لماذا يريدون أن يحكمونا هكذا ؟؟!!!!

لماذا يريدون أن يحكمونا هكذا ؟؟!!!!

في عهود ليست كعهودنا ، وفي أزمنة سبقت زماننا ، مرت على بقاع من العالم عصور من الظلام إختلت فيها الموازين ، فانتشر الظلم والخوف ، وغاب العدل والأمن ، وضُيّعت فيها الأمانة وأُسند الأمرُ إلي غير أهله.

سؤال الحكيم لتلاميذه ..

روي أن أحداً من الحكماء طرح سؤالاً على بعض تلاميذه بدا وقتها في غاية التلقائية والبساطة.. لماذا يريدون أن يحكمونا هكذا؟

نظر التلاميذ إلي بعضهم في تعجب ، ثم سأَلَهُ أحَدَهُم قائلاً : و ماذا تعني بهكذا؟

أجابه الحكيم قائلاً : لماذا يريدون أن يحكمونا ونحن على هذه الشاكلة ، ونحن على هذا الحال من الضعفِ والجهلِ والفقرِ والمرضِ والتخلف؟

لماذا يريدون أن يحكمونا ونحن على هذا القَدرِ من الغوغائية والعشوائية والاضمحلال الأخلاقي؟

ضعك نفسك في هذا الموضع

ثم أردف قائلاً : دعني أسألكم أنتم شخصياً .. إذا قدر لكم في يوم من الأيام أن تصبحون أحد حُكَامنا ، أو حتى إذا لم يقدر لكم ، فقط حاولوا ان تتخيلوا .. أنتم الأن أحدَ الحكام ، فهل يسعدكم فعلاً أن تحكمون أمثالنا؟ هل ستحاولون أن تُرسخوا فينا تلك المفاهيم والأوضاع والأخلاق ، أم أنكم ستحاولون أن تبدوأ بالتغيير نحو الأفضل؟

سادت لحظات من الصمت بين تلاميذ الحكيم دون إجابة.

فقال الحكيم : لن أجيب نيابة عنكم ، فكل منا حُراً في إجابته ، ولكني سأجيبُ نيابة عن نفسي ، ثم أنشد قائلاً:

إذا قُدر لي أن أصبحَ أحد الحكام

أن يصبحَ لي جيشاً … أن يصبحَ قولي كالأحكام

أن يصبحَ رأي فرضاً … ويصبحَ فكري معتقداً … وتصبحَ خُطواتي كالأعلام

إذا قُدر لي أن أحكمَ وطناً … مرهوناً مغبوناً … في حالةِ ذلٍ وسكون

فإني لن أرضىَ …  لن أقبلَ أن أحكم شعباً كالأنعام

سأحاول أن أبدأ تغييراً جِذرياً … يَرُدُ الحقَ إلي أهله … يردُ الوطنَ إلي شعبه … يدفعنا نحوَ الأحلام

تغييراً يَجعلُ من شعبٍ أحكمهُ أحراراً … لا شعبَ عبيدٍ أو خُدام

نعم  … إذا قُدر لي يوماً  أن أصبح أحد  الحكام

فإني لن أحكُمَ شعباً يملؤه البؤسُ … شعباً يحيىَ في يأسٍ وهوان

شعباً يُصبحُ في نَكَدٍ … ويُمسي في نكدٍ

يُصبحُ في مَرضٍ … ويُمسي في مرضٍ

يُصبحُ في جَهل ً … ويُمسي في جَهلٍ

لن أرضى أن أحكم شعباً .. أصبحَ تاريخاً … أصبحَ ذكرى … أصبحَ من بعض الأوهام

لن أرضى أن أحكمَ شعباً يملؤهُ العجزُ … حتى في وسَطِ الأحلام

ثم أردف قائلاً : هذا رأي الشخصي ، ولكن ماذا عن أراء حكامنا ؟!!

تدهور العرب وتطور الغرب

تأملت تجارب الكثير من الدول ممن حولنا ، كيف استطاع حكامها النهوض بها في فترات قياسية ، بينما نواصل نحنُ التردي والسقوط إلي القاع .

يظل هذا التساؤل يقدحُ زِنادَ فكري صُبحَ مساء .. لماذا يريدون أن يحكمونا ونحن على هذه الحال؟!!

هل يَعجزون عن تغيير الأوضاع ؟!! حتى وإن كانت عقولهم تقصر عن إبداعِ نقلةٍ حقيقية ، فإن نماذج التجارب الإيجابية حولهم في كل مكان تنادي من يريد أن ينفذ ويطبق.

هل يريدون أن يصلوا بنا فعلاً إلي ما نحن فيه ؟!! هل تعد تلك الأوضاع من الفقر والجوع والذل والجهل هدفاً لهم حتى يستمروا في حكمهم لنا ؟!!

ولكن المحتلين لبلادنا لم يفعلوا بنا ذلك .

طبيعة النفس البشرية

إن الطبيعةَ البشريةَ السويةَ تطمح إلي تنمية ما تمتلك ، فإن تحكم دولة غنية خير لك وأفضل من أن تحكم دولة فقيرة.

وإن تحكم دولة قوية خيرلك وأفضل من أن تحكم دولة ضعيفة.

وهذا في الحقيقة هو ما يصيبني بالحيرة ، فأنا لا أتكلم عن حب الحاكم لشعبه وخوفه عليهم ، ورغبته في جعلهم أفضل ، وحرصه على نشر السعادة بينهم.

أنا أبداً لم أقصد هذا – وإن كان هذا هو المفترض من واقع مسؤليته أمام نفسه وشعبه وأمام التاريخ ، ومن قبل هذا وبعد أمام الله الذي سيحاسبه على كل من حكمهم فرداً فردا .

ولكني أؤكد أني أبداً لم أقصد هذا ، ولكني قصدت إحساس الحاكم بما يمتلك ، وكلهم يشعرون أن هذه الأوطان بمن فيها ممتلكات خاصة لهم .

فلماذا إذاً لا يحافظون عليها ؟!!   لماذا لا يحاولون جعلها أفضل وأقوى وأغنى ؟!!

وفي ظني أنهم – في غالبهم – يفعلون ذلك لأنهم يخافون من التغيير ويحبون الثبات ، فالنفوس البشرية بطبيعتها – إلا من استطاعت أن تُقَوِمَ ذاتها – تميل إلي الثبات ورفض التغيير حتى ولو للأفضل ، معتقدة أن في هذا الثبات ضمان لاستمراريتها في هذه الحياة.

وهم يعتقدون أن في ثباتهم هذا ضمان لاستمراريتهم في حكمهم ، ولكن قانون الطبيعة يرفض هذا الثبات ، فمن لم يتقدم يتأخر ، ومن لم يتعلم يجهل ، ومن لم يحاول أن يطور وينمي نفسه يتخلف عن المسيرة.

دوام الحال من المحال

كما أن من سنن الله في هذا الكون ، أن دوام الحال من المحال ، وأن التغيير قادم لا محالة ، بأيديهم أو بأيدي غيرهم ، سواء أرادوا أم لم يريدوا . وأن محاولة الالتفاف على هذا التغيير لن تقف حائلاً أمامه.

ولهذا نرى تاريخ الأمم والشعوب مزيجاً من فترات القوة والضعف ، والنهوض والسقوط في نوبات متلاحقة ، تبدأ من عصر القوة على أيدي حكام أحدثوا النهضة والتغيير ، مروراً بحكام ألِفُوا الحال و ركنوا إلى الثبات فتبدأ مرحلة التدهور والسقوط ،  حتى إذا ما وصلت إلي منتهاها ، أتاها أمر الله فتفجرت ينابيع التغييرعلى يد حُكام جُدد أعادوا نهضتها وقوتها ، وعلى هذا يظل الحال حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

أضف تعليقك هنا

د. أحمد حسنين

خبير إدارة المشروعات واستشاري الادارة الاستراتيجية ،باحث في مجال العلوم الإدارية والتنمية البشرية ،كاتب ومفكر استراتيجي ، له العديد من المقالات والمؤلفات .