ماذا يفعل التعليم في وطن ضائع ؟

قبل 120 سنة كانت الإجابة !

سبق الشيخ محمد رشيد رضا زمانه فكراً و اجتهاداً و عملاً ونصحاً و كان له ردَّ معجز على مقولة يرددها البعض في هذه الأيام مفادها : ماذا يفعل التعليم في وطن ضائع ؟! وكتب قبل 120 سنة في مقدمة الطبعة الثانية للمجلد الأول من المنار الصادرة في شوال – 1315هـ الموافق فبراير – 1898م :

الحمد لله المبدئ المعيد ، الفعّال لما يريد ، الذي جعل إرادة بعض عباده ، من أسباب إنفاذ مراده ، فهم بقوة الإرادة يمتازون ، وبحسن توجيهها للمرادات يتفاضلون ، فلولا الإرادة الإنسانية العجيبة لَمَا أشرقت شموس العلوم والعرفان ، ولولاها لما ظهرت ثمراتها العملية في الأكوان ، والصلاة والسلام على أفضل مريد ومراد ، وأكمل مظهر للمشيئة الإلهية في العباد ، سيدالمصلحين ، وخاتم النبيين والمرسلين ، المرسَل – وهو الأمي – ليعلم الأميين والمتعلمين ، والمبعوث وهوالعربي إلى جميع العالمين ، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين ، وأصحابه المتقين ، ومَن تبعهم في هديهم إلى يوم الدين .

هل زمن التدارك قد فات ؟!

و تساءل الشيخ في مقالة له بعنوان ” القول الفصل : محاورة في سعادة الأمة ” نشرت في فاتحة العدد الثاني الصادر يوم الثلاثاء 29 شوال سنة 1315هـ الموافق فبراير – 1898م :

( س ) إذا تمكن في النفوس اليأس من التقدم ، والقنوط من الترقي ؛ لاعتقاد أن زمن التدارك قد فات ، وأنه لا يمكن مجاراة المتخلف لمن بلغ الغاية ، وإن كان الاستعداد واحدًا ، فغلت لذلك الأيدي عن العمل ، كأنما هي مشلولة ، ووقفت الأرجل عن السعي حتى كأنها مقطورة . ( أي محبوسة في المقطرة ، وهي خشبة مثقوبة توضع فيها أرجل المحبوسين ) ، فبماذا تُنزع الأغلال ، وتُكسر المقاطر ، وتنعم تلك النفوس بحلاوة الرجاء بعد مرارة اليأس ، وتندفع اندفاع الجياد القرّح إلى طلب المجد المؤثل الذي تطلبه بحق وتجري فيه على عرق ؟

( س ) ما هي الآلة الرافعة للمتطوحين في عواثير التعاسة والشقاء ، والمتدهورين في مهاوي الخذلان . وما هي المدارج التي ترقى فيها الأمم إلى المدنية الصحيحة ، والمعارج التي تصعد عليها إلى مراتب الكمالات الصورية والمعنوية ، من دينية ودنيوية ، وما هو النور الذي يستضاء به في ظلمات الجهل والغباوة ، والمنار الذي يهتدى به في مَهَامِهِ الحيرة ومجاهيل الخطوب ؟

فقال : إن الجواب الذي قلت أنه وسيلة لسعادة الأمة تجمع كل الوسائل ، وسبب يرجع إليه جميع الأسباب هو ( تعميم التربية والتعليم ) ، وهذا اللفظ تلوكه الألسنة كثيرًا إلا أن معناه لم يُعْطَ حقه من التبصر والتأمل . فإن كنتم في ريب و أذعنتم ولم توجهوا كل قواكم العقلية والمالية للحصول على هذه الرغيبة ، فأنتم العاملون على ضياع أوطانكم وخائنون أمتكم وملتكم .

للقوة والمنعة أسبابها ؟!

و تحت عنوان ” التربية والتعليم ” نشرت في فاتحة العدد الثالث الذي صدر في 7 ذي القعدة سنة 1315 – 1 مارث سنة 1898 . كتب : إن مَن ينظر في تاريخ الأمم ويكتنه شؤونها يتجلى له أن القوة والمنعة والغنى وبسطة الملك وسائر موارد السعادة مناطها تعميم التربية والتعليم على الوجه الذي ينبغي . وهذا الأمر وإن كان بديهيًّا عند العارفين بالتاريخ ؛ لأن الوجود الإنساني كله شاهد به ودليل عليه ، فالسواد الأعظم من أمتنا غافل عنه لا يرجع إليه طرفًا ، ولا يصيخ له سمعًا ، والمتنبهون أفراد قلائل يرددون الصيحات والنبآت ، ولا ملبي ولا مجيب .

فيديو مقال ماذا يفعل التعليم في وطن ضائع ؟

أضف تعليقك هنا

هيثم صوان

الكاتب هيثم صوان