صاحب الأحلام الوردية

الزحام المخيف

كدت أختنق لولا إطلالة رأسي من بين حشودٍ كانت تطبق على بدني، تُصرَّ في مغالاتها. خشيتي من الزحام لا أعرف لها تاريخًا، ولم أهتم لمغرفة ذلك. حينها، يتملكني قلقٌ أخرق وخوفٌ أحمق. في وجوه الناس، من حولي، ألم، وفي عيونهم دمع رطب يسيل. عن يميني، مباشرة، يلتصق بي، رجل تفوح منه روائح ريفٍ قديم، ومن أمامي شاب بلا ملامح، وآخر من خلفي، ساكن كالأموات. عن يساري، شبحٌ يمثل كلَّ موظفي كوكب الأرض، لا يمكن لمن يراه إلا أن ينعته بالموظف. هو، أيضًا، يبكي بحرقة.

ما يظهر من قصر الملك سُورهُ فقط، سورٌ أصفر، يمتد حتى الزوال. من بوابته الكبيرة السوداء، ستخرج بعد قليل، سيارة سوداء، سيارة كتلك التي اعتدنا أن نراه فيها، سيخرج موكبه، وستحيط به صفوف الدراجات النارية السوداء التي أحببناها، كما أحببناه.

السيارة السوداء

سبتمبر الأسود، سيارة الرئاسة السوداء، لافتات سوداء، دموع ونحيب وبكاء، وها نحن منذ الفجر نرقب بوابة القصر السوداء لنراه للمرة الأخيرة، لنرى مجرد نعشٍ يغطيه علم الجمهورية، وفيه يرقد كما لم نتخيل أن نراه راقدًا.

من أمام قصر القبة، بدأت سيارته في الزحف المستميت، لا يمنع عنها الحشود حراسٌ ولا دراجات نارية. غطت الأبدان البشرية كل شبر على مدى عشرات الكيلومترات، ثم بدأ الغناء، لم نعرف أبدًا من بدأه، لم نعرف من اخترع كلماته، إلا أننا غنينا معًا، بصوت واحد مهشم: «الوداع، الوداع، يا حبيب الملايين».

مليون كف، أرادت أن تلمس نعشه، مليون شفة ودت لو قبَّلته، تسلقت الأطفال عواميد الكهرباء، وأطلت النساء من شرفات المباني ونوافذها، أغلقت الحوانيت، وماتت القاهرة إلا من قلب واحد مكسور، ينبض بحزن شعب لم ينس بعد هزيمة البارحة وموت صاحبها. قلب يتساءل إن كان بكاؤه لفراق أم ليقين بأن صاحب الأحلام الوردية قد غاب بأحلامه بلا عودة، مخلفًا واقعًا لا يشبه أحلامه في شيء.

 

أضف تعليقك هنا