المساواة المطلقة آفة الفكر الإنساني

المساواة المطلقة آفة الفكر الإنساني

 العنصرية والمساواة

صحيح أنه لا فرق بين عربي وعجمي إلا بالتقوي، وأن الجميع سواء أمام منصة العدل، وأننا يجب أن نتجنب العنصرية أو التحزب لعرق أو جنس أو لون.

ولكني هنا لا أقصد هذا المعني من المساواة فهو أمر تتفق عليه كل الفطر السوية، والطباع السليمة، وإنما أقصد تلك المساواة المطلقة التي تعالت بها الأصوات وانتشرت في أنحاء المعمورة من بعض من فقدوا القدرة علي ضبط الأمور، أو من بعض من صدهم الواقع الأليم من العنصرية والتسلط من بعض الأجناس او الألوان أو المعتقدات فشطحت بهم أفكارهم وأراءهم إلي الجانب الأخر مطالبين بالمساواة المطلقة في كل شيء وتحت أي ظرف.

هؤلاء اعتقدوا أنهم يفعلون الصواب، ويدافعون عن الحقوق والحريات، دون أن يعلموا أنهم بمطالبهم تلك يساهمون في محاربة هذه الحقوق والحريات.

نعم فسنة الله في الخلق واضحة لكل صاحب رؤية وبصيرة، وهي ألا وجود لمساواة مطلقة.

تعريف المساواة المطلقة

فالمساواة المطلقة هي نوع من العبث الفكري، إذ أنها تحارب سنن الله في الخلق .. قال تعالى” وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ ” الأنعام الأية 165، وقال تعالي “وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ ” الزخرف الاية 32. فلا مساواة بين الخلق في الدرجات، لا مساواة في المال، ولا مساواة في الصحة، ولا مساواة في العلم ، ولا مساواة في العقل، ولا مساواة في الأولاد، ولا مساواة في الأحساب، ولا مساواة في الأنساب، ولا مساواة في الوظائف، ولا مساواة في الألوان، ولا في الأحجام، ولا في الأشكال.

فسنة الله في الخلق قائمة علي التمايز والتميز، فالجميع مختلف، الجميع مميز بصفة أو خلق أو طبع. حتى أن هناك بصمات متعددة لكل إنسان بصمة للإصبع، وبصمة للعين، وبصمة للدم، وبصمة وراثية.

فما أريد قوله أن سنة الله في الخلق قائمة علي التكامل، وليس علي المساواة، إذ أن المساواة المطلقة تقتضي القدرة علي الإحلال والاستبدال بين المتساوين، وهذا ما لا يمكن فعله.

فلا مجال عندئذ للقول بالمساواة بين الرجل والمرأة، أو المساواة بين الغني والفقير، أو المساواة بين الحاكم والمحكوم، أو المساواة بين الرئيس والمرؤوس.

وأعود من جديد فأؤكد أنني لا أقصد ذلك الجانب الإنساني من المساواة، فهو كما قلت متفق عليه، فالجميع له احترامه، والجميع له حقوقه وعليه واجباته. وإنما أقصد المساواة المطلقة التامة في طبيعة التعامل، وطبيعة الأعمال، في حجم الحقوق، وحجم المسؤوليات.

والأمر واضح جلي، حتى أنه لا مجال لتغييره حتى لو اتفق جميع أهل الأرض علي ذلك، وحاولوا إقراره، لأنه من سنة الله في الخلق ” وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ” الأحزاب الأية 62 .

أمثلة على المساواة المطلقة 

ودعونا نأخذ علي سبيل المثال لا الحصر قضية المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة ، وليس الحديث هنا محصوراً في ذلك ، ولكن القضية الفكرية المقصودة في هذا المقال أوسع وأشمل بكثير، وإنما ضربت هذا المثال لشهرته وكثرة الخائضين فيه.

أقول أنه لن يستطيع جميع من ينادون بالمساواة المطلقة بين الرجل والمرأة أن يجعلوا الرجال يحملون وينجبون كالمرأة، لن يستطيعوا أن يساووا بين الرجل والمرأة في طبيعة العقل ولا في طبيعة الجسد ولا في طبيعة المشاعر.

وتلك المحاولات المستميتة بإطلاق المساواة بين الرجل والمرأة ظلم لكليهما، فلن تستطيع المرأة أن تحل محل الرجل ولن يستطيع الرجل أن يحل محل المرأة.

وقد مايز الله بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات والمهام ، فهما ليسا سواء في قضية الإرث، ولا في قضية الشهادة، ولا في قضية الزواج والطلاق، ولا في قضية الحمل والإنجاب، ولا في قضية العدة والحداد. فقمة العدل ومنتهاه متضمنه في وقوع هذا الاختلاف.

ودعونا نتأمل سوياً .. فكما جعل الله بر الولد بأمه باباً عظيما في دخول الجنة، جعل طاعة الزوجة لزوجها أيضاً باباً عظيماً في دخول الجنة.
وكما جعل الجنة تحت أقدام الأمهات ، جعل الجنة تحت أقدام الأزواج، يقول النبي المصطفى “لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها” فسبحان الله فالمرأة هي الزوجة وهي هي نفسها الأم، والرجل هو الأبن وهو هو نفسه الزوج، فأي عدل أعظم من هذا .

وليس في علو شأن جنس الرجال (على وجه العموم) عن جنس النساء، ما ينقص من قدر النساء أو يعيبهم .
فقد بعث الله جميع الرسل من الرجال ، وليس منهم امرأة واحدة، فليس في هذا ما يعيب المرأة فذلك قدر الله في خلقه.

وإني لأعجب من تلك المرأة التي تتقبل بكل بساطة أن تتلقي التعليمات والأوامر من رئيسها في العمل، وفي بعض الأحيان يكون ذلك بأسلوب يحمل التعنيف والغلظة وقد يصل إلي الإساءة، ليس لشيء إلا أن لوائح وقوانين العمل قد منحت هذا الرجل بعض الصلاحيات.

وهي نفسها في ذات الوقت تأبي وترفض أن تستمع لزوجها في بعض الأوامر أو حتي في بعض التوجيهات والنصائح، مع أن الله تعالي هو من منحه هذه الحقوق والصلاحيات، وليس من خلال لوائح وقوانين دنيوية كما في الحالة الأولى.

ولكنها للأسف قد وقعت تحت تأثير حملات ممنهجة لفترات طويلة من أولئك الذين اعتنقوا وروجوا لهذا الفكر المدمر، وأعني هنا فكر المساواة المطلقة، أو أفة الفكر الإنساني.

أضف تعليقك هنا

د. أحمد حسنين

خبير إدارة المشروعات واستشاري الادارة الاستراتيجية ،باحث في مجال العلوم الإدارية والتنمية البشرية ،كاتب ومفكر استراتيجي ، له العديد من المقالات والمؤلفات .