إرهاصات الخطاب السردي الجزائري

الرواية الجزائرية

تشكل الرواية الجزائرية اليوم، بوابة إبداعية فعلية، تفتح للنقد الأدبي أبوابا واسعة، سواء من الناحية النظرية أو الناحية الإجرائية، فالنقد المعاصر أمسى متابعا للمتن الأدبي، يبحث في تفاصيله، ويتقصى جزئه قبل كله، وقد نجد ذلك جليا واضحا في المناهج النصية التي ما فتئ النص الأدبي أن يولد إلا وتجدها متآكلة لأبجدياته، متصارعة على كنهه وجوهره.

إذا أردنا تقصي الخطاب السردي الجزائري بكل ما يحمله هذا الاصطلاح من معنى، فوجب علينا أن نعود لزاما إلى دراسات نقادنا الجزائريين و كتاباتهم التي مالت إلى التأريخية بشكل واضح، و منهم على سبيل المثال لا الحصر، واسيني الأعرج من خلال كتابه ” اتجاهات الرواية العربية في الجزائر” وعبد الملك مرتاض بكتابه الموسوعي ” فنون النثر الأدبي في الجزائر” ، وعمر بن قينة الذي كان كتابه ” في الأدب الجزائري الحديث” كتابا نقديا تأريخيا بامتياز، بالإضافة إلى بعض المحاولات ذات الطابع الجمعي الموسوعي، التي سيأتي ذكرها من خلال تتبع مراحل تطور الخطاب السردي الجزائري.

تتبع مراحل السرد في الجزائر

انطلاقا من ضرورة تتبع المراحل التي مر بها السرد في الجزائر، سنجد أنفسنا أمام حتمية التساؤل عن الانطلاقة الفعلية لهذا الجنس الأدبي بلمسته الجزائرية، حيث يذهب واسيني الأعرج إلى أن أول رواية جزائرية مكتوبة باللغة العربية “هي رواية غادة ام القرى لأحمد رضا حوحو”[1]، متغنيا في كلامه بإنجاز الأخير، الذي كانت في زمنه الرواية الفرونكو-جزائرية، هي الأكثر ذيوعا، و الأعظم تأثيرا، إذ أن النتاج الجزائري كان مقيدا باللسان الفرنسي، في وقت “لم تظهر فيه إلا روايتين باللغة العربية”[2]، الأولى ” الطالب المنكوب لعبد المجيد الشافعي 1951، و الثانية هي (الحريق) لنور الدين بوجدرة 1957″.

في نفس السياق، يذهب عبد الملك مرتاض إلى ما ذهب إليه واسيني الأعرج، من خلال اعتبار رواية غادة أم القرى، أول رواية جزائرية باللسان العربي من خلال قوله: ” النثر الأدبي الجزائري لم يعرف إلا محاولة روائية واحدة هي (غادة أم القرى) لأحمد رضا حوحو ،حيث تجاوز من خلالها القصة القصيرة …ناهيك أن الكاتب نشرها وحدها مستقلة في مجلد واحد”[3]مما جعلها بداية حقيقية للسرد الجزائري، وباكورة الجنس الروائي في الجزائر ، متجاوزة بذلك الطريقة الحكائية القديمة، و جنس القصة القصيرة كذلك.

رواية غادة أم القرى

في ظل الحديث عن رواية غادة أم القرى، التي صنعت لنفسها بعدا تصدريا، لم ترقى الرواية الأولى –فنيا- إلى ما هي عليه اليوم في الجزائر، حيث”ما تزال غارقة في طروحاتها الإصلاحية عن حرية المرأة، والطرقية، والشعوذة، و غيرها، غير أنها كانت مقدمة طيبة لتطور الفن القصصي والروائي”[4] في الجزائر، في حين يذهب عمر بن قينة إلى أن رواية ريح الجنوب لعبد الحميد بن هدوقة، هي النواة الفعلية للسرد العربي الجزائري، إذ “تكاد تجمع-آراء النقاد و الباحثين على أنها البداية الفعلية للرواية الجزائرية بلسان حال الأمة”[5].

بعد هذه الخطوات الجريئة لكل من رضا حوحو، وبن هدوقة، و آخرين، توالت الإصدارات الروائية الجزائرية[6] ، التي بدورها فتحت للمبدع الجزائري بوابة التنوع السردي في كتاباته، حيث يذهب محمد مصايف في كتابه الرواية العربية بين الواقعية والالتزام، إلى تقسيم الرواية الجزائرية إلى عدة أنواع منها: الرواية الإديولوجية، الرواية الهادفة، الرواية الواقع ورواية التأملات الفلسفية[7]، هذا التقسيم ما هو إلا نتيجة فعلية، لانفتاح أدبي أجناسي على الآداب العالمية،  حيث أنها أخذت من كل نوع وظيفة، و قطفت من كل بستان زهرة.

فيديو مقال إرهاصات الخطاب السردي الجزائري

أضف تعليقك هنا