الذكاء العاطفي من التوازن إلى النضج الانفعالي

أنواع الانفعالات الإنسانية

يواجه الإنسان في حياته اليومية الكثير من المواقف المتنوعة بأشكالها والمختلفة بشدتها، والتي بدورها تثير لديه العديد من الانفعالات، وقد تكون هذه الانفعالات عنيفة ومؤقتة وشديدة، وهي التي نسميها بالهيجان (كالغضب والخوف)، أوتكون انفعالات هادئة غامضة صامتة تدوم لفترة طويلة، وهي مانسميها بالعاطفة (كعاطفة الحب وعاطفة الحزن).

إذاً الانفعالات، تشمل الهيجان والعاطفة بكل أنواعهما وأشكالهما، كما تشمل الكثير من الانفعالات الأخرى، فالإنسان يموج بالانفعالات التي تعتمل في داخله، وتؤثر في تكوين شخصيته، وتتمظهر هذه الانفعالات بمظاهر شتى من خلال سلوكه وردود أفعاله واستجاباته المختلفة والمتنوعة.

أثر الموقف وخبرات الإنسان على انفعالاته

إن إثارة الانفعال تتوقف على على مسألتين: الأولى، حالة الإنسان الراهنة، والمسألة الثانية، تتعلق بتجاربه وخبراته السابقة، والثانية يمكن أن تتحكم بالأولى والعكس غير صحيح. ولذلك كله فإن قدرة الإنسان على فهم وإدارة انفعالاته وفهم وإدارة انفعالات الآخرين بدقة ووضوح، والتمييز بينها ومعرفة دوافعها وغاياتها وحسن تفعيلها واستثمارها بشكل إيجابي ومثمر هي غاية عظيمة تستحق أن نتطلع إلى تحقيقها وترجمتها في واقعنا المعاش ومحيطنا الاجتماعي.

إذ إن السيطرة على الانفعالات وإدارتها بشكل جيد، يعتبر إحدى أهم وأقوى الصفات التي يمكن أن تتمتع بها الشخصية الإنسانية المتوازنة والسوية، فالقدرة على ضبط النفس وكبح جماحها، يجعلنا نعيش حياتنا الإنسانية بكل ماتعني كلمة إنسانية من معنى ونربأ بأنفسنا عما لا يليق بها.

ويمكننا تلخيص ماسبق بمقولة الفيلسوف اليوناني “أرسطو” حينما قال: “أي شخص يستطيع أن يغضب هذا أمرٌ سهل، ولكن أن تغضب من الشخص المناسب وللدرجة المناسبة، وفي الوقت المناسب، وللسبب المناسب وبالطريقة المناسبة، هذا ماليس بمقدور أي كان وليس بالأمر السهل”.

ولعل تحقيق التوازن في انفعالاتنا وبلوغ مرحلة النضج الانفعالي يحتاج إلى الذكاء، ولما كانت أنواع الذكاء متعددة، فلربما يقتضي الأمر إلى نوع خاص من أنواع الذكاء، وهو الذي نطلق عليه اسم الذكاء الانفعالي، ويسمى أي أيضاً بالذكاء الوجداني والذكاء الروحي وجميع أنواع الذكاء هذه هي مسميات لنوع واحد من الذكاء وهو “الذكاء العاطفي”.

معنى الذكاء العاطفي:

الذكاء العاطفي (Emotional Intelligence) هو من المصطلحات الحديثة، وقد عرف تعريفات عديدة نذكر منها التعريفات الآتية:
فقد عرفه “ماير” و”سالوفي”. وعرفه “دانييل جولمان”عدة تعريفات منها: بأنه: “قدرة الفرد على القراءة الوجدانية أو قراءة مشاعر الآخرين ويتمكن من تكوين علاقات اجتماعية طيبة. كذلك يتضمن الذكاء الوجداني ضبط النفس على التحكم في نزعاتنا الداخلية وزواتنا وهو قابل للتعلم و التحكم “. وبأنه: “القدرة على إدراك الانفعالات وفهم ومعرفة انفعالات الآخرين، بحيث يؤدي ذلك إلى تنظيم وتطوير النمو الانفعالي المرتبط بتلك الانفعالات من خلال الوعي بالذات وإدارة الانفعالات والدافعية والتعاطف والمهارات الاجتماعية”.

ويُعرف “مصطفى أبوسعد” الذكاء الوجداني(العاطفي) بأنه: “عبارة عن مجموعة من الصفات الشخصية والمهارات الاجتماعية والوجدانية التي تمكن الشخص من تفهم مشاعر وانفعالات الآخرين، ومن ثم يكون أكثر قدرة على ترشيد حياته النفسية والاجتماعية انطلاقاً من هذه المهارات”.

“الذكاء العاطفي” (Emotional Intelligence) هو من المصطلحات الحديثة، ويعرَّف بأنه مقدرة الشخص على إدارة عواطفه والتحكم فيها وانتقاء الأفضل منها والتي تنناسب مع المواقف التي يتعرض لها الإنسان. من أشهر الأشخاص الذين ارتبط اسمهم بهذا المصطلح هو “دانييل جولمان” والذي عرَّف الذكاء العاطفي بأنَّه قدرة الشخص على معرفة عواطفه معرفةً تامَّة، وقدرته أيضاً على معرفة عواطف الآخرين، بحيث يستطيع هذا الشخص التعامل مع نفسه أولاً ومع الآخرين عن طريق التنقل بين عواطفه هذه والتعبير عن انفعالاته بما بتناسب مع الموقف والحالة التي يتواجد فيها وتُفرض عليه.

وخلاصة القول: الذكاء العاطفي هو عبارة عن قدرة الشخص على فرز عواطفه ومشاعره الذاتية، واستخدامها بشكل جيد بما يفيد مصالحه، ويهيئ له فرص النجاح في حياته، وبالإمكان تعريفه أيضاً على أنه قدرة الشخص في التعرف على شعوره الشخصي وشعور الآخرين، والهدف وراء ذلك هو تحفيز ذاته، وإدارة مشاعره وعواطفه بشكل سليم عند إنشائه للعلاقات مع الآخرين ممن هم حوله.

المكونات الأساسية للذكاء العاطفي:

قبل الحديث عن الذكاء العاطفي ينبغي علينا الإجابة على السؤال الآتي: ما الذي يتطلبه الأمر لتكون صاحب ذكاء عاطفي؟ لقد اقترح عالم النفس “دانييل جولمان” خمسة مكونات أساسية للذكاء العاطفي وهي الشكل الآتي:

1:الوعي الذاتي: (Self-awareness ):

وهو القدرة على فهم الشخص لمشاعره وعواطفه في لحظة ما، ومن ثمّ استعمال ذلك في اتخاذ القرارت والتصرف، وكذلك فهم الدوافع وتأثيرها على الآخرين من حوله. إذاً الوعي الذاتي هو القدرة على إدراك وفهم العواطف الخاصة بك، وهو مكون أساس وجزء هام من الذكاء العاطفي.

إنه أبعد من مجرد الاعتراف بعواطفك ورصدها وإدراكها، بل أن تكون على بيّنة من تأثيرها على قراراتك ومزاجك، وعواطف الآخرين أيضاً. هؤلاء الأفراد هم الأكثر قدرة على إدراك نقاط القوة الخاصة بهم. يشير جولمان إلى أن الناس الذين لديهم الوعي الذاتي لديهم حس جيد من الفكاهة، واثقون بأنفسهم وقدراتهم، ويدركون كيفية إدراك الآخرين لهم.

2:ضبط الذات:( Self-control ):

هو القدرة على ضبط وتوجيه الانفعالات والمشاعر القوية تجاه الآخرين، و السيطرة على حالتنا النفسية حتى نشعر بأننا في حالة نفسية أفضل. إن ضبط الذات أو( التحكّم الذاتي): هو إضافة إلى كونك على بينة من مشاعرك وتأثيرها على الآخرين، يتطلب الذكاء العاطفي أن تكون قادراً على تنظيم هذه العواطف وإدارتها. هذا لا يعني إخفاء مشاعرك الحقيقية، بل ببساطة انتظار الزمان والمكان المناسبين، ووسيلة التعبير الفضلى عنها.

3:التحفيز: (Motivation ):

إن الدوافع الذاتية تضطلع بدور رئيسي في الذكاء العاطفي. هذه الدوافع أهم من المكافآت الخارجيّة مثل الشهرة والمال. بدلاً من ذلك، يكون لدى أولئك الأشخاص شغف لتلبية حاجاتهم الداخلية الخاصة وأهدافهم. يعملون على مراكمة الخبرات ومتابعة النشاط وتكثيف التجارب. يضعون الأهداف ويكون لديهم حاجة قوية لإنجازها ويبحثون دوماً عن الطرق الفضلى لتنفيذها بما يتوافق مع تحقيق ذاتهم. والمقصود بالتحفيز هنا وبصيغة أخرى هو حب العمل بغض النظر عن الأجور والترقيات والمركز الشخصي.

4:التعاطف:( Empathy ):

هو القدرة على فهم كيف يشعر الآخرون، في غاية الأهمية للذكاء العاطفي. ولكن هذا يتطلب أن تكون قادراً على التعرف على حالات الآخرين العاطفية، وكذلك ردود فعلهم. عند الشعور بأن شخصاً ما حزين أو يائس، مثلاً، فعليك أن تكون متعاوناً معه وأن تعامله بحذر وأن تبذل جهداً لرفع معنوياته.

إذاً التعاطف هو القدرة على تفهم مشاعر وعواطف الأخرين، وكذلك المهارة في التعامل مع الآخرين فيما يخص ردود أفعالهم العاطفية. ولتحقيق التعاطف ينبغي إدراك النقاط التالية:
بقدر ما نكون قادرين على تقبل مشاعرنا وتقبلها نكون قادرين على قراءة مشاعر الآخرين.
عواطف البشر نادراً ما تتجسد في كلمات.
التعاطف هو شعور يمكن تعلمه.

5: المهارة الاجتماعية (Social Skill):

وهي أن تكون قادراً على التفاعل بشكل جيد مع الآخرين هو جانب هام آخر من الذكاء العاطفي. الفهم العاطفي الحقيقي ينطوي على أكثر من مجرد فهم مشاعرك الخاصة ومشاعر الآخرين، بل يحتاج أيضاً إلى أن تكون قادراً على وضع هذه المعلومات للتعامل مع التفاعلات اليومية والتواصل. في الحياة المهنية تساعد هذه المزيَّة على تحسين العلاقة مع الموظفين والمديرين. وتشمل بعض المهارات الاجتماعية الهامة مثل الإصغاء الهادف، ومهارات التواصل اللفظي وغير اللفظي والقيادة، والإقناع…إلخ.

أهمية الذكاء العاطفي:

يلعب الذكاء العاطفي دوراً كبيراً في مساعدة الأفراد على اكتساب المهارات الاجتماعية التي بدورها تمكّنهم من القدرة على التعامل مع المواقف الاجتماعية، ويتضمن هذا النوع من الكفاءة القدرة على الاستجابة بشكل ملائم لمعظم المواقف الطارئة. ووفقاً “لدانييل جولمان” مؤلف كتاب “الذكاء العاطفي”، يرى أن الذكاء العاطفي هو عامل رئيس للنجاح في المدرسة والبيت والعمل.

فعلى مستوى المدرسة، يرى جولمان بأن الأشخاص ذوي الذكاء العاطفي أكثر شعبية ومحبوبون من أصدقائهم، وذوو مهارة اجتماعية عالية، وأقل عدوانية، ويكونون أكثر انتباهاً في مواقف التعلم، لذا يصبحون متعلمين فعّالين. وعلى مستوى البيت، فإن الأشخاص ذوي الذكاء العاطفي يكونون أكثر فعالية في حياتهم الأسرية. أما على مستوى العمل، فالأشخاص ذوو الذكاء العاطفي يعززون عمل الفريق بمساعدة الآخرين في التعلم ليصبح العمل أكثر فاعلية، ويعزز هؤلاء عمل الفريق؛ بسبب قدرة هؤلاء الأشخاص على رؤية الأشياء من وجهة نظر الآخرين ويشجعون التعاون أثناء إنجاز المهمات التعليمية.

ويرى أن عمل الفريق يتطلب تعليم الأشخاص المهارات الاجتماعية؛ إذ غن تعليم الأشخاص المهارات الاجتماعية يؤثر في قدرتهم على تنظيم انفعالاتهم وحل مشكلاتهم بهدوء؛ مما يساعدهم على مواجهة الصعوبات والتوافق مع العوائق المختلفة، وهذا يساعدهم على النمو بشكل سليم ومنه إلى النجاح على المستوى الشخصي والمهني في المستقبل.

إن الذين يستطيعون التحكم بمشاعرهم والسيطرة عليها والتحكم بها، وكذلك ضبط انفعالاتهم وإدارتها بشكل متوازن، ويتقنون فن التواصل المثمر والبناء مع الآخرين، أولئك هم والأشخاص القادرين على إدارة حياتهم وصنع القرار والتحفيز على النجاح والتألق وترك بصمة رائعة في محيطهم الاجتماعي، وهم صناع القرار والعباقرة والمبدعين، إنهم بكل بساطة يمتلكون “ذكاء عاطفي”.

الخاتمة

لقد برز مفهوم الذكاء العاطفي بوصفه مفهوماً هاماً وضرورياً ــــ برأي الكثير من علماء النفس المعاصرين ــــ إذ إنه يعمل على إدارة الانفعالات وضبط العواطف والتحكم بالوجدان والرشد والتوازن في التعامل معها، فهو من أهم طرق الاتصال والتواصل بين الإنسان ونفسه وبينه وبين الآخرين ومن أبرز طرق التعامل مع محيطنا الاجتماعي.

إذ إننا من خلال “الذكاء العاطفي” نستطيع أن نتواصل مع الآخرين بشكل إيجابي وفعَّال ومثمر لأنه يساعدنا على إدارة انفعالاتنا ويجعلنا نحقق التوازن الانفعالي ويقودنا لتحقيق النضج الانفعالي الأمر الذي يجعلنا نعيش حياة هادئة ومستقرة وممتعة في آن معاً.


المراجع:

  1. Mayer, J., & Salovey, P. (1990). Perceiving Affective Content in Ambiguous Visual Stimuli: Acomponent of Emotional Intelligence. Journal of PersonalityAssessment, 54, (4), 772-781.
  2.  جولمان، دانييل .( 2000م ). ذكاء المشاعر، ترجمة: هشام الحناوي، هلا للنشر والتوزيع ، القاهرة، ص 58 .
  3.  أبوسعد، مصطفى .(2005م). الذكاء الوجداني. دبي: مركز النخبة، ص2.

فيديو مقال الذكاء العاطفي من التوازن إلى النضج الانفعالي

أضف تعليقك هنا

د. زياد عبد الكريم النجم

زياد عبد الكريم النجم