تاريخ علم الآثار المصرية القديمة فى مصر

قِدم الاهتمام بالآثار المصرية

لقد قُدر للآثار المصرية القديمة بعظمتها وكبريائها أن تكون من أهم مصادر الإلهام للكثيرين من المهتمين والرحالة الأقدمين، خصوصا فى القرون الوسطى، والذين اخذوا على عاتقهم محاولة كشف أسرار الحضارة والآثار المصرية القديمة، وسرد تاريخ مصر القديمة فى مؤلفاتهم التي تناولت وصفا مفصلا للآثار المصرية.

ومع حلول النصف الثانى من القرن الخامس عشر، بدأت فكرة الاهتمام بالآثار المصرية فى ازدياد مستمر، خصوصا فى أوروبا وهو الأمر الذى عَجل بالباحثين الأوروبيين إلى القيام برحلات استكشافية فى مصر بغرض اكتشاف كنوز الآثار المصرية وفهم طبيعتها وتقديم وصف متكامل لها، ومعالجة الأخطاء التي وقع فيها الرحالة الأقدمين.

وقد قدر للكثير منهم النجاح فى مهمته على اكمل وجه، ومن ثم فإننا لا يمكن أن ننسى فضل هؤلاء الباحثين الاوربيين تجاه ما قدموه للآثار المصرية فى ذلك الوقت، مما نتج عنه الحفاظ على معلومات اثرية غاية في الاهمية استمرت موجودة جيلا بعد جيل.

ولقد كان بلا شك لهذه الإسهامات العلمية أثرها البالغ فى تطوير علم الآثار المصرية، وتحويل مساره من مجرد كلمات مكتوبة على لفائف البردي نلملمها من هنا وهناك إلى علم قائم بذاته، والذي أصبح فى فترة وجيزة واحدا من أهم العلوم الإنسانية على الإطلاق.

نقطة التحول تاريخ علم الآثار المصرية

يعتبر عام 1822 نقطة تحول كبيرة في تاريخ علم الآثار المصرية، وهي الفترة التي عاصرت حملة نابليون إلى مصر واكتشاف حجر رشيد، وفك رموز الكتابة الهيروغليفية، مما أدى بطبيعة الحال إلى التعرف على الكثير من أسرار الآثار والحضارة المصرية القديمة، ويرجع الفضل فى ذلك إلى عالم الآثار الفرنسي جان فرنسوا شامبليون الذى استطاع أن يفك رموز حجر رشيد، ويكشف للعالم بأسره كثيرا من خفايا الحضارة المصرية القديمة.

وما أن بلغ هذا الحدث التاريخي الكبير مسامع المهتمين بالآثار المصرية، وعلماء المصريات في أوروبا حتى انهالت البعثات الاستكشافية الأوربية على مصر من كل حدب وصوب، بغرض البحث والتنقيب ومحاولة الكشف عن كنوز الآثار المصرية المدفونة فى أرض الكنانة.

البعثة الفرنسية برئاسة شامبليون

تعتبر البعثة الفرنسية الاستكشافية التي كان يترأسها جان فرنسوا شامبليون من أقدم البعثات الاستكشافية التي حضرت إلى مصر، وقد حصلت على تصريح للعمل فى مصر بهدف البحث والتنقيب عن الآثار المصرية، وقد استطاع شامبليون الحصول على تصريح من محمد علي باشا والى مصر، وقد أسهم العلماء الفرنسيون فى نشر وتأليف ستة مجلدات كبيرة تحت عنوان “وصف مصر”، والتى تناولوا فيها أغلب الآثار القائمة، وسجلوا عنها ملاحظاتهم العلمية، وتعتبر هذه المؤلفات من أهم المؤلفات العلمية الفرنسية ذات القيمة، والتى تمثل شاهد عيان على حال الآثار المصرية فى تلك الفترة.

وبعد عدة سنوات واصلت البعثة الفرنسية علمها فى مصر تحت إشراف عالم الآثار أوجست مارييت، والذى أصبح فيما بعد مديرا لمصلحة الآثار المصرية التى كان مقرها فى المتحف المصري ببولاق، قبل ان يتم نقله عام 1902 إلى متحف القاهرة الوطني فى وسط المدينة.

ولقد كانت الفترة التى عمل فيها اوجست مارييت كمسؤول عن الآثار المصرية، من أزهى الفترات التي عاشتها الآثار المصرية، فقد شهدت تلك الفترة قيام مارييت بعمل اكتشافات أثرية غاية في الأهمية فى عدة مناطق متفرقة في مصر، ولعل من أهمها مدينة الأقصر، حيث أسفرت أعمال الحفائر والتنقيب الأثري فى الأقصر عن اكتشاف مئات الآلاف من القطع الأثرية الرائعة.

التي تقرر نقل عدد كبير منها لاحقا إلى القاهرة عبر نهر النيل؛ لكي تحفظ بين جدران المتحف المصرى بالقاهرة، وعلاوة على ذلك فقد أسهم ايضا مارييت في إعادة تنظيم الىثار المصرية، وتصنيفها وتسجيلها وتأريخها، كلما أمكن ذلك وتأليف كتالوجات المتحف المصري والتى تعتبر من أهم المراجع والمؤلفات العلمية التى يعتمد عليها الباحثون فى دراسة الآثار المصرية حتى يومنا هذا.

أهم الاكتشافات الأثرية على الإطلاق

ومع حلول عام 1922 وبعد مرور اكثر من مائة عام على حضور أول بعثة أجنبية للكشف عن الآثار المصرية القديمة، وما أعقبها من الاكتشافات الأثرية الاخرى، قدر لمصر أن تشهد واحدة من أهم الاكتشافات الأثرية الكبرى في تاريخها على الإطلاق، وهو اكتشاف مقبرة الملك الفرعون الصغير، الملك الذهبى توت عنخ امون وأبرز ما كان يميز هذا الاكتشاف هو العثور على مقبرته كاملة دون تعرضها لنبش أو سرقة اللصوص.

وذلك على يد عالم الآثار الإنجليزى هوارد كارتر، وقد اعتبر هذا الاكتشاف المذهل نقلة كبيرة لعلم الآثار المصرية ولمصر بشكل عام، حيث أصبح العالم أجمع ينظر إلى مصر نظرة مختلفة وبشغف شديد، ليس فقط من أجل الحفر والتنقيب عن آثارها المدفونة تحت الأرض وإنما لرؤية الآثار المصرية الرائعة، والتى أخذت حظا لكي تعرض فى متحفها القومى بالقاهرة، والتى كان من ضمنها مجموعة الملك توت عنخ امون، حيث أصبحت مصدرا لجذب الكثير من المهتمين بعلم الآثار المصرية.

إن هذا الاكتشاف المذهل كان له بصمة كبيرة على الآثار المصرية، ليس فقط فى أوروبا وإنما فى العالم أجمع فقد بدء الاهتمام بدراسة علم المصريات، حيث تقرر إنشاء عدد كبير من المعاهد العلمية المتخصصة فى دراسة الآثار المصرية فى مصر وفي أوربا وأمريكا، كما أدى هذا الأمر إلى تشييد العديد من المتاحف الأوربية بغرض حفظ الآثار المصرية المهربة والمسروقة مما يدل على مدى تأثير الاكتشافات الأثرية في مصر على التوجه الفكري الأوروبي فيما يخص الآثار المصرية وعلم المصريات بشكل خاص.

اهتمام الدولة بعلم الآثار والتراث المصري القديم

ومؤخرا بدأت الدولة المصرية بالاهتمام بعلم الآثار والتراث المصري القديم باعتباره واحدا من أهم الموارد الأساسية التى يمكن الاعتماد عليها. فمنذ قيام حكومة يوليو عام 1952 تقرر تأميم مصلحة الآثار المصرية ونقل إدارتها من الفرنسيين إلى المصريين، وكان الدكتور مصطفى عامر هو أول أثري مصري يشغل منصب مدير مصلحة الآثار والثرات والإرشاد القومى.

وفى عام 1960 تحول اسمهما من مصلحة الآثار المصرية إلى هيئة الآثار المصرية، ونقل تبعيتها إلى وزارة الثقافة المصرية، ثم تغير اسهما مرة أخرى عام 1994 بموجب قرار جمهوري من هيئة الآثار المصرية إلى المجلس الأعلى للآثار، وعين الدكتور عبد الحليم نور الدين أستاذ الآثار المصرية بجامعة القاهرة فى منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار ليكون أول من يشغل هذا المنصب.

ويعتبر الدكتور زاهي حواس عالم الآثار المصرية، من أشهر علماء المصريات الذين شغلو هذا المنصب حيث تعين فى هذا المنصب منذ عام 2002 وحتى عام 2010، وبعد ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011 تقرر فصل المجلس الأعلى للآثار عن وزارة الثقافة واعتبارها حقيبة وزارية منفردة تحت مسمى وزارة الآثار.

وحاليا تعكف وزارة الآثار المصرية على الاهتمام بتسجيل الآثار المصرية كافة تسجيلا علميا، يتناسب مع المعايير الدولية الجديدة فيما يتعلق بطرق تسجيل الآثار، كما تتنبى العديد من المشروعات الأثرية الأخرى، والتي يأتي على رأسها تشييد المتحف المصري الكبير والذي سوف يحتضن لأول مرة ما يقرب من 50 ألف قطعة أثرية، كما تقرر عرض مجموعة الملك توت عنخ امون كاملة لأول مرة ليشهد العالم أجمع على عظمة الحضارة المصرية والاستمتاع بسحرها الذى لا ينضب أبدا.

فيديو مقال تاريخ علم الآثار المصرية القديمة فى مصر

أضف تعليقك هنا