ذاك الفتى

ذاك الفتى – #قصة

المقال بقلم: حياة

وُلِدَ عام ٢٠١٥م، كانت أمه تهتم به وبسلامة صحته إلى الحد الذي لا أظن أن أُمًا قد أدركته، ومِن أوجُه هذا الاهتمام أنها كانت تُتابِع بِصفة مُستمِرّة مع العديد مِن الأطِباء، والجدير بالذِكر أن كُل الأطِباء الذين كانت تذهب إليهم هُم ذَوو شُهرة مُزيفة فيُقال على كُلٍ مِنهم أنهُ الرائد في مجاله، وأفضل طبيب للأطفال والآخر أفضل طبيب دم … إلىَ آخِره. كانت كُلما ذهبت به إلى الطبيب وصف لها الدواء رغم أنه إعياء بسيط لا يُعد داءٌ فلا يستدعي دواءً.

بداية مرض الطفل وإهمال الطبيب

كأن الأطِباء أصبحوا تُجارًا أو ما إلى ذلك، أو رُبما يعملون بجهل فليس العلم بشهادة الامتياز المُعلقة على حائط العيادة، ولا ينتهِ بانتهاء الدراسة الأكاديمية، ما كان لأي طبيب ألا يُغادِره مريض إلا وقد وصف له دواءً ورُبما هو ليس مريضًا بالفعل، كما أن ليس كُل التداوي بالعقاقير الكيميائية حتى أصبحت المُضادات الحيوية والفيتامينات، وأمثالها مِن الأدوية التي لا تؤخذ لمرضٍ بعينه شيئا شبه أساسي في حياتنا كالطعام.

بعد عامٍ ونصف مِن ولادة الفتى في عام ٢٠١٧م. مَرِض بشكل بدائي إذ ذهبت به إلى الطبيب فقال لأمه كَالعادة: “لا تقلقي أبدا، بعض البرد فقط، سيكون بخير عندما يأخذ المُضاد الحيوي هذا إن شاء الله”. ولكِنه في الواقِع لَم يكُن كذلك بل كان بدايًة لِمرض فشل النُخاع، بعد مرور عِدّة أيامٍ تقِلُ عن أسبوع ازدادت حالته سوءًا، ونزف دمًا من أنفه وأذنيه، فعادت به الأم إلى الطبيب، فقال لها: “رُبما يتعلق الأمرُ بالغُدّة”.

بعد التحاليل والاستمرار بأخذ الدواء تدهورت حالته كثيرًا، حتى بدأ يتقيأ دمًا، ولا يأكُل ولا يستطيع بذل أي مجهود. فلا يستطيع المشي عشرة أمتار ولا صعود الدرج، أصبح مُنهكًا دائمًا، يريد أن يلعب، ولا يقوى كثيرًا على اللعِب، فذهبت به أمه إلى طبيبٍ آخر وآخر وآخرين، ولا يغنوها بأي نفع.

البحث عن علاج للطفل في العاصمة

سافرت به للعاصمة، وظلت تذهب من طبيبٍ لآخر، ومن مشفى لآخر حتى قالت لها إحدى الطبيبات: “من هو الدكتور الحمار الذي كان يتابِع حالته؟! كمية الأدوية والمضادات الحيوية التي  أخذها ابنك كفيلة بقتل شاب في كامل صحته. واكتشفوا مرضه، وبدؤوا في محاولة علاجه اليائسة، حيث قالت لها الطبيبة مرّة أخرى: “حالته متأخرة جدًا المرض ليس وراثيا ولا الطفل مولود به وليس هناك توافُق، كان من الممكن أن يعالج إذا بدأ العلاج من بداية ظهور الأعراض (لما نزف أول مرّة)”.

بدأت حالته في التدهور أكثر فأكثر، وتقِل فرص علاجه مع تأخر حالته، حتى باتت المشافي لا تقبله لتقول لأمه: “يا سيدة أنتِ تحضرين شخصا ميتا بالفعل لن نقدر على تحمل مسؤوليته”. تعب الفتى حتى تمنت له أمه الموت، وهي تبكي، وينفطر فؤادها ألمًا على فلذة كبدها، فلا تستطيع أن تحول بينه وبين ألمه، ولا تستطيع أن تجعله يبتسم بعدما كان دائم الضحك.

فقدان الأمل

شعورها عندما كانت تقول له: (سيخف مرضك وسنخرج ونروح لبيت الجدة)، فينظر لها في حزنٍ لوجوده في المشفى لوقت طويل ويقول لها: (لا. غطيني أنا لن أخرج من هنا)، الكثير من العناء صعب الوصف لِكليهُما، النفسي والصحي والمادي وكل شيء.

كم أسر ذاك الفتى قلبَ كُل مَن رآه، مات الفتى منذُ شهر. ولك أن تتخيل أيُها القارئ أن كُل هذا بسبب الطبيب الذي قال لها في بادئ الأمر: (هذا مجرد برد فلا تقلقي)، فما الذي كان سيضره لو قال لا أعلم؟ لقد سَوّفتُ كثيرا في كتابة هذا المقالِ كسلًا حتى نُصِحتُ بتلك النصيحة، ما الذي كان سيضر ذاك الطبيب لو قال لا أعلم وَوَسّدَ الأمرَ لِأهلِه؟.

ما كان لعمر الفتى أن يطول، لكن كان له ألا يكون هوَ السبب. كم سُبَّ وَلُعِن، وكم حُمِّل ذنبه، وكم دُعيَ عليه، وكم تلعنه القلوب كُل يوم ومَن مثله. أوَصَلَتكُم غاية المقال؟

كن على قدر المسؤولية

ما أعظم مهنة الطب غاية وأشرفها مما لا يقلل مِن أهمية الوظائف الأُخرى، مثل تلك القصة كثير وكذا الهندسة والتدريس وحتى عامِل النظافة رجاءً إن الحياة ليست صِرَاعًا فإن لَم تُحسِن مجالك اذهب لما تُحسِن واعمل به، كُن على يقين أنك لن تُعاني بفشلك مُنفرِدًا، ونجاحك ليس بتحصيلك لِكُلية القِمة أو تحصيل القِمة في كُليةِ القاع، فَالقِمة بتحصيلك العلم الصحيح وعملك به (العلم في الرأس ليس في الكُراس) ماذا ستجني أمام الله بالمعطف الأبيض ومسطرة حرف T وألقابك مهما كَثُرت وراتبك المادي مهما كَبُر، لن يُغنيك أمام الله، وحتى الناس في شيءٍ. لا توجد وظيفةٌ هامة ووظيفة غير هامة، حياتنا تتكامل وإن لم تَكُن كذلك لَمَا خُلِق المُعلِم، وخُلِق الطبيبُ طبيبًا مُباشرًة، إن الله يُحِبُ إذا عَمِل أحدكُم عملًا أن يُتقِنه والسلام لكم وعليكُم وتبًا لِمَن لا يتقِ الله، حسبُنا الله ونعم الوكيل.

المقال بقلم: حياة

أضف تعليقك هنا