الكتّاب والتغذية اللغوية

أبو الأسود الدؤلي وابنته

يقال أن ابنة أبي الأسود الدؤلي جاءت إلى والدها في ليلة قمراء صافية تقول: ما أجملُ السماء يا أبت. برفع حرف اللام في (أجمل) فقال لها: نجومها المتلألئة أو قمرها المنير. قالت: ما أردت أن أسأل عن شيءٍ جميل فيها. ولكني أردت التعجب من صفاء السماء، فقال أبو الأسود الدؤلي لابنته: إذا أردتِ أن تتعجبي فافتحي فاك، وقولي. (ما أجملَ) بفتح حرف اللام.

هذه القصة رُويت عن الرعيل الأول صحيحي اللفظ والمنطق، البعيدين كل البعد عن اللحن اللغوي، وعن كيفية اختلاف المعنى اختلافا جذريا بسبب علامة إعراب حولت الجملة مدار النقاش من استفهام إلى تعجب.

إن ساحتنا الأدبية الثقافية في العالم العربي مليئة بكتّاب وكاتبات ومثقفين ومثقفات لا يُشق لهم غبار في حلاوة اللفظ وجمال العبارة واتساع الأفق والنظرة الإبداعية، بل إن بعضهم لتنتظر بلهفة وشوق كتاباته ومقالاته حتى تخوض بعقلك في بحرٍ عميق من الجزالة والإبداع. كل هذا جميلٌ وحسن، لكن كما يقال: ( الحلو ما يكمل ) حيث يُعاب على ما نقرأه حينها خللٌ لغوي في الإعراب يغير المعنى -كما في القصة أعلاه- أو خطأ إملائي يشوه تلك التحفة الفنية.

تجربة مدقق لغوي

يَحكي لي أحد المختصين باللغة العربية أنه قد عمل في فترة كمدقق لغوي في جهة نشر أخبار يومية، فأحزنه ما كان يراه من المحررين من عدم اهتمامٍ ببديهيات الحرف العربي، ومن تجاهل لأبسط قواعد اللغة من إملاء وعلامات إعرابية تغير المعنى وتُحيله إلى نسق مغاير.

بل الأدهى من ذلك ماكان يعانيه عند محاولة التصحيح والتعديل، حيث يُعتبر الأمر وكأنه تهويل لما لا يستحق، وتصيد للخطأ وعدم اكتراثٍ لأهمية الموضوع المكتوب.

الكتابة الفنية ليست بالشيء الهين، فهي عصارة الذهن والتجارب في الفكرة، ولا ينبغي نشرها للقراءة حتى تمر بمرحلة الغربلة النقدية الذاتية والتدقيق والفحص، كل ذلك للتأكد من وصولها للقارئ وهي في أبهى حلة وأكمل زينة.

جمال طرحك عزيزي الكاتب منبعهُ وأساسهُ، هو الوصول إلى عقل القارئ بسهولة ومخاطبته بيسر، وبتقويم قواعد اللغة وتجويدها.

فيديو مقال الكتّاب والتغذية اللغوية

أضف تعليقك هنا