أشكلة الهوية الجزائرية بين الأمزغة وتحديات العوربة و أثرها في تَشَكُلِ الشّخصية الوطنية

توحيد الهوية الجزائرية

يعد تحديد مفهوم موحد للهوية من أهم القضايا التي يجب أن يفتح حولها نقاش جدي وفعال في الوقت الراهن ، سواء على المستوى السّياسي أو على المستوى الثقافي الاجتماعي ، وأن تحدد الإشكاليات التي تعيق عملية تشكل الشّخصية الوطنية في ظل هوية موحدة جامعة.

هذا النّقاش وإن تمّ الفصل فيه على مستوى الدّوائر الرّسمية [1] ،  إلاّ أنّه لم يفصل فيه بعد على المستوى السّياسي ، و الثّقافي ، والاجتماعي ، مما يدفعنا للتّساؤل : هل إشكالية الهوية بين الأمزغة والعوربة موجودة فعلا منذ القدم أم هي وليدة المرحلة الإستدمارية  ؟ ، و أين تكمن بالتحديد ؟ ، وما مدى تأثيراتها على تشكل الشخصية الوطنية ؟ ، وهذا ما عنيته بضرورة فتح نقاش جاد لإيجاد  حلول موضوعية ، شفافة وصادقة للمحافظة على وحدة النسيج الاجتماعي والجغرافي للمجتمع الجزائري.

هل إشكالية الهوية بين الأمزغة والعوربة موجودة فعلا منذ القدم أم هي وليدة المرحلة الإستدمارية وما بعدها؟

إنّ المتتبع لحركية الفتح وما بعدها ، وما حمله الفتح من مظاهر الحضارة والتّمدن ، والرّقي الاجتماعي ، والسّياسي ، والاقتصادي ، والتّفاعل الإيجابي داخل النّسيج الاجتماعي الموحد بفعل الخطاب المسجدي المعتدل والمتوازن ، الذي يحمل قيم العدل ، والحرية ، والشورى ، والعلم ، والعمل ، ليدرك أنّه لم تكن هناك إشكالية هوية بين العرب والبربر قط ، وإن تخلل العلاقة بينهما بعض الصدامات إلاّ أنها لم ترقى إلى ما ذكرت.

يقول في ذلك الدّكتور عثمان سعدي: (   قبل دخول المستعمر الفرنسي المغرب العربي ابتداء من الجزائر سنة 1830 ، لم يكن هناك أمازيغي واحد قال بأنّه أمازيغي وليس عربيا، أو طالب باعتماد اللّغة الأمازيغية بدل اللّغة العربية.) [2] ، وهذا ما أكده الأستاذ عمر عسعوس حيث يقول : ( إنّه لم يكن للبربر بصفة عامة ولبربر الجزائر بصفة خاصة في يوم من الأيام منذ دخولهم الإسلام حس بهوية ثقافية مستقلة عن بقية مجتمعات المغرب العربي عامة والمجتمع الجزائري خاصة ) [3] ، ولعل خير دليل على ذلك ما ذهب إليه الأستاذ روبرتس حيث يقول : (  وغياب الوعي بهوية مستقلة لدى البربر له جذوره في فترة ما قبل الإسلام.

أسباب غياب الحس الوطني البربري

حيث أن التّوزيع الجغرافي للجماعات  البربرية، وعدم وجود لغة مكتوبة لديهم واعتمادهم على الهجرة الذكرية المؤقته إلى المدن… كل هذه الأشياء مجتمعة تفسر غياب وجود وعي بربري مخالف أو أمر معاد لقضايا وأولويات الحس الوطني العربي ) [4].  و أدى التّداخل، والانصهار ، والتفاعل بين العرب والبربر  إلى إيجاد مجتمع موحد يحمل خصائص وصفات كل منهما ، قال الأستاذ محفوظ نحناح : ( فانصهرت في بوتقة التاريخ المشترك ثورية وعزة الأمازيغ مع شهامة وشجاعة العرب ، في ظل سماحة الإسلام وعدله ، ونتج عن ذلك مجتمع جديد ، المجتمع الذي فتح أبناؤه الأندلس ، … المجتمع الذي رفض الرضوخ لكل الغزوات والهجمات ..) [5].

وعلى هذا فهويتنا العرقية هي الأمازيغية البربرية التّي تفاعلت بدخول العرب ، وحملت معهم رسالة الحضارة والقيم الإنسانية ، عن طريق لغة القرآن ، هذا التّفاعل التّاريخي  يقودنا للوقوف عند حقيقة مفادها أنّ إشكالية الهوية ما هي إلا صناعة سياسة استعمارية خبيثة ، القصد منها تفكيك البنية الاجتماعية للمجتمع الجزائري ، عن طريق زرع النّعرات العرقية والجهوية ، ليسهل عليهم التّحكم في مقدارت الشّعب وخيراته ، سواء إبان المرحلة الاستعمارية أو ما بعدها ، وذلك وفق مخطط ممنهج مدروس  ، وما يدعم هذا الرأي هو   ” اقتصار عملية ظهور الحس بالهوية البربرية في بلاد القبائل في الجزائر وحدها دون غيرها من المناطق البربرية سواء في الجزائر أو المغرب أو تونس أو ليبيا أو مصر، حيث كانت ممارسة سياسة التفرقة العرقية تمارس في بلاد القبائل الجزائرية ” [6].

و أجمل الأستاذ سمير أبيش أهم عناصر  هذا المخطط  في الآتي [7]:

  • إبراز الهوية القبائلية البربرية في الجزائر مع إنكار الهوية العربية واعتبارها هوية دخيلة .
  • إنشاء إذاعة باللّغة القبائلية لإيهام العالم بوجود تعددية لغوية ، وذلك للتقليل من هيمنة اللغة العربية .
  • دعم نظرية أوربية العرق البربري عن طريق علماء الإنثربولوجيا ، ومن بينهم ” لين لويز ماري ” الذي نشر دراساته المختلفة  في المجلة الإفريقية من سنة 1881 م إلى سنة   1903م ، ومن بينها ” أصول البربر دراسات لغوية وعرقية “
  • تنشيط اللّهجات البربرية ووضعها ضمن قواميس مترجمة ” قبائلية  – فرنسية – “.
  • فرنسة البربر عن طريق منح فرص التّعليم المتقدم ، وذلك لخلق طبقة مفرنسة تخدم مصالح المستعمر .

وقد أثمر هذا المخطط نوعا ما إبان المرحلة الاستعمارية ونجح في التّغلغل داخل الوجدان الثّقافي للقبائل البربرية، مستغلاً في ذلك الحزازات البربرية تجاه القومية العربية وكاد يعصف بالثّورة المباركة ، لولا حنكة قياداتها وتشبعهم بوحدة الوطن ، وتمثل  ذلك في أزمة.

حزب الشعب الجزائري سنة  1949 [8] ، والتّي تعود في جوهرها إلى الصراع الأيديولوجي الذّي برز في تلك السّنة حول المرجعية الفكرية للحزب وبالتّالي لهوية الجزائر بسبب اندساس عناصر تتبنى الأطروحات الشيوعية واللّائكية في قيادة اتحادية الحزب بفرنسا والجهر بتلك الأطروحات المعادية لمكون أساسي في الهوية الجزائرية وهو المكون العربي الإسلامي.

إلاّ أنّ آثار الصراع الحقيقي تجلىت بوضوح  عشية الاستقلال ، وتمثلت في خلق تيار قبائلي بربري متصلب يعمل على بعث هوية  قبائلية مختلفة عن هوية الشّعب الجزائري، وتمثل ذلك في حدوث حركة انفصالية مسلحة تحت قيادة المعارض القبائلي آيت أحمد، والتي تمّ القضاء عليها في مهدها ، ليتواصل مسلسل الأحداث إلى إنشاء جماعة أكثر تطرفا هي “اتحاد الشّعب الأمازيغي”.

أهداف مجلة “الرابطة”

حيث بدأ هذا التنظيم بنشر مجلة سياسية تحت عنوان  ” الرابطة “، والتي  من أهدافها [9] :

  • معارضة التّعريب القسري ، وذلك بعد إعلان الرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بلة في خطاب له يوم 5 /07/ 1962م  أنّ : “التعريب ضروري لأنه لا اشتراكية بلا تعريب ولا مستقبل لهذا البلد دون التعريب “.
  • المطالبة بالاعتراف الرّسمي باللّهجة القبائلية كلغة رسمية إلى جانب الدارجة الجزائرية .
  • المطالبة بالديمقراطية ذات الطابع الغربي.

لتصل الأحداث إلى ما يسمى بأزمة الرّبيع الأمازيغى 10 أفريل 1980م [10] ، وما أفرزته من مآسي ، لتعود المناوشات إلى الظهور علانية من جديد عن طريق حركة العروش[11] ، التّي حاول زعماؤها الضّغط على السّلطة بالسّير إلى العاصمة، حيث سار مئات الآلاف من المتظاهرين يوم 14 يونيو/ حزيران 2001، وتسببت المظاهرات التّي لم تواجهها وحدات مكافحة الشّغب بأمر من وزارة الداخلية في حرق وتدمير واجهات المحلات والمؤسسات العمومية والخاصة.

أمام هذه الأحداث التّي أثرت على وحدة المجتمع وتركيبته ، وعلى تشكل شخصيته العامة ، وللحفاظ على مقومات هذه الشّخصية ، قدمت الدّولة مجموعة من التّنازلات الهامة ، تمثلت في السّماح لامتداد الهوية الثّقافية واللّغوية  لتشمل البعد الأمازيغي  بالإضافة إلى البعدين العربي والإسلامي ، وتمّ ذلك كالآتي :

السّماح بعقد أول مؤتمر أمازيغي بمدينة إعكوران * ،ليخرج هذا المؤتمر بتوصيات تمثلت في الآتي[12] :

نتائج مؤتمر اعكوزان

  • ضرورة البّحث عن هوية جزائرية حقيقية .
  • ضرورة العمل على ترقية لغتي الوطن الأمازيغية والعربية الجزائرية – الدارجة.
  • السّماح بإنشاء حزبين سياسيين جهويين على اثر التّعددية الحزبية تحت مسمى” حزب جبهة القوى الاشتراكية” –FFS – و “حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية ”  – RCD – .
  • اعتماد الأمازيغية لغة وطنية ثانية سنة 2002م .
  • تأسيس تلفزيون بالأمازيغية – القناة الرّابعة – يستطيع من خلاله فتح قنوات للتعبير عن الثقافات الفرعية بحرية.
  • تعميم تدريس اللّغة الأمازيغية في المدارس الجزائرية عبر التراب الوطني .

أين تكمن إشكالية الهوية بين الأمزغة والعوربة بالتّحديد؟ 

في تصوري الإشكالية الحقيقية على حد تعبير الأستاذ محفوظ نحناح تكمن في : ” مدى فهمنا للهوية والمرجعية ، أهي هوية أعراف ، أم هوية ثقافات ،أم هي هوية لغة ، أم هي هوية جغرافية ، . … ” [13]  ،  فلا بدّ من تحديد موضع الإشكال ، والذي هو حسب رأيه ” لا يتعلق بمكونات الهوية الوطنية بالأساس والمتمثلة في الدّين ، و اللّغة ،  والانتماء الجغرافي ، وإنّما يتعلق بمحاولات التّوظيف السياسي والاستغلال الحزبي العرقي لمسألة الهوية الوطنية ، أو محاولة احتكارها أو فرض الوصاية عليها من جانب تيار أو حزب معين ” [14].

هذا التّوظيف السّياسي لأصحاب الإيديولوجية الفرانكفونية خلق شرخا داخل النّسيج الاجتماعي الجزائري الذّي حافظ على استقراره وتماسكه وتكامله طيلة قرون ، عن طريق إيهام فئات قليلة من التّيار الأمازيغي  بأنّهم ضحايا استعمار عروبي إسلامي ، يريد طمس الهوية البربرية بكل معالمها والحلول محلها ، و التّمكين لهيمنة العرق العربي على العرق البربري سواء على مستوى السّلطة والأرض ، أو اللّغة ، أو الثّقافات والتّقاليد ، وللأسف ولدّ  هذا الاستغلال السّياسي انطباعا سيئا  لدى شرائح واسعة من المجتمع الجزائري ضد القضية الأمازيغية ، بحيث تحولت من قضية مشروعة تلبي رغبة فئات كثيرة في منطقة المغرب العربي الكبير إلى إشكالية تهدد أمن واستقرار المجتمع في حد ذاته ، ولذلك لا بدّ من التّفرقة بين التّوجهات التّفكيكية الانفصالية تحت غطاء  الهوية البربرية ، وبين مشروعية المطلب في ظل ” التّحولات التّي يفرضها الواقع المحلي والإقليمي والدّولي وهو ما يبدو في تمسك العديد من النّخب الأمازيغية بهويتها اللّغوية، وجعلها أهم مكونات هويتها الخاصة، عندما وجدت أن لغتها مهددة ومُهملة بعد الاستقلال نتيجة عدم اعتراف الدولة بلغتهم الأم، في حين أنهم أثناء الاحتلال الفرنسي كانوا يعتبرون أن الهوية الإسلامية هي الواجب إبرازها لأن المحتل كان يستهدفهم ” [15].

هذا يدعونا للتّساؤل هل كل البربر على السّواء في نظرتهم للهوية الثّقافية واللّغوية أم لا ؟

، وذلك للوقوف عند حجم المشكل من جهة ، ومن جهة أخرى عدم وضع الجميع في سلة واحدة تجاه إشكالية الهوية  ، والمتتبع للرأي العام القبائلي يجده انقسم  في نظرته للهوية الثّقافية واللّغوية  إلى ثلاث تيارات هي [16]  :

التّيار الأمازيغي المتعصب

وهو تيار أمازيغي عنصري النّزعة بخصوص إقامة هوية بربرية علمانية لا علاقة لها بالعروبة ولا بالإسلام لا من بعيد ولا من قريب ، وبالنّسبة لهم العرب غزاة محتلون وليسوا بفاتحين ، و في ذلك يقول الأستاذ شريف عبد الرحمان : ( إنّ المستعمر الفرنسي نجح في خلق حالة الرفض القبائلي ضد كل ما هو عربي أو إسلامي ليس لصالح البربرية أو الأمازيغية وإنّما لصالح الفرنكوفونية؛ …الذّي بات يعبر عن تيار اجتماعي وثقافي وسياسي مضاد للتّيار الجزائري العام، وذي ولاء يتحدد في كثير من الأحيان بما يجري على الضفة الأخرى من البحر (فرنسا) ) [17]. وهم بذلك يستبعدون قروناً إسلامية صاغت هويتهم وتاريخهم، ويعتز خطابهم بكسيلة والكاهنة وحتى القديس أوغسطين ربما لإثبات علاقة تاريخية بأوروبا المسيحية عبر المتوسط ، واستبعد هذا الخطاب وبمرجعية انتقائية أمجاد البربر وعزتهم الإسلامية -حيث أسسوا دولا كالمرابطين والموحدين- من سجله، لتكون أمازيغية كسيلة لا أمازيغية طارق بن زياد.[18]

التّيار الأمازيغي المعتدل

وهو تيار أمازيغي معظم أتباعه من القبائل مزدوجي اللّغة والمتعلمين في المدارس الجزائرية ، يرى هذا التّيار أن الإسلام والعروبة والأمازيغية هي الأبعاد الأساسية للهوية الوطنية الجزائرية. ومن ثم فإنه من اللائق أن تأخذ الأمازيغية مكانها اللائق بها كلغة وطنية ولكن ليست رسمية.

التّيار الأمازيغي المعرب

وهو تيار أمازيغي معظم أنصاره من العرب والقبائل المتعلمين باللّغة العربية والأقليات الأمازيغية الأخرى ولا سيما  الشّاوية الذّين يعتزون بجبال الأوراس ، ومن بين هؤلاء السّيد علي وعلي الذي كتب قائلا : (  أقول لهؤلاء جميعا ولأتباعهم الذين رضعوا لبن الاستدمار الفرنسي وثقافته وأفكاره أنا أمازيغي، افتخر وأعتز بطارق ابن زياد وأمثاله في نشر الرسالة المحمدية في أفريقيا وأوروبا. أنا أمازيغي افتخر وأعتز بالأمازيغيين الذين احتضنوا الإسلام واللغة العربية في جبالنا الشامخة بجرجرة والبابور وبني ورتيلان وخراطة وبجاية وتاموقرة وأكفادو … أنا أمازيغي افتخر بأمازيغية عبد الحميد إبن باديس الصنهاجي الأمازيغي …  ) [19] .

النّتائج

من خلال ما سبق ذكره يمكننا أن نستنتج الآتي :

  • لا توجد إشكالية بالمعنى الحقيقي بين الأمزغة و العوربة ، وذلك لعاملين :

أولهما :

هو أنّ اكتساب الأمازيغ للّغة العربية كان مرتبطا بالأساس باعتناقهم للدّين الإسلامي  كونها لسان حاله ، ولا يمكن فهم أحكامه إلاّ من خلالها ، فسعوا لفهمها ودراستها ، بل برعوا فيها وتفوقوا على أهلها ، يقول في ذلك عثمان سعدي : (  واستمر المغاربة يتعاملون مع العربية كلغتهم وساهموا في تطويرها، مثل صاحب كتاب الأجرومية ابن أجرّوم العالم الأمازيغي من المغرب الأقصى المتوفى سنة 672 هـ ؛ ومثل ابن معطي الزواوي المتوفى سنة 628 هـ  الأمازيغي من بلاد القبائل، الذي نظم النحو العربي في ألف بيت، سابقا بقرن ابن مالك الذي توفي سنة 730 هـ ، ومثل البصيري الشاعر الأمازيغي من القبائل والذي ولد بمدينة دلّس وتوفي سن 695 هـ بالقاهرة، صاحب قصيدة البُردة المشهورة، التي نسج على منوالها العديد من الشعراء ومنهم شوقي.  ) [20]..

ثانيهما :

هو الأصول العربية المشتركة للبربر والعرب ، حيث أنّ الكل ينتمي إلى هوية واحدة هي الهوية العربية بحسب الامتدادات التاريخية ، يقول في ذلك عثمان سعدي : ( الأمازيغية هي اللّغة الوحيدة العروبية الباقية حية مستعملة شفويا، ومنها نستطيع التعرف على جذورنا العربية كعرب ) [21]

  • أنّه لم تكن هناك إشكالية هوية بين العرب والبربر قط ، فمنذ أن امتزج العرب بالبربر كونوا مجتمعا موحدا يحمل خصائص وصفات كل منهما ، فتكونت بذلك الشّخصية الجزائرية التي استوعبت الجميع ، وعبرت عن هوية الجميع ، ولم نلمس احتكارا للسلطة في يد العرب ، أو هيمنة على البلاد والعباد ،” حيث  نجد أن  قادة كل الممالك والإمارات التي قامت في بلاد المغرب خلال العصور الوسطى كانوا كلهم من الأمازيغ الروستميين والفاطميين و الأدريسيين والزيريين والمرابطين والمرينيين والموحدين و الحماديين والحفصيين ” [22]
  • أنّ إشكالية الهوية ما هي إلا صناعة سياسة استعمارية خبيثة ، القصد منها تفكيك البنية الاجتماعية للمجتمع الجزائري ، عن طريق زرع النعرات العرقية والجهوية ،  و للأسف وجدت من يروج  لها  من أبناء هذا الوطن .

الحلول

في تصوري للخروج من هذه الإشكالات العميقة ، لابدّ من :

  • الاعتراف أنّ الخصوصية الأمازيغية حقيقة ثابتة تاريخيا وواقيا ، على الصعيد اللّغوي والثّقافي ، لا يمكن إنكارها أو تهميشها ، أو إخراجها من معادلة الهوية بمختلف أبعادها ، وهذا للأسف ما تمّ إغفاله أو تجاهله في فترة ما بعد الاستقلال ، فنتج إشكالات عميقة أثرت في تشكل الشّخصية الوطنية ، بل كادت تعصف بها في وقت ما ، وهذا أمر مرفوض .
  • عدم تسيّيس القضية الأمازيغية ، واحتكارها لفائدة فئات حزبية ، أو جهوية ، وتركها للنقاش الحر الموضوعي .
  • ضرورة فتح المجلات أمام اللّغة الأمازيغية في ميدان التّعليم والإعلام والعمل على ترقيتها .
  • ينبغي أن لا يتصادم تعميم اللّغة العربية مع ترقية اللّغة الأمازيغية ، بشرط أن لا تكون بديلا عنها .
  • ينبغي ترسيخ قيم المواطنة لدى كل أفراد المجتمع ، على حساب الانتماءات الضّيقة ، وفي ذلك يقول ابن باديس:  ( أما الجزائر فهي وطني الخاص الذي تربطني بأهله روابط من الماضي والحاضر والمستقبل بوجه خاص…فأرى من الواجب أن تكون خدماتي أول ماتتصل بشيء تتصل به مباشرة…. واحسب أن كل ابن وطن يعمل لوطنه لا بد أن يجد نفسه مع وطنه الخاص في مثل هذه المباشرة وهذاالاتصال …  هذا-أيها الإخوة- وقد فهمتموني وعرفتم سمو فكرة العيش للإسلام والجزائر فهل تعيشون مثلي للإسلام والجزائر….ليحيا الإسلام ، لتحيا الجزائر ) [23].

ثبت المراجع

[1] -حدد الدستور الجزائري معالم هوية الدولة الجزائرية والمتمثلة في : الإسلام دين الدّولة ، اللّغة العربيّة هي اللّغة الوطنيّة والرّسميّة ، تمازيغت هي كذلك لغة وطنيّة ورسميّة . وبموجب هذا تمّ استحداث المحافظة السامية للأمازيغية في27 ماي 1995 في عهد الرئيس الجزائري لمين زروال ، وكذلك يجري حاليا تعميم تدريسها لكافة الجزائريين ، بل نجد أنّ الميثاق الوطني الصادر خلال منتصف السبعينات في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين ركز في ديباجته على الحقبة النوميدية بوصفها أول جهد منظم قام به قدماء الجزائريين لبعث كيان قائم بذاته. وأبرز الميثاق بصورة أساسية دور الأكَلِّيدْ ماسينيسا وحفيده يوغرطا رمز المقاومة ضد الاستعمار الروماني ، انظر :  المكون الأمازيغي في الهوية الوطنية :عامر البغدادي ، مقال بجريدة صوت الأحرار أون لاين ، العدد 1089. تاريخ الدخول : 24/ 09/2017م .

[2] عروبة الجزائر عبر التاريخ : عثمان سعدي : ، ط/1988 ، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر ، ص32.

[3] أزمة الهوية لدى البربر في الجزائر : عمر عسعوس – مقال – ، ص53.

[4]   أزمة الهوية لدى البربر في الجزائر : عمر عسعوس – مقال – ، ص 53.

[5] – الجزائر المنشودة المعادلة المفقودة … الاسلام ، الوطنية ، الديمقراطية : محفوظ نحناح ، ط2، دت ، دار الجمعة للإعلام والنشر – الجزائر – ، ص105.

[6]  – أزمة الهوية لدى البربر في الجزائر : عمر عسعوس – مقال – ، ص64.

[7]  – سمير أبيش :  المرجع السابق ، – بتصرف – ص177-179.

[8]  – أزمة حركة انتصار الحريات الديموقرطية  وتأثيرها على اندلاع الثورة التحريرية : منال شرقي – رسالة ماستر – ، جامعة محمد خيضر  ، سنة 2012م ، ص 51- 53.

[9]  – بربر الجزائر والتّعريب : عمر عسعوس ، دراسات عربية ، العدد 1/ 11 / 1995 م ، بيروت ،  ص 11- 19.

[10] – يحتفل الأمازيغ الجزائريون كل 20  أفريل بالربيع الأمازيغى المرتبط بأحداث ماساوية عاشها الأمازيغ الجزائريون ويعود سبب هذا الاحتفال إلى تاريخ 10 أفريل 1980م عنما تم دعوة الأستاذ مولود معمري الأب الروحي للغة الأمازيغية إلى جامعة تيزي وزو وتم منعها من طرف السلطات اتتطور الأحداث إلى مشادات بين الطلبة والأمن ، قتل على اثرها الكثير من الطلاب . انظر :  عزمي زكريا أبو العز : الأمازيغية و اشكالية الهوية ، مجلة هرمس ، ص268  .

[11] – ظهرت تنسيقية العروش في جويلية 2001م  بعد وفاة الشاب قرماح مسينيسا في ثكنة للدرك الوطني -وهي قوة أمن تابعة للجيش- في بلدة بني دوالة بولاية تيزي وزو شرقي العاصمة، حيث اعتقل رجال الدرك ماسينيسا مع مجموعة من الشباب أثناء مظاهرات في ذكرى الربيع الأمازيغي الذي تحتفل به الحركة البربرية في منطقة القبائل، وكانوا يطالبون بالاعتراف بالهوية البربرية وبجعل اللغة الأمازيغية لغة رسمية في البلاد.واتهمت السلطة بالتهاون في مقتل ماسينيسا وعدم اتخاذ التدابير المطلوبة لاحتواء الأزمة بتقديم الجاني إلى العدالة، وأجج الخلافات ما نسبه زعماء العروش لوزير الداخلية يزيد زرهوني أنه وصف الشاب المقتول بـ”الجانح”. انظر : تنسيقية العروش في الجزائر : أحمد  رواية ، -مقال – ، موقع الجزيرة نت ، http://www.aljazeera.net  .

* إعكوران : إحدى بلديات دائرة عزازقة التابعة لولاية تيزي وزو.

– المشكلة الثّقافية في الجزائر .. التفاعلات والنتائج :  عمر بن قينة ، ط1/2000، دار أسامة للنشر والتوزيع – الأردن – ، ص111-112. انظر : الأمازيغ.. بين التّعريب والفرانكفونية : إبراهيم الحيدري ، – مقال – ، مجلة  إيلاف الالكترونية ، بتاريخ : 02/07/2011م ، تاريخ الدخول : 28 أكتوبر 2017.

[13] – الجزائر المنشودة المعادلة المفقودة … الإسلام ، الوطنية ، الديمقراطية :المرجع السابق : ص82.

[14]– المرجع نفسه : ص83.

[15] – انظر : الهوية الجزائرية… ثلاث مسارات لمواجهة التحديات القائمة ، ياسر الغرباوي ، – مقال – ، بتاريخ : 7 أغسطس 2017 ، مجلة العربي الجديد ، https://www.alaraby.co.uk ، تاريخ الدخول : 29 / 10/ 2017م .

[16] – انظر :  أزمة الهوية لدى البربر في الجزائر : عمر عسعوس – مقال – ، ص 58-60.

[17] – ماذا يريد البربر في الجزائر : شريف عبد الرحمان ، – مقال –  بتاريخ 06/05/2001م ، موقع اسلام أون لاين  https://archive.islamonline.net ، تاريخ الدخول 30/10/2017م .

[18] –  فرنسا والمسألة الأمازيغية : عبد النور بن عنتر ، – مقال – بتاريخ 27/11/2005م  ، موقع الجزيرة نت  http://www.aljazeera.net . تاريخ الدخول 30/10/2017م .

[19] – – المشكلة الثّقافية في الجزائر .. التفاعلات والنتائج  : المرجع السابق ، ص 72.

[20]– عروبة الجزائر عبر التاريخ  : عثمان سعدي ، ص32.

[21] – عروبة الجزائر عبر التاريخ : المرجع نفسه  ، ص32 .

[22] – المكون الأمازيغي في الهوية الوطنية : عامر البغدادي ، المرجع السابق . وانظر : أزمة الهوية لدى البربر في الجزائر : عمر عسعوس – مقال – ، ص52

[23] – آثار الشيخ عبد الحميد بن باديس : عمار طالبي ، الشركة الجزائرية ، ط3/1997م ،

فيديو مقال أشكلة الهوية الجزائرية بين الأمزغة وتحديات العوربة و أثرها في تَشَكُلِ الشّخصية الوطنية

أضف تعليقك هنا

محمد يسين لهلالي

ليسانس فقه وأصول -
إمام وخطيب