جرثومة المعدة والربيع العربي

القولون مرض العصر

يقول الأطباء أن مرض القولون هو أحد أمراض العصر الحديث التي انتشرت في الأونة الأخيرة ، حتي أن الدراسات قد باتت تشير إلي ان 80% من الشعوب العربية مصابون بأمراض القولون … وأنا أحد هؤلاء ، ولطالما عانيت كثيرا من أعراض مرض القولون التي استمرت معي لعشرات السنوات عايشت فيها الكثير من الألام البدنية والأعراض النفسية .

فمرض القولون لمن لا يعرف عندما يتمكن منك يتحول الي أخطبوط يتحكم في جسدك كله ، ويؤثر علي جميع أعضاء هذا الجسد ، بل ويمكنه أن يصيبك بأعراض قد لا تتخيل أنه يمكنك أن تصاب بها.

ومنذ عدة سنوات سمعت أنهم قد اكتشفوا أن أحد أهم مسببات مرض القولون هو نوع من الجراثيم ، أطلقوا عليها اسم جرثومة المعدة، وهي من الأنواع شديدة المقاومة ، والتي يصعب التخلص منها . وكثيرا ما نصحني المحيطين بي بضرورة ألا أستسلم لما أنا فيه من المتاعب ، وبالفعل فقد كانت تمر علي أوقات صعبة أفقد فيها القدرة عل فعل أي شئ ، وكانت تلك الأعراض المزعجة الدائمة والمتكررة أحد العوائق الرئيسة في التقدم والإنجاز ، فقد كانت تؤدي لانخفاض معدلاتي في الأداء كثيرا عن المعدلات الطبيعية.

وكان الجميع يخبرني أن الأمر قد أصبح متاحا ، والطريق قد أصبحت ممهدة ، فقط 14 يوماً من العلاج يمكن أن تقضي على تلك الجرثومة وإلى الأبد ، وتخلصني مما أنا فيه.

وعلي الرغم من تلك السنوات الطويلة التي قضيتها وأنا أتعايش مع واقعي حتي دون أن أفكر في محاولة تغييره. إلا أن نصائح ودعوات من حولي قد بدأت في التصاعد حتي بدأت أفكر في الأمر، وحدثت نفسي لماذا لا أحاول أن أقوم بتغيير ما أنا فيه .. الأمر يبدوا بسيطاً .. 14 يوما فقط من العلاج يمكن أن تغير من حالي ، ولا أخفي عليكم أنني قد حاولت خلال السنوات الماضية بعض المحاولات لمعالجة الأمر ، ولكنها جميعاً باءت بالفشل ، ولم أتمكن وقتها من متابعة العلاج إلي نهايته. ولكني في هذه المرة وتحت ضغوط من حولي قررت أن أخوض تلك التجربة ، وبالفعل قمت بعمل التحاليل اللازمة التي أثبتت وجود تلك الجرثومة ، وبالفعل قمت بأخذ الجرعات العلاجية المحددة ، والتي كانت مكثفة وقوية خلال 14 يوما تعرضت فيها للعديد من الأوقات الصعبة التي كنت أترنح فيها فاقدا للاتزان وأكاد أن أسقط مغشياً علي .

القضاء على  الجرثومة

ومرت تلك الأيام ، وانتهي العلاج ، وتمكنت بفضل الله من القضاء علي تلك الجرثومة التي استحوذت علي قواي لسنوات عديدة ، تلك الجرثومة التي كانت تمثل أكبر عائق لي في طريق الإنجاز أو هكذا كنت أعتقد … كنت أعتقد أنني وبعد أن أتخلص منها سوف أحيا حياة طبيعية كمن حولي ممن لم يصب بها. كنت أعتقد أن القضاء عليها سيفتح المجال أمامي أن أحيا حياة طبيعية لا يعكر صفوها تلك الألام أو الأعراض المختلفة التي كانت تصيبني.

لكن هذا لم يحدث ، فمنذ أن أنهيت العلاج وقضيت علي تلك الجرثومة وأنا أحيا في حالة من انعدام التوازن ، وفقدان التركيز إلي الحد الذي دعاني أن أسال نفسي هل كنت محقاً بشأن ذلك القرار الذي اتخذته بخصوص الإقدام علي التغيير ، وبدأت أتذكر تلك الجوانب الايجابية التي حققتها خلال تلك السنوات الماضية بالرغم من متاعبي ، وكيف أني تحت تلك الضغوط وبسببها قمت بابتكارنظام غذائي متوازن مكنني من خفض وزني حوالي 15 كيلوجرام. وكيف كنت أحافظ علي ممارسة الرياضة لتنشيط القولون والحد من أعراض مرضه مما جعلني أمتلك جسداً رياضي ومتناسق ، وكيف أن وجود تلك الجرثومة اللعينة قد حدا بي إلي الالتزام في نظامي الغذائي بتخفيض السكريات والدهون والنشويات مما كان سبباً بإذن الله في خفض معدل السكر والكوليسترول.

والأن وبعد أن تمكنت من القضاء علي تلك الجرثومة ، التي كنت أنا بسلوكياتي الخاطئة السبب الرئيس في إصابتي بها ، وفي استقرارها ، بل واستفحالها.

أكتشفت أن الوضع لن يمكن أن يكون طبيعياً فجهازي الهضمي نفسه لم يعد طبيعياً بعد تلك السنوات الطويلة من استقرار تلك الجرثومة فيه ، وتمكنها منه . لقد أصابه الضرر ، وساعد في ذلك العديد من سلوكياتي الخاطئة.

وبدأت أتساءل هل حقاً كان الحل هو القضاء علي تلك الجرثومة ، أم أن ذلك لم يغير شيئاً ، ولم أجني من ورائه سوي المزيد من المتاعب؟   

هل أصبحت المشكلة في جسدي نفسه ، وفي سلوكياتي نفسها ، والتي سوف تحتاج إلي الوقت الطويل والمجهود المضني حتي أتمكن من علاجها واصلاحها .

وتوقفت فجأة عن التفكير في الأمر لأني قد تنبهت إلي ذلك التشابه الشديد بين حالي مع مرض القولون وتلك الجرثومة المسماة بجرثومة المعدة ، وبين واقع مجتمعاتنا العربية في ظل ما سمي بالربيع العربي. فهل فعلاً أنا محق !!؟؟

فيديو مقال جرثومة المعدة والربيع العربي

أضف تعليقك هنا

د. أحمد حسنين

خبير إدارة المشروعات واستشاري الادارة الاستراتيجية ،باحث في مجال العلوم الإدارية والتنمية البشرية ،كاتب ومفكر استراتيجي ، له العديد من المقالات والمؤلفات .