تجارة الموت، وأباطرة حصد الأرواح

أكبر ثلاثة دول في مجال صناعة السلاح “تجارة الموت”

بحسب تقديرات منظمة العفو الدولية، يحتل كبار ثلاثة مراكز الزعامة والصدارة في مجال تجارة الموت، هؤلاء الثلاثة هم أباطرة تصنيع وتسويق وترويج مختلف أنواع الأسلحة في هذا الكوكب التعس، وعلى الترتيب هم: الولايات المتحدة الأمريكية بنصيب إنتاجي يقارب 55.006 مليار دولار سنوياً، ثم روسيا الاتحادية في المرتبة الثانية بنصيب 42.404 مليار دولار، والصين ونصيبها من تلك التجارة ما يقارب 9.943 مليار دولار.

وعلى صعيد آخر، نجد أن إجمالي حجم الإنفاق العسكري الاستهلاكي الذي بلغ 1.14 تريليون دولار عام 2001 قد وصل إلى نحو 1.76 ترليون دولار في العام 2015، أي بزيادة تقدر بحوالي 50%. ولا عجب أن تأتي منطقة الشرق الأوسط في صدارة الأسواق حيث تنامى الإنفاق العسكري من مقدار 130 مليار دولار عام 2008 ليبلغ 181 مليار دولار في العام 2014، وتعد دول جنوب السودان والسعودية الأكثر إنفاقاً على التسليح بنسبة تقارب 14% من إجمالي الناتج المحلي لكل منهما.

أما في مناطق أسيا والأقيانوس حيث يزداد الطلب أيضاً، فقد ارتفعت معدلات الإنفاق العسكري من 311 مليار دولار عام 2008 إلى 450 مليار دولار عام 2015. هذا وبحسب تقديرات مكتب الأمم المتحدة العالمي المعني بالمخدرات والجريمة في أحد تقاريره بشأن جرائم القتل، فإن نسبة 41 % من مجمل جرائم القتل في العالم قد تمت باستخدام الأسلحة النارية، وترتفع هذه النسبة إلى 66 % في الأمريكيتين.

ركود تجارة السلاح تدفع ترمب لا يعير اهتماماً لما يترتب على تلك التجارة من عنف وجرائم

من تلك الإحصائيات وباستخدام لغة المصالح، ربما نستطيع رصد عدة حقائق هامة عن ممثلي إمبراطوريات تلك التجارة المميتة. فمثلاً في مارس 2017 سجلت بعض إحصائيات صادرة عن مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكي ركوداً على المستوى الوطني في معدلات تجارة السلاح، مما ترتب عليه خسائر مالية جسيمة لشركات التصنيع الكبرى، الأمر الذي تبعه بعد عام واحد رفض صريح ورسمي من رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب لدعوة داخل الكونجرس الأمريكي بإلغاء حق حيازة السلاح في الولايات المتحدة على إثر نمو مطرد في معدلات جرائم القتل باستخدام الأسلحة النارية هناك.

ترامب تاجر في المقام الأول، وإن لم يكن مستفيدا مباشرا من صفقات السلاح، فهو على الأقل يعي جيداً حدة مستوى التنافس الرقمي في مجال تجارة سلعة الموت تلك، لهذا فهو لا يعير اهتماماً لما يترتب على تلك التجارة من عنف وجرائم كارثية، بقدر ما يهتم بالمكاسب المرتبطة بالأنشطة الاقتصادية حتى غير المشروع منها.

تلك التي كلما ازدهرت وانتعشت، ارتفعت على إثرها معدلات الجريمة العابرة للحدود إلى مستويات قياسية. ولا عجب هنا أذا ما ارتبط هذا دائماً بفلسفة نشر العنف والفكر المتطرف، وزرع الميليشيات المسلحة، ودعم الحركات الانفصالية وعصابات الإرهاب المرتزقة في أماكن الترويج وحولها حتى يصبح في كل ركن من أركان المعمورة سوقاً رائجاً لتلك التجارة.

وبالرغم من صعوبة الإحصاء الرقمي الدقيق، إلا أن تجارة الأسلحة غير المشروعة ربما تتجاوز 60 مليار دولار سنوياً على أقل تقدير، أي ما يعادل نسبة تتراوح بين 10 إلى 20 % من القيمة الإجمالية لتجارة السلاح في السوق العالمية، شاملة النفقات العسكرية للدول، والتي تفوق قيمتها 1.5 تريليون دولار سنوياً.

600 مليون قطعة سلاح صغيرة منتشرة في العالم

ووفقاً لتقارير الهيئات الدولية التي تعنى بانتشار السلاح في العالم وآثاره الاجتماعية، فإن مبيعات الأسلحة الخفيفة سنوياً تبلغ حوالي 8 مليارات دولار، وأن هناك ما يزيد عن 600 مليون قطعة سلاح صغيرة منتشرة في العالم يقف وراء إنتاجها نحو 1150 شركة لتصنيع السلاح في أكثر من 98 دولة، وأن هناك حوالي نصف مليون شخص يلقون مصرعهم سنوياً فقط بسب الإعتداءات والخلافات المسلحة.

الأباطرة الكبار هم من يصنعون البيئة الحاضنة للعنف، وتكون البداية هي رصد البؤر الصالحة. فنجد أن أهم المناطق المستغلة حالياً تمتد من العمق الأفريقي المحكوم بقوة العشائر والقبائل، إلى الامتداد الآسيوي العامر بالخلافات العرقية والإثنية، ثم يلي ذلك الشرق الأوسط متقطع الأوصال بعد انهيار حلم القومية العربية على يد الأثرياء من تجار النفط وعصابات المرتزقة وحراس التيار الديني المتشدد.

دعم الأنظمة الاستبدادية وسيلة مضمونة لازدهار تجارة الموت

لذا كان الترسيخ للجهل والفقر ودعم الأنظمة الديكتاتورية الاستبدادية بمثابة التركيبة الأمثل لتجهيز مثل تلك البيئات التي صارت تتحول تدريجياً إلى أسواق مضمونة لازدهار تلك التجارة واستمرارها. واليوم تتنافس الدول الكبرى على وضع مواطئ لأقدامها في أي منطقة ملتهبة سياسياً بعقد صفقات حماية، ووضع تصورات وهمية لفض النزاعات تضمن الترويج لمنتجاتها من الأسلحة التقليدية والخفيفة في كل مناطق الصراع، لكن الأمر دائماً ما يحتاج إلى سماسرة وعملاء. وهؤلاء هم من يصح تسميتهم “تجار الموت”.

من سماسرة السلاح

على سبيل المثال نذكر فيكتور بوت الروسي البالغ من العمر 51 عاماً والملقب بملك الموت، حيث كان تزويد الرجل لدول الكونغو وجنوب السودان وليبيريا وأنجولا وسيراليون بالسلاح، هو ما ساهم في استعار الحروب الأهلية هناك، حتى أن بعض التقارير الأمنية وشت بأن توقف الصراعات القبلية في تلك الدول مرهون بتوقف نشاط الرجل عن عقد صفقاته هناك. فيكتور بوت يعد من أكبر ممولي الحرب في أفغانستان، وسجلت له صفقات متعددة مع جميع أطراف النزاع هناك بما فيهم جماعة طالبان.

ومن السعودية يبرز اسم الملياردير عدنان خاشقجي المتوفي في العام 2017. خاشقجي هو أحد وسطاء فضيحة إيران-كونترا، وأحد أقطاب صفقة اليمامة الشهيرة التي تمت لمبادلة النفط السعودي بالسلاح البريطاني. وهو أيضاً حليف إستراتيجي هام لشركات تصنيع السلاح (لوكهيد مارتين كوربوريشن ونورثروب غرومان)، ولم تنقطع أخبار فضائحه على موائد القمار حتى بعد أن أفلس، وخبى نجمه السياسي.

ثم يأتي على تلك القائمة أيضاً فارس مناع من اليمن، وهو أحد أقطاب تهريب الأسلحة التقليدية للجماعات الإرهابية في اليمن والقرن الإفريقي، ومن أهم عملائه حركة الشباب الصومالية وجماعة الحوثي، وقد تم اتهامه بدعم الانفصاليين في اليمن والتجسس لصالح ليبيا، وتلقي ملايين الدولارات من القذافي لتكثيف تهديد المصالح الأمريكية في خليج عدن حين كان محافظاً لصعدة.

ومن بنجلاديش يأتي موسى بن شمشير على قائمة سماسرة الأسلحة الثقيلة في منطقة البنغال والمناطق الحدودية بين الهند وباكستان. وعلى تلك القائمة أيضاً الأميركي من أصل لبناني، والمنحدر من أصول أرمينية تركية سركيس سوغالنيان المتوفى في أكتوبر 2011، والذي ظل كأحد أبرز سماسرة السلاح في العالم لعقدين من الزمان، إلى جانب عمله كوكيل لشركة كولت المصنعة للبنادق الآلية إم 16.

كان نشاطه السري هو تقديم المعلومات الهامة عن زبائنه لجهاز الاستخبارات الأمريكية، وكانت أبرز صفقاته خارج الشرق الأوسط تعقد مع الحركات الانفصالية في نيكاراجوا وأنجولا وموريتانيا وجبهة البوليساريو في الصحراء المغربية، وإلى جانب تزويده للميلشيات المسيحية في لبنان بالسلاح أثناء الحرب الأهلية هناك، فقد جمعته أيضاً صداقة شخصية وتعاون سري مع صدام حسين الذي اعتمد عليه في الكثير من صفقات السلاح أثناء الحرب العراقية الإيرانية.

قائمة السماسرة في ازدياد

الحديث عن تجارة الموت لا ينتهي، وصناعة أدواتها وترويجها تعد الحرفة الأكثر ربحية بمعايير السوق الحالية. لذا تبقى قائمة السماسرة زاخرة بأسماء قد لا يتسع المجال لرصدها جميعاً، وتظل الأفعى المتحكمة في تلك التجارة القاتلة تتلون بتوجيهات أباطرة الظل الثلاثة الكبار. بالطبع طالما يوجد هذا الوفر المذهل من العملاء الأثرياء وزبائن الاقتتال التطوعي.

فيديو مقال تجارة الموت، وأباطرة حصد الأرواح

أضف تعليقك هنا