد القديم) أن أبناء آدم يسعون إلى بلوغ مقام الندية الوجودية مع الذات الإلهية ، ذلك المقام الذي فقده في المرة الأولى بعدم السماح له بإكمال الأكل من الشجرة المحرمة ، وفقدها في المرة الثانية بهدم برج بابل الذي كان سيمنحهم القدرة الإلهية عبر التكوين الجمعي الموحد في الاتصال وطريقة الحياة ، ثم تشتيت بني آدم على وجه الأرض كلها.

والآن هي المرة الثالثة والأشد قوة في التخطيط والتنفيذ من خلال خلق تلك العلوم الزائفة وإعادة انتاجها وتدويرها في كل حقبة من أجل تصفية الجنس البشري كله لإبقاء عرق بني اسرائيل الموحد والمتوارث ليكون هو الصاعد الأوحد نحو الملكوت الإلهي .

وربما الراجح من ذلك أن يستدل على وجود مؤسسات ذات طبيعة سرية تعمل على تنظيم وإدارة هذا المخطط على ما يلي من وسائل ومقاصد :

أولاً 

تفصيل كيفيات وطرق تحقيق الغاية الموحدة المنشودة لديهم مع كل مرحلة بحسب عقل كل شعب وطريقته في الحياة . كأن يتم الباس تدريبات الطاقة الكونية والجذب الباطني عباءة الشرعية الإسلامية في حال كان الجمهور من المسلمين .

ثانياً

استدعاء أصول العقائد الوثنية القديمة بصور وأشكال متجددة في الزمن الراهن ، والتي لم تكتشف الإلوهية الحق كما لدى الكتب السماوية في أحوالها وشعائرها الدينية فصاغت بالتالي تعاليمها على أساس افتراض القوى الكونية الكلية مثل عقيدة (كارما) أو تجاذب المتماثلات بين الشهادة والغيب ، وعقيدة (ين ويانج) أو جمع وتوفيق المتناقضات الكونية ، وأيضاً عقائد وحدة الوجود والتناسخ ، ثم جعل من هذه العقائد مراجع تكوينية وتاريخية في خلق العلوم الزائفة .

ثالثاً

بناء الاستدلال في تلك العلوم على محض فروض فلسفية تجريدية بعد إكسابها صفة وصبغة التفسير العلمي رغم أنها لا تقبل التحقق العلمي التجريبي والعملي أصلاً . وإنما يتم هذا من أجل أن يتوفر الاطمئنان في نفوس المنقادين والخاضعين للتدريب إلى جديتها وجدواها . ومثال ذلك الاستدلال على الطاقة الكونية عند نقطة التماس بينها وبين جسد الإنسان فيما يعرف بهالة (الأورا) Aura أو الهالة النورانية المحيطة بالإنسان والأشياء وهي الغلاف غير المرئي الذي يشع على هيئة موجات كهرومغناطيسية.

مراحل التنفيذ

فتكون الخطة بالتالي لدى تلك المؤسسات متضمنة لمرحلتين في التفيذ:

  • المرحلة الأولى: الصعود بالآدمية نحو المقام الإلهي على العموم .
  • المرحلة الثانية: الاصطفاء لبني اسرائيل خاصة (الشعب المختار) وحسب من بين جميع الآدميين للسيادة عليهم أو لحذف وجود الأممين جملة .

هل هنالك ثمة أهمية مرجوة من علم الطاقة الكونية والجذب الباطني؟

يمكن بحث هذا السؤال من عدة أوجه .

أولاً: من الناحية الفيزيائية

، فليس المقصود بالطاقة الكونية في هذا المقام تلك الطاقة الكهربية والضوئية في العلوم الطبيعية . فالشاهد أن تفسير الطاقة المؤلفة لكافة الكائنات بعد فيزياء الكوانتم Quantum Physics هو نحو ما ذهب إليه (هايزنبيرج) Heisenberg في قوله بمبدأ الارتياب أو اللا-يقين Uncertainty principle إذا لا يمكن بحال رصد جسيمات الطاقة في حالة سكون على نحو قاطع بسبب حركتها وشدة حركتها بتأثير مراجع الرصد عليها.

ولكن يمكن رصد تأثيرات هذه الطاقة ووظائفها العملية من خلال الملاحظة العلمية ، وبالتالي يمكن للعلماء صياغة قوانين علمية وصفية على هذه الوظائف والتأثيرات للطاقة إلى حد بلوغ درجة التعميم ألعلمي ومن ثم يمكن لهم برمجتها وتقنينها على هيئة منافع منتجة ومتداولة بحسابات رياضية دقيقة .

أما في حالة افتراض أن هناك اختلاط لهذه الطاقة الكونية بالإرادة الإنسانية فإن الأمر يصبح حتماً على مستوى بالغ من الفردية والذاتية في نتائجها وتأثيراتها بحيث لن يمكن التعميم لقانون واحد وصفي أو حتى قاعدة وصفية واحدة في ذلك بحسب الدالة المنطقية في اللزوم (إذا .. إذن) ، ويصير كل مظهر من مظاهر الطاقة في الحيز الإنساني حالة فريدة خاصة بكل شخص بخلاف الآخرين فلا اشتراك في الأثر والمظهر . لأجل هذا باتت صياغة الطاقة في الحالة الإنسانية في هيئة (علم) Science أمراً غير قابل للتحقيق ، وبل ويكتنفه من المتناقضات ، عنها خاصية الوظائف التعميمية .

ثانياً: التطبيقات التدريبية

أن التطبيقات التدريبية على علم الطاقة الكونية وقانون الجذب الباطني تأتي على نوعين : (تنموى) و (علاجي) .

فالتدريبات في هذا المجال تعمل على تشغيل وتفريغ الطاقة بغرض الاستغلال الأقصى لها ، في حين أن المقصود بالنسبة للإصحاح البشري العضوى والنفسي هو (حفظ الطاقة) وليس تصريفها (وهذا ثابت في الأمر بكظم الغيظ) وذلك لأجل أن تلائم وظيفياً القدر الأمثل مطلوبات كل مرحلة من عمر الإنسان .

فليس الهدف إذن هو خلق الإنسان المتفوق وتنمية قدراته لتحقيق الخوارق والمعجزات بل لتنمية المهارات الإنسانية من خلال بقاء القدرة الفاعلة لوقت طويل ، فمخذون هذه القدرة هو مخذون استراتيجي لا يجب أن يتم استنفاذه جملة إلا عبر الدى العمري للإنسان وإلا أخل ذلك بميزان اتزانه .

وفي كل الأحوال تتفاعل هذه القدرة بمعطيات العالم البيئي للإنسان من مقومات حركة وتغذية وما إلى ذلك ، وليست تعتمد على التوحد مع طاقة كونية افتراضية .

لقد أشار (الإنجيل) من قبل إلى نفي المطلوب من الخوارق الإنسانية ، حيث جاء فيه على لسان عيسى (أنه سينهض كثيرون يدعون أنهم المسيح وأنهم أنبياء يأتون بآيات وعجائب عظيمة ليضلوا الصفوة لو أمكنهم) وحتى حواري عيسى يمكن أن يضلهم مثل هذه المعجزات .

ثالثاً: افتراض نشوء تصور وحدة الوجود

إن افتراض نشوء تصور وحدة الوجود تبعاً لحلول طاقة كونية حاكمة له تسنده مسلمة ضرورية بأن قوانين هذا الوجود قائمة داخله بصورة مستقلة عن أي ارادة الهية ، وأنه لا شيء خارج عن هذا العالم وهذا يدعم الزعم التوراتي بحقيقة القدرة الإلهية للإنسان . وهذا ينافي التحقيق القرآني لمصادر القوة . وذلك أن القرآن العظيم لم يتحدث عن قوى كونية بذاتها ولم يطالب الإنسان باستغلال طاقة عليا ، وإنما كان المرجع الوحيد في ترقية الكائن الإنساني هو الله تعالى نفسه فهو المانح الوحيد للكرامات والبركات وتدابير النصر والحماية والقبول في الأرض وتحقيق الاستواء الكوني بمطلب الممارسات التعبدية الوقفية الواجبة والنافلة من جانب الإنسان . كانت (لا حول ولا قوة إلا بالله) إقرار بذلك شاملاً النصوص التالية:

(إن الإنسان خلق هلوعاً . إذا مسه الشر جزوعا . وإذا مسه الخير منوعا . إلا المصلين . الذين هم على صلاتهم دائمون) – المعارج –

بملاحظة أن الضعف الإنساني الفطري لا يتجاوز إلا بالصلاة والمداومة عليها مع باقي العبادات الأخرى ، (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا) – النساء .

(واتقوا الله ويعلمكم الله) – البقرة .

(الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين) – الأنفال .

وكثير من الآيات القرآنية بنحو ذلك ، تحدد للإنسان المسار الصحيح والسليم لتحقيق القدرة بصورتها القوية النافعة دون افتراض لحقل طاقة كونية وله أثر مستقل عن الحكم الإلهي وقوى باطنية نافذة لدى الإنسان لا يستقيها من التدبير التعبدية المقيدة بالنوايا الخالصة في طلب القبول الرباني .

ولعل هذا لطريق هو ما جاء لتأكيده الحديث النبوي القدسي (لإن الله قال من عادى لي ولياً آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس مؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته) – البخاري عن أبي هريرة .

الخاتمة:

جدير بالذكر أن ما قام عليه النقد إلى الآن ليس هو افتراض وجود حقل للطاقة في الكون ولدى الإنسان في الأصل حتى لو كان المقصود هو حالة الطاقة التي ينتهي إليها تحليل كل عنصر في الكون بحسب فيزياء ميكانيكا الكم ، بل وربما كان لزاماً علينا الاعتراف بوجود الطاقة الكونية حقيقة لنوافق بذلك قول (محمد إقبال) المفكر الإسلامي الروحاني:

(إن الإنسانية تحتاج اليوم إلى ثلاثة أمور : تأويل الكون تأويلاً روحانياً ، وتحرير روح الفرد ، ووضع مبادئ أساسية ذات أهمية عالمية توجه تطور المجتمع الإنساني على أساس روحي).

ثم جاء (الدوس هكسلي) A. Huxley لرسم ما أسماه بالفلسفة الخالدة على ذات السياق بقوله:

(إن موضع الاهتمام الأساسي للفلسفة الخالدة هو الواحد) ، أي ذلك الجوهر الإلهي الحقيقي وراء الكثرة في العالم على مستوى الأشياء والحياة والعقول .

ولكن طبيعة هذه الحقيقة لا تعطي نفسها هكذا على نحو مباشر إلا لهؤلاء الذين اختاروا أن يحققوا في أنفسهم مبادئ تجعلهم محبين وأنقياء القلوب وفقراء إلى ملكوت الروح). ولكن وجه النقد كان على كيفية وطريقة التعامل مع هذه الطاقة باختلاطها بالإرادة الإنسانية ومحاولة صياغتها في هيئة (العلم) كما لو كانت بنحو الفيزياء مثلاً ، فإنها في هذه الحالة لن تقبل الرصد ثم القياس ثم التعميم مما سيوجه الاعتماد فيها على الافتراض الفلسفي التجريدي غير القابل للتحقق أصلاً . ثم ما سيتولد عن ذلك من أساليب تمويهية للتدريب على استغلالها واستعمالها بفتح خاص جداً ومرحلي لما هو متاح من حقائب الأسرار فيها .

فيديو مقال فلسفة العلوم الزائفة

 

أضف تعليقك هنا