جيل الشرف وجيل العار .. يا جيل الأمل

جيل الشرف وجيل العار .. يا جيل الأمل

أنا من متبعي منهج ضبط المصطلحات عند تناول أي مسألة خاصة بالاجتماع السياسي، لأن في ذلك تخفيف من حدة التداخل لدي القارئ، على أساس أن مصطلحات العلوم الإنسانية زئبقية التأويل نظراً لاختلاف المشارب الأيديولوجية التي تعمل بدرها كأداة تفسيرية للتاريخ والأحداث ورؤى المستقبل، بل حتى للكون وغاية الوجود الإنساني، فالحرية والأمة والعدل مثلاً ليست لها نفس التفسير لدي القومي العربي والإسلامي السياسي، وللشيوعي والليبرالي وغيرهم، لأن الرحم الفكري هو الذي يولد التفسير المختلف لدي كل منهم.

وبما أن عنوان هذا المقال المستطرد يتكلم عن جيل “جيل العار” فوجب علينا توضيح ما نقصده ب”الجيل” حتى نظهر للقارئ الكريم ما نقصده محاولة منا لتفادي أي تداخل مهما كان.

تعريف الجيل

الجيل هو جماعة من أمة عاشوا حقبة زمنية مشتركة وتفاعلوا مع أحداثها وأثروا في مجرياتها في على مدى زمني (٣٠-٣٣) سنة.
ومن هنا يمكن أن نعتبر مجازاً أن الجيل هو كائن حي يتحرك في حلقة من حلقات حركة التاريخ بتفاعل جدلي من التأثر والتأثير.

تأثير الجيل وحركته في المجال العام

قبل الدخول في متن المقال، لابد من التنبيه على أن مضمون ورسالة هذا المقال تتكلم عن تأثير الجيل وحركته في المجال العام، لا دخل للمسائل الشخصية من قريب أو بعيد، فمثلا نتكلم عن جيل العار، فهو مجرم في حق حركة التاريخ، في حق الوطن والامة والمستقبل، لكن من هذا الجيل أصحاب البطولات الشخصية، في الإبداع والاجتهاد والكفاح، في تربية أطفال أو إنجاز علمي أو إبداع فني، أو تضحية عظيمة وإسهام جليل في الدائرة الأسرية أو المجتمعية، ولذلك لا يجب ان يؤخذ على المقال أنه تجريح لشخص من قريب أو بعيد، والرجاء هو أن لا يُتناول بحساسية، فما هو إلا تناول لمسألة في الاجتماع السياسي، والتقييم في كلمة عار أو شرف أو أمل ما هي انعكاس للمنهج الأيديولوجي للكاتب.

ثلاثة أجيال تعاقبت على مصر منذ العام ١٩٤٥م

دورة هذا المقال مداها ثلاثة أجيال تعاقبت على مصر، الجيل الأول هو جيل “الشرف”، وهو الجيل الذي بدأ الحركة من ١٩٤٥م وتقاعد عنها في ١٩٧٧م، والجيل الثاني (جيل العار) الذي تسلم الراية بعد ١٩٧٧م – هو الجيل الذي احتفى باتفاقيه السلام في ١٩٧٩م – وحتى اليوم هو يسيطر ويتحكم، و أخيراً الجيل الذي كان طلق ولادته في ٢٠٠٨م وشهادة ميلاده في يناير ٢٠١١م، وهو جيل “الأمل”.
جيل الشرف هو القدوة والمثال، النموذج البراق الذي يجب على جيل الأمل أن يحذو حذوه، والأهم أن يتفادى أخطائه وخطاياه.

أما جيل العار فهو السوء والشر، الخزي والنكبة، وعلى جيل الأمل أن يبذل كل طاقته بأن ينفك من أسره، ويمحو أثره السيء، ويبني المستقبل وجهده مُركز في أن لا يتشبه به ولا يكرر مصائبه.

جيل الشرف (١٩٤٥م – ١٩٧٧م)

جيل الشرف حمل مشروع، وكان صاحب تجربة، كل خلية من خلاياه متشبعة بها، حلمه هائل وأهدافه كبرى، حتى ولو لم يحقق أهدافه وغاياته، ولكن القيمة في التجربة، والمعنى في الصراع، فهذا الجيل أكد أنه حي، وأثبت أنه حر.

بعد الحرب العالمية الثانية كانت ما أُطلق عليها شعوب العالم الثالث تتطلع لعالم جديد تكون فيه حرة مستقلة وممسكة بزمام مستقبلها بعد حقبة استعمارية شرسة، استباحت فيه القوى الغربية البشر والحجر، في واحدة من أبشع التجارب الإنسانية استغلالاً ووحشية.

القومية العربية

وجيل الشرف لم يكن بعيداً عن عصره، بل أثبتت تجربته أنه كان في قلبه ينبض بالحيوية والتحدي، وقد بلور مشروعه القومي بوعي وادراك، وقاوم الاحتلال الاجنبي وقاتل في سبيل التحرر منه، ورفض الاستغلال الأجنبي – والطبقة الحاكمة الوكيلة له – لثروات ومقدرات البلاد، وسعى للاستقلال في قراره السياسي والاقتصادي والاجتماعي لما يحقق مصالح مصر، ونمَّى ادراكه ووسَّع أفق وعيه ليدرك الربط العضوي بين الوطنية المصرية ومحيطها العربي (القومية العربية)، فعرف أن إسرائيل هي العدو، وأنها مخلب قوى السيطرة الغربية، وأن هذه المواجهة الكبرى تستدعي وحدة الأمة العربية، حيث أن قواها حين تُعبأ وتتكامل تتولد القدرة على صد التهجم الغربي وطرد نفوذه، فضرورات المستقبل تستدعي الوحدة العربية، لأنها كما كانت سبب مجدها في الماضي هي خلاصها للمستقبل الأقوى.

الحرب لتحقيق لإستقلالية واسترداد ثروات

في سبيل ذلك تحرك هذا الجيل في مظاهرات ١٩٤٦م، وسقط شهدائه في ميدان التحرير، برصاص عسكر الإنجليز، وحارب الكيان الصهيوني في حرب فلسطين ١٩٤٨م، وحمل على أكتافه ثورة اجتماعية هائلة، وإعادة بناء المجتمع على أسس طبقية جديدة، مع معركة كبرى لاسترداد ثروات الشعب من قوى الاستغلال، وتأميم قناة السويس كان أعنفها، ومواجهة العدوان الثلاثي كانت أنبلها، بالتوازي مع عملية تحديث تقدمي شامل، في الصناعة والزراعة والفنون والعلوم.

إمتداد عربي

امتد تأثير جيل الشرف في شتى أرجاء الوطن العربي، كما ترسخ أثره على حركة تاريخ الأمة، والتحم مع إخوانه في كل بلد عربي، لقد كان جيلاً عربياً عظيماً، بطولاته في كل مكان، من الجزائر والمغرب، إلى وسوريا واليمن وفلسطين ولبنان، كان كل شبر عربي ينبض المشروع القومي، والحلم العربي بالحرية والعدل والوحدة.

الوحدة بين مصر وسوريا

لقد قامت الوحدة بين مصر وسوريا على سواعد هذا الجيل العربي، وانتصرت ثورة الجزائر بتلاحم أبناء هذا الجيل، وكانت مصر هي قائد الصراع ضد قوى السيطرة الغربية، ولاحقت مصر نفوذ هذه القوى على طول الوطن العربي وعرضه.

حرب أكتوبر

وضُرب جيل الشرف في حرب ١٩٦٧م ضربة قاصمة، فقاوم في حرب الاستنزاف بإرادة عازمة، حتى انتصر في أكتوبر ١٩٧٣م بقوة باسلة، لم يخضع ولا يستسلم.

آخر مشهد لجيل الشرف

أخر مشهد لهذا الجيل، كان في انتفاضة ١٩٧٧م، بعد أن قررت النخبة الحاكمة الانصياع للولايات المتحدة الأمريكية وتسليم مفاتيح الصراع، وما ترتب على ذلك من تفكيك النظام الاجتماعي السياسي الذي بناه جيل الشرف، وضرب قواه الحية من أجل احلال النظام بنظام آخر، لقد بدا أن تضحيات حرب أكتوبر تذهب ثمارها لنفس شبكات المصالح التي كانت في خندق العدو، فكان رد جيل الشرف في لحظات غروبه الأخير هو الانتفاض.

وبعد هذا العرض المقتضب لحقبة جيل كامل، نستخلص أنه كان جيلاً حياً وفاعلاً، خاض ستة حروب، ودخل في معركة تنموية طموحة، وتحمل عبء تغييرات اجتماعية واسعة، وامتد نفوذه وتأثيره السياسي والفني والعلمي في محيطه العربي، بل وتلاحم مع اخوانه ليشكلوا جيلاً عربياً مكافحاً ومقاوماً لقوى السيطرة الغربية واقتلاع التخلف التي زرعته.

إذاً فقيمة هذا الجيل تتجلى بانخراطه في حركة الصراع من أجل تحقيق أهدافه واستعداده لتحدي ومواجهة القوى الداخلية والخارجية التي تحاول صده عن ذلك، فالمعنى في التجربة.

جيل العار ١٩٧٧م  -٢٠٠٨م

أما جيل العار فقد ترك كل هذا، سار يأكل ويشرب، ينام ويصحى، يحلم نائماً وصاحياً، كلٌ مسجون في دائرته الشخصية المحدودة، أما في المجال العام، فكان عَيَّان وميت، لا يحرك طرف ولا يرمش بعين، ولا ينبس ببنت شفه.

حين توجهت النخبة الحاكمة لعكس اتجاه حركة الدولة والمجتمع، نحو قتل الصراع والالتزام بالتسليم للعدو والدوران في فلكه، كانت سلبية هذا الجيل هي القاعدة التي ارتكز عليها هذا الاتجاه.

تفكك النظام الاجتماعي السياسي

كان أهم هدف للولايات المتحدة الأمريكية هو تفكيك النظام الاجتماعي السياسي الذي أخذت تجربة جيل الشرف في بنائه، لأنها ترغب في ارساء قواعد مشروع كامل – يمكن تسميته بمشروع “السلام” – وكان لابد من تحقيق ذلك على حساب تفكيك المشروع القومي – مشروع جيل الشرف – وكلا المشروعين لن يقوما الا على قاعدة نظام اجتماعي سياسي يؤمن استمرارية أي منهما.

هذا التفكيك للنظام الاجتماعي السياسي يعني هدم مكتسبات هائلة، طبقة وسطى تم توسيعها وبناءها، ثروات ومقدرات اُنتزعت لحيازة الملكية العامة، بالإضافة إلى شوط تم قطعه نحو الاستقلال في القرار السياسي والاقتصادي، كما اشتداد تيار القومية العربية حتى أصبح حلم الوحدة العربية أيديولوجيا يعتنقها القطاعات الأوسع من الشعب العربي.

خليق طبقة من أصحاب الثروات

في مقابل تخليق طبقة تستحوذ في ثروات البلاد وتعمل كمنفذ لسيطرة المؤسسات الغربية عليها، أي أن تقوم بدور وكيل قوى السيطرة الغربية، ومحو الطبقة الوسطى صاحبة المشروع القومي والذي قام بها ولصالحها، ضمن عملية واسعة من تجريف المجتمع وافقار شامل للشعب – باستثناء الطبقة الحاكمة الجديدة.

التخلي عن القاعدة الصناعية والمعرفية

أما ما قد تم بنائه من قاعدة صناعية/معرفية فقد تم التخلي عنها، والبدء في نقل الثروات والمقدرات التي كانت ضمن حيازة الشعب (الملكية العامة) إلى الطبقة الحاكمة الوكيلة وللأجنبي من وراءها، هذه المقدرات كانت من أهم مكتسبات التجربة القومية – فهناك شهداء قدموا حياتهم في سبيل انتزاع ثروات الشعب من سيطرة الأجنبي.

تحول مصر نحو التبعية

فتراجعت مصر عن طموحها الانتاجي التحديثي كي تتحول لمسخ استهلاكي غير منتج، وتكتمل دائرة التبعية الاقتصادية/السياسية بالاقتراض والاستدانة، فالدول الاستهلاكية، التي تستهلك بأكثر مما تنتج، يتمكن منها عجز الموازنة، وتضطر للدخول في دائرة الاقتراض لسد هذا العجز، فتتراكم الديون وفوائدها، وتُسلسل سواعد الوطن بغلال الخضوع والاستغلال.

الاجهاز على قيم المجتمع

الأخطر من ذلك كان هو الاجهاز على قيم اجتماعية سياسية كانت قد تم غرسها في وجدان شرائح اجتماعية واسعة من المستفيدين (وهم الأغلبية) من النظام (الاجتماعي السياسي) الذي سعى لبنائه جيل الشرف، منها الجماعية التعاونية، العدالة الاجتماعية، العروبة كانتماء وهوية، ثقافة الانتاج، الحفاظ على منظومة القيم الأصيلة متماسكة نسبياً من دهس منظومة القيم المادية لها.

تغول القيم المادية

فاستباحت القيم المادية منظومة القيم الأصيلة، وتغولت على العلاقات الاجتماعية، وأضحى المجتمع المصري مجتمعاً فردياً تعاقدياً مادياً بعد اغتيال المجتمع الجماعي التعاوني، وطُمس الشعور بالانتماء العربي لصالح المصرية الفرعونية الانعزالية، أو الإسلامية السياسية الطائفية، في الأولى فقد مكانته القيادية العربية وأصبح مجرد بلد إفريقي فقير، وفي الثانية دخل في أتون جحيم تمزيع الذات والانتحار المجنون.

صفر إحتجاجات ومظاهرات

كل ذلك تم، ولم يشهد التاريخ مظاهرة احتجاج واحدة، لم يحرك الجيل الذي تبوأ الحقبة من ١٩٧٧م ساكناً، ظل خارج إطار الحركة العامة، على هوامشها.

  • هل لأنه شهد صراع الجيل الذي سبقه ومعاركه حامية الوطيس مع العدو؟
  • هل لأنه عاش في ظل حالة اقتصادية مُعبأة لصالح المعركة النضالية الكبرى؟
  • هل لكونه عايش تساقط الشهداء، في معارك بورسعيد وسيناء والسويس ومن حوله في معظم بلادنا العربية؟
  • هل أراد أن يخرج من ظل عباءة أبائه؟
  • هل سلم بجبروت العدو وتفوقه النوعي؟

جيل الشرف مقابل جيل العار

إذا كانت تجربة جيل الشرف لم تحقق أهدافها، لكنه جيل انخرط في الصراع، وحقق بعض أهدافه، وكان الواجب على الجيل الذي يليه أن يكمل المشوار، أن يتجاوز أخطاء جيل الشرف ويحقق ما لم يحققوه، فتعاقب الأجيال يجب أن يعكس تواصل التجربة واتصال حركة الصراع حتى بلوغ المقاصد الكبرى.

ولكن الانسحاب الذي فعله أبناء جيل الشرف، أوصلهم ليكونوا جيل العار، وفي أدنى مراتب أجيال مصر الحديثة. مصر انبطحت للعدو وسلمت لأمريكا تسليماً، وتنازلت عن مكانة قائد الأمة العربية، فتخلت عن القومية العربية، ثم تراجعت عن المسار الانتاجي للتحديث والتقدم.

وجيل العار بارك هذا كله بسلبيته وجُبنه، بل اعتمدت عليه هذه التحولات بخنوعه وانعدام ردة فعله، فماذا كانت النتيجة؟

النموذج الاستهلاكي الرأسمالي طحن عظامه ولم يصل جيل العار إلا إلى وضع اجتماعي مأساوي، عبارة عن جزيرة صغيرة من الثراء الفاحش (الطبقة الحاكمة الأقلية) وسط محيط من الفقر والتخلف (حال الأغلبية المحكومة)، والدراسات التي توضح خريطة توزيع الثروات مصر – الأغنى ١٠% يحتكمون على ٧٣،٣% من الثروة في عام ٢٠١٤م، تجعلنا نستشف أن السواد الأعظم من هذا الجيل الذي جرى وراء بريق النموذج الجديد (الثراء والاستهلاك) بعد تركه مجد الرسالة (القومية العربية والتحرر والعدل الاجتماعي)، وصل إلى صفر كبير، فبعد أن باع كل شيء، كسب الفشل والعار.

إغتصاب ثروات الشعب

اُغتصبت ثروات الشعب أمام جيل العار وهو يتفرج كالتيس، وتراكمت الديون لتثقل كاهل أولاده وأحفاده وهو مازال حتى اليوم يردد تحيا مصر كالمخبول.

هذا الجيل كان راعي التردي والفساد، بصمته وضعفه، بخوفه وعجزه، فعملية التجريف الهائلة التي تمت، ما كانت لتؤدي لكل ما نشهده من مهازل في السياسة والإعلام والفنون والرياضة والفكر الديني، لو كان قد وقف جيل العار وقفة أبائه الحرة.

لم تشهد مصر من ١٩٧٧م حتى ٢٠٠٨م عصيان واحد، ولا مظاهرة واحدة، ضد النخبة الحاكمة، إلا بعض النكات في السر أو مواقف فردية لهذا أو ذاك.

الكف عن خوض الصراع

وإذا كانت حجته في الكف عن خوض الصراع هي شهداء التجربة القومية الذين سقطوا دفاعاً عن أحلامهم الكبرى، تقف تجربته المخزية لتكذبه، فالقتلى سقطوا بأضعاف مضاعفة، بطول الوطن العربي وعرضه، ماتوا هباء بالمخدرات أو المرض، أو بالإرهاب والاقتتال الداخلي، ألاف الأرواح التي أزهقت بلا رسالة ولا غاية، مجرد حقبة فارغة تعبر عن أمة تمر بأزمة معنى، وما تحمله الأزمة من جنون التدمير الذاتي.

هذا هو الجيل الذي حقاً حاول ألا يعيش في جلباب أبيه، وترك يده متطلعاً نحو أفاق الثراء والاستهلاك، فلم يجني إلا واقعاً بائساً، يجر فيه خيبات الأمل وهو في أواخر أيامه.

جيل الأمل ولدت في يناير ٢٠١١م

يا جيل الأمل انتبه، أنت أمام لحظة اختيار، أنت الجيل الذي ولدت في يناير ٢٠١١م ولادة الفعل والتأثير، ودخلت على خط صراعات كبرى، ثم وقعت فريسة لقوى شرسة استطاعت أن تحول حلمك إلى كابوس.

ولكنها جولة في عرف جيل الشرف، وقدر بالنسبة لجيل العار، فاختر درب جيل الشرف ولا تستسلم، واحتفظ بحقك في التأثير في المجال العام ولا تنسحب، فالعار يترقب تقاعدك ليفترسك، ليخرجك أنت وأمتك العربية من العصر، بل من التاريخ.

الوعي

ونقطة انطلاقك هي الوعي، الوعي بأن استمرار الواقع الاجتماعي السياسي كارثة على الحاضر وتهديد للمستقبل.

فالدوران في فلك الاستهلاك تسليم للحق في المعرفة والانتاج من أجل اللحاق بركب العصر، والاستسلام لدوامة الاستدانة والاقتراض تكبيل للمستقبل الحر، فغرق في مستنقع التبعية، وبالتالي غلق لبوابة الالتحاق بالأمم الحرة.

الطبقة الوسطى

واستمرارية نظام اجتماعي سياسي يمحو الطبقة الوسطى ويفقر أغلبية المجتمع في مقابل اثراء طبقة أقلية في قمة الهرم الاجتماعي، هو استمرارية لطاحونة تجريف جهنمية، ستفتك بالمجتمع ولن ينتج ععنها إلا مزيد من التخلف.

العمق العربي

والسكوت عما يجري في الوطن العربي من استباحة من القوى الإقليمية والعالمية، سيترك مصر بلا أمة، ولا عمق استراتيجي، مجرد بلد محدود الامكانيات ومتخم بالأزمات.

وتكالب القوى التي لها المصلحة في استمرار الواقع الاجتماعي والسياسي السيء مفهوم وبديهي، كون هذا الواقع قاعدة الارتكاز لمنظومة إقليمية كاملة.

فالمعركة هائلة، والانتصار فيها يحتاج إلى إرادة من حديد، وعزيمة من فولاذ، وطاقة احتمال جبارة، ولم لا، فمن يغيرون اتجاه سير حركة التاريخ لن يكونوا بشر عاديين.

المستفادة من تجربة جيل العار

فالعبر المستفادة من تجربة جيل العار، أن التفريط في الثوابت الاجتماعية (العدل الاجتماعي/التنوير والتحديث) والسياسية (الاستقلال في القرار السياسي والاقتصادي/التحرر من نفوذ الأجنبي) والقومية (القومية العربية/الانخراط في الصراع مع أعداء وحدة ونهضة الأمة العربية) هو تسليم الجبان الهارب من المعركة، وليس دهاء البراجماتي الفاهم.

وأن الهروب أو العزوف من الدائرة العامة إلى الدوائر الخاصة بغرض الخلاص من ضغوطات الصراعات السياسية الاجتماعية أو اليأس من جدوى مجابهة شبكات المصالح، أو الانغماس في تحقيق النجاحات الشخصية على حساب إصلاح الأحوال عامة، لن يلبث أن تغلب كوابيس الاخفاقات العامة للأحلام الشخصية، ويفكك الوضع العام أي مكتسبات شخصية هنا أو هناك، لأن الدوائر الخاصة كلها تدور ضمن دائرة الحالة العامة الكبرى، وإذا كانت الأحوال السياسية الاجتماعية في تردي وانهيار، حتما ستؤثر بثقلها على الدوائر الشخصية مهما كانت تضم تقدماً أو انجازاً.

الجيل الشاب

الأمل معقود على الجيل الشاب الذي خرج في يناير ٢٠١١م وفرض حضوره على المشهد العام

الأمل معقود على الجيل الشاب الذي خرج في يناير ٢٠١١م وفرض حضوره على المشهد العام، وإن كانت محدودية معرفته وقلة خبرته جعلت إنجازه فريسة لضباع الثورات وذئاب المصالح، إلا أنه بحكم العمر وحق الفعل هو الأجدر لتحدي القوى المضادة للتغيير وللتصدي لأطماع شبكات المصالح، عليه أن يختار درب أجداده، وينفض عنه غبار الهزيمة واليأس، لكي ينخرط في الصراع حتى يننتصر، ولا يستسلم كآبائه، حتى لا يتمكن منه العار، فينقل لأبنائه راية الذل والخزي.

أضف تعليقك هنا

عمر ثروت

عمر ثروت