فلسفة الاختلاف

الاختلاف سنة كونية

يعد الاختلاف سنة كونية , وقانون يشمل الوجود كله, بل ويمتد هذا القانون ليشمل جميع أفراد الوجود كله؛ الإنسان والحيوان والنبات والجماد أيضا, فإذا أمعنا النظر في الوجود وجدنا أن لا شيء يماثل شيئا آخر البتة, حتى في الذرات التى هي من أصغر وحدات الكون, لن تجد فيها ذرة تشابه الأخرى في الكم والكيف معًا في نفس الوقت , حتى التوائم التي تولد متشابه, سوف تجد بينهم فروق كثيرة في المقادير, وفي الهوايات والرغبات وأنماط التفكير, قد تكون ثمة مشابهة في أحد الجوانب أو بعضها مع الشيء الآخر, أما أن يكون هناك مماثلة تامة مطلقا فهذا درب من دروب المستحيل.

وعليه فأفهام الناس مختلفة, وعلومهم متنوعة, ويقينهم متفاوت, ومعرفتهم غير متساوية, وفطرهم متباينة, والناس ليسوا متساويين في بصمات اليد, ولا بصمات الصوت, ولا في الجينات الوراثية, وكذلك مختلفون في الطباع, وفي التربية, وأساليب التنشئة ومراحل الحياة, ونظرة الأمور وفلسفتهم تجاه الحياة, فكيف إذن يتفقون في الأفكار والعقول والآراء والرؤى!

لا يزالون مختلفين

بالنظر إل هذه المقدمة فإننا يمكن أن خلص إلى نتيجة مهمة باطئنان, ألا وهي؛ مادام أن الاختلاف سنة كونية, وظاهرة وجودية, فلن يكون هناك توافق مطلقا. ذاك الأمر الذي أقره القرآن الكريم, وجعله آية يقف أمامها كل متعصب ليتأملها محترما الفروق التي بين الأشياء, متعايشا مع هذا الاختلاف علي المستوى الكوني والوجودي والإنساني, فقال :{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} [سورة الروم:22], ونلحظ الإشارة في قوله “واختلاف ألسنتكم” إشارة ذكية, فبما أن اللغة مرآة الفكر, وبما أن الكلمات أوعية للمعاني, فإن اختلاف “الألسن” تقرير لمبدأ اختلاف الأفكار والرؤى بين البشر جميعا.

 القرآن قد شدد وأكد على الاختلاف والتباين بين البشر

وجعلها حقيقة وديمومة مستمرة يجب أن يعيها الكل يدركها الجميع, لاسيما هؤلاء أصحاب الدوغمائية البغيضة, فقال : {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [سورة هود:118], ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة, ولكن الحكمة تقتضي أن يكون بينهم اختلافات لتنوع إنتاجات العلوم وتتعدد أشكال المعارف.
نعم!! لا يزالون مختلفين , ولن يزالوا مختلفين, {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}, أي ليختلفوا, ويختلفوا ليتعارفوا, ولذلك خلقهم, فهم شعوب وقبائل ليتعارفوا, لا ليتقاتلوا ويتصارعوا.

الاختلاف والثراء الفكري

فلا شك أن الاختلاف في وجهات النظر وتقدير الأشياء والحكم عليها يعد أمرا فطريا, له علاقة بالفروق الفردية إلى حد بعيد, إذ يستحيل قيام الحياة وشبكة العلاقات الاجتماعية بين الناس أصحاب القدرات والنمطية الواحدة, ذلك أن النشاطات الفكرية والعملية تتطلب مهارات متفاوتة, وكأن حكمة الله اقتضت أن يكون الناس مختلفين, وبين عقولهم وأفكارهم تفاوت وتباين حتى يكون بين أعمال الحياة علاقة والتقاء, وكل ميسر لما خُلق له.

فهب أن يكون البشر كلهم على سلوك واحد, وتفكيرهم على نمط واحد, وأشكالهم على شكل واحد, وألوانهم على لون واحد, وأفكارهم واحدة, وعلومهم ومعارفهم واحدة, وهواياتهم ورغابتهم كذلك!! فكيف ستكون الحياة بهذا الشكل!! أقسم لك بأنها ستكون حياة لا تطاق, مملة للغاية, سئمةٌ لأبعد الحدود.

ومن هنا نستطيع أن نقول:

إن الاختلاف في وجهات النظر يمكن أن يكون ظاهرة صحة تثري العقل بخصوبة الرأي, وتعرفه بالاطلاع على عدد من وجهات النظر, ورأي إلي الآراء, ورؤى للأمور من أبعاد وزوايا مختلفة. فالاختلاف ظاهرة صحية بامتياز, لكن عندما تخلوا المجتمعات من ثقافة الوعي بفلسفة الاختلاف يجرها هذا الاختلاف لأن يصبح أن يكون “خلاف” يؤدي بأفراد المجتمعات إلى النزاع والصراع.

فيديو مقال فلسفة الاختلاف

أضف تعليقك هنا