فيلم “الإهانة” واحتكار المعاناة

رُشح لي ذلك الفيلم من أحد أصدقائي مُحبي أفلام الدراما الواقعية، وإذ بي أفاجأ بأن الفيلم لبناني على الرغم من أن صديقي لا يجدُ متعةً في كلِ ما هو عربي خاصةً إذا تعلقَ الأمر بالسينما والفن!

فيلم “الإهانة”

ولكن كان هذا الفيلم استثناءً فريدًا للغاية، إنه ليس فيلمًا بسيطًا تشاهده وأنت تستمتع بالمقبلات والفشار، فهو فيلم مشحونٌ جدًا بالكثير من التفاصيل والرسالات، ولعل تلك الشحنة العنيفة من الإنسانية والألم المُفرط هي ما جعلتني أكتب تلكم الكلمات. وجعلتني أسأل، هل للإنسان حق في الاستعلاء بألمه؟ والتسفيه والتندر من آلام غيره؟ هل مواقفنا ونهج تعاملنا مع الغير مبني على الحدث الذي يجمعنا أم أننا نقع ضحايا كل الأحكام والأحداث التي مررنا بها أو تلك التي نتوقعها؟

موضوع الفيلم

فيلم “الإهانة” أو “القضية رقم 23” هو فيلم لبناني فرنسي للمخرج “زياد دويري”، يعرضُ الفيلم مشاجرة بين شاب مسيحي يُدعي “طوني” وبين عامل فلسطيني اسمه “ياسر” ، و على الرغم من أن الإهانة في بدءها كانت كلاميةً بلفظٍ منتشر قد قيل في حدث معين إثر فعلٍ معين، إلا أن الأمور لا تستمر بهذه البساطة، بل يدخل الفيلم في تعقيدات جمّة تحت خلفيات تاريخية وسياسية واجتماعية للطرفين..

عمق الفكرة

لست هنا بصدد الحديث عن جودة الفيلم أو قصته أو إتقان الممثلين لدورهم، ولكنّي هنا أتحدث عن عُمق الفكرة في محاولةٍ لاستشفاف المعنى المراد والرسالة المقصودة. إن العيش في وطن تعرض لحرب أهلية ومجازر عدة ووجود لاجئين قد مروا بظروف لا تختلف كثيرًا عن ذلك واشتباك واحد من كلا الطرفين بهذه الخلفيات، يضاعف الإهانة أضعاف أضعافها وبدل أن يكون الحكم بين الطرفين على أساس المهين والمهان في الحدث الجامع بينهما، يصبح الحكم على أساس أي الطرفين أكثر ألمًا وبؤسًا ومعاناة!

اتقان الممثلين للعمل

ولكن اشتباكات الفيلم وتعقيداته لا تتوقف عن القضايا المطروحة والنظرات المتبادلة، فكلا الطرفين قد يكونا متشابهين في الخلفيات والمآسي على اختلاف مسمياتها ولكن مردودها ثابت، حتى أفكارهم اليومية تتلاقى، كل من “طوني” و”ياسر” اتفقا على أن جهازًا “ألماني مستعمل أحسن من صيني جديد!”، كلاهما كان متقن في عمله أيما إتقان، وكلاهما أراد الشعور بالعزة والكرامة، ولكن كل ذلك لا يظهر بما يكفي لأن الحرب التي في عقول الناس ما زالت مستمرة على الرغم من انتهاء الحرب الفعلية، ولا مجال في الحرب إلا للكراهية، والكراهية تمنع رؤية كل ماهو مشترك..

خاتمة

إن المفاضلة بين الآم واحتكار المعاناة ورحلة البحث عن أينا أكثر ألمًا، يمنع الأفراد والمجتمعات من رؤية الجانب الإنساني للآخر ويهدد ثقافة الاعتذار والمسامحة فكما قال المحامي في الجلسة الأخيرة ” ما حدا بيحق له يحتكر المعاناة”، لأن من بداية احتكارها سنرى كل مآسي الغير تمثيلية سخيفة وآلامًا متوهمة، حتى نظن أن آلامنا وحدها هي التي تؤلم، وحدها هي التي تستحق أن نشعر بها وفقط هي ما يجب أن يعترف بها الجميع!

فيديو مقال فيلم “الإهانة” واحتكار المعاناة

أضف تعليقك هنا