أمة طال نومها؟!

الشرق النائم

كتب الشيخ محمد رشيد رضا تحت عنوان : ” فاتحة السنة الأولى للمنار “*  1898م الموافق 1315هـ : ( أيها الشرقي المستغرق في منامه ، المبتهج بلذيذ أحلامه ، حسبك حسبك ! فقد تجاوزت بنومك حد الراحة ، وكاد يكون إغماءً أو موتاً زؤاماً ، تنبه من رقادك ، وامسح النوم عن عينيك ، وانظر إلى هذا العالم الجديد ، فقد بُدِّلت الأرض غير الأرض ، ودخل الإنسان في طور آخر خضع له به العالم الكبير.

واستولى أخوك المستيقظ على قوى الطبيعة ، فقرن بين الماء والنار ، وولدهما البخار ، واستخدم الكهرباء والنور فاخترق بذلك الجبال ، واختبر أعماق البحار ، وعرف مساحة الهواء ، ونفذت أشعة بصره الكثائف ، ووصلت أمواج صوته إلى كل مكان سحيق ، فقرب أبعاد الأرض وجمع بين أقطارها ، بل عرج بهمته للقبة الفلكية فعرف الكواكب ومدارها ، ومادتها.

ومقدارها . حسبك حسبك ! هُب من سباتك واستيقظ من هجوعك ، فقد ولت حنادس الجهالة ، وأشرقت شمس المعرفة ، انظر وتأمل ماذا يفعل أخوك المستيقظ يدكّ ؟!

العصر عصر العلم والعمل

العصر عصر العلم والعمل ، فمن علم وعمل ساد ، ومن جهل وكسل باد ، { مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ } ( غافر : 29 ) . كانت العلوم الطبيعية على عهد أسلافك أفكارًا متضاربة ، وآراءً متناقضة ، وأقوالاً متعارضة ، لم تأتِ عن امتحان وعمل ، ولم يكد يُبْنَى عليها عمل ؛ ولذلك كثر ذامّوها ، وقلّ مادحوها ، وأما في هذا العصر فليس العلم إلا ما أثبته العمل ، أو بُني عليه عمل ، فما لم يحتف به العمل من قطريه ، لا يعول عليه ، فالأعمال تنمي العلوم ، والعلوم تمد الأعمال ، وشاهد ذلك عندك الحديث الشريف : ( مَن عمل بما علم ورَّثه الله علم ما لم يعلم ) قاعدة وُضعت في الشرق ، واهتدى للانتفاع.

بعمومها أهل الغرب ، والذين صدرت بلُغتهم لاهون غافلون . فلا تضيع أوقاتك بالتخيل والتفكر ، ولا تجعل حظك من حياتك الأماني والتشهي ، ولا تدع للأوهام في ذهنك مجالاً واسعًا ومكانًا فسيحاً { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاَ أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ } ( النساء : 123 ) ، { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكُ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } ( فصلت : 46 ).

اليأس من روح الله عين الكفر والضلال

فعليك بالعلم والعمل رُضْ بهما نفسك ، ورَبِّ عليهما ولدك ، فلقد حَلَّ من لساني عقدة الاعتقال والسكوت ، وأطلق قلمي من عقال الدعة والسكون ، استغراقُ بعض إخوتي وإخوتك في النوم ، وغرق بعضهم في بحار الوهم ، وجهل المريض.

منهم بدائه ، ويأس العالم بمرضه من شفائه ، فأنشأت هذه الجريدة إجابة لرغبة مَن تنبهت نفوسهم لإصلاح الخلل ، ومشايعة للساعين في مداواة العلل ، الذين أرشدتهم التعاليم الدينية ، وهداهم النظر في الآيات الكونية ، إلى أن اليأس من روح الله ، والقنوط من رحمته جل علاه – هو عين الكفر والضلال ، وآية الخزي والنكال ، فأحبوا أن يعملوا لأمتهم ، ويقوموا بخدمة لملتهم).

اليوم تجني هذه الأمة استمراءها الكسل و الخمول والغط لسنوات في النوم و اكتفت من الدين بمظاهره وتخلت عن أدابه وحقائقه وجوهره و تدعي ظلما وبهتانا أن تمسكها بإسلامها سبب لتخلفها ؟ جرأة على الله ـ سبحانه وتعالى ـ و افتآتاً على الواقع و افتراء على التاريخ و خدعة لأجيالنا القادمة التي يكفيها عذرا أننا نحن من رباهم ؟!

فيديو مقال أمة طال نومها؟!

أضف تعليقك هنا

هيثم صوان

الكاتب هيثم صوان