كيف تحايلنا على كتاب الله؟

ضاقت معرفتنا بكتاب الله كثيراً حتى أننا لم نعد نعرف من آياته إلا المتداول منها، اقتصر علمنا بما يحتوى على ما كان فيه خير ومنفعة لحظية فقط، رغم أن فيه الخير والمنفعة كلها، إلا أننا لا ندرك ذلك ولم نلمس أنوار كتاب الله بقلوبنا بعد. إذن فمتى سندركه؟.

استخدام آيات من القرآن لترجيح الرأي في المواقف المختلفة

الحاكم تجاه الشعب

اقتضى الموقف أن تستخدم آية من الكتاب لتعلي بها من شأنك وترجح كفتك في الموقف الراهن، فترى الحاكم إذا أراد أن يطوع شعبه ويرغمه على الرضى بظلمه وطغيانه يتلو عليهم: ” يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم “، فاستخدم من آيات الله الجزء الذي يرجح كفته، ويأتي في صالحه. اقتطع جزءا ورمى باقي الآيات بعرض الحائط.

لمَ لا؟ و هو لا يكترث إلا بما يضيف له، ويؤيد ما هو بصدد فعله فقط، فتناسى قول الله: “إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل”، أغمض عينيه عن تلك الآية وما يشابهها من الآيات حتى يرضي هواه، فيقرب من العلماء من يداهنه ويفرش له أرض فساده بالورود وكله بما يرضي الله كما يزعمون هم ذلك.

لقد جهل هؤلاء أن الله اسمه العدل: “إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون”. إنه فقط حب السلطة والجاه ما يزين للمرء البغي والطغيان، بل والأدهى من ذلك أن يأمر شعبه باتباع مدلول الآية التي لا يحفظ سواها.

الرجل أمام زوجته

ثم نرى الرجل إذا أراد أن يرجح كفته أمام زوجته الأولى، وأراد أن يضيف واحدة أخرى يتلو عليها الآية التي يحفظها كل رجل عن ظهر قلب: ” فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع”. ينتظر منها أن تتفوه بكلمة حتى يرمقها بنظرة كأنها ارتدت للتو عن دينها. كيف لها أن تعارض ما أنزله الله، وتخشى أن يضيع حقها ونصيبها من زوجها، لكنه نسي أو تناسى قوله تعالى في السورة نفسها  بل في الآية نفسها: “فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة”. ثم يتم الله حديثه في آية أخرى بالقول الفصل: “ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم”.

لذا كان من الأولى على الزوج أن يرى الأمر بصورته الكاملة، لا أن يجتزئ ما يهوى ويُعرض عن البقية. العدل بين الزوجات لن يتم ولو حرص، ووضع الأمر نصب عينيه، وحاول بكل ما يستطيع أن يعدل بين الموازين، لكنها أبداً لن تتساوى، ودائماً سترجح كفة إحداهما على الأخرى. لذا وجب التريث ودراسة الأمر بمنتهى الحرص قبل الإقدام على تلك الخطوة التي تترك دائما وبكل تأكيد الأثر الجارح في نفس الزوجة الأولى.

الفتيات قبل الزواج

و من زاوية أخرى تجد الفتاة التي أرادت الزواج تستخدم بدورها آية تحفظها كاسمها، وتلقي بها في وجه كل من يريد الزواج بها: “وليس البر أن تأتوا البيوت من ظهورها، ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون”. جميل تمسكها بكتاب الله، ومن الرائع التزامها بمضمون الآية الكريمة، ولكن من المحزن أن لا تجد في مخزون آياتها إلا تلك الآية. اجتزأت من الصورة واجباتها، وأبقت على حق من حقوقها فقط، فتجدها غير ملتزمة بالزي الذي أراده الله لها ليحفظها، ويصونها، ولا تكترث كثيراً للآية التي تقول: “و قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن”.

نعم لا تسمعها تتلو عليك تلك الآية أبداً. ربما لأنها طويلة بما يكفي لعدم حفظها، أو لأنها ليست على هواها لاعتقادها أن الزي الذي تنص عليه الآية سيخفي كثيراً من جمالها وزينتها بين الناس، وهو ما لا يرضيها، وربما سيشعرها بعدم الثقة بالنفس بين زميلاتها اللاتي يتباهين بجمالهن وقوامهن الممشوق الظاهر لكل من أراد تفحصه. لم تتفكر للحظة في السبب وراء الأمر الإلهي بالحشمة وإخفاء الزينة: “يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين، وكان الله غفوراً رحيماً “.

إنه الله الذي يخشى على عبده، ويحبه بما يفوق حب الأم لرضيعها يريد الله لها أن لا تؤذى ولو بنظرة خاطفة تدرك زينتها. إنه الله الذي يريد أن يصونها، وألا تكون زينتها مباحة لكل من أراد اختلاس النظر. ألا يكون الوصول إليها بتلك السهولة التي أقرتها لنفسها، لأنها ليست قطعة الحلوى المكشوفة. تلك التي بها تتشبه إنما هي البحر في أحشائه الدر كامن، ظاهره البساطة والسكون وفي باطنه الجمال الإلهي وروعة الملكوت.

الزوجة في حوارها مع الزوج

و في بيت المرأة المتزوجة تتخذ هي الأخرى نصيبها من الاجتزاء والتحيز في اختيار الآيات، فعندما تغضب على زوجها، وتسخط من معاملته لها تتلو عليه قوله تعالى: “وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً “. إلى هنا معها كل الحق وتمامه. فالواجب يقتضي على الزوج أن يعامل زوجته بالحسنى واللين وبالمودة والرحمة كما أمرنا الرسول: “ألا و استوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم”.

والاستوصاء بالنساء يأتي في المعاملة التي يرضى عنها الله. المعاملة بالشكل الإنساني وبالرقي الذي أمر به الدين الذي جاء به رسولنا الكريم، ففي سيرته صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن حق المرأة على الزوج، فقال: “تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبِّح ولا تهجر إلا في البيت”.

الله أمر بالعدل والإيمان بالكتاب كله

إن من غير المعقول أن نلتزم بالمطالبة بالحقوق، ونتناسى أمر الواجبات. أن تحفظي من القرآن والحديث ما يضمن لكِ حقوقك، وتغفلي عما يلزمك بالواجبات، هو ظلم وجور بيِّن على حقوق زوجك. ليس من العدل أن نأخذ، ونمد أيدينا وقت الحاجة ثم ندلي بجفوننا عمداً  عندما يأتي علينا الدور بالسداد ورد حاجة الآخر. لذا فمن أحاديث النبي ما أقر بالحق العظيم التي تدين به الزوجة لزوجها، فقال صلى الله عليه و سلم: “لو كنت آمراً أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها”.

وتلك كانت شهادة كبيرة وإقرار بأهمية طاعة الزوجة لشريكها مادامت الطاعة في إطار ما يرضى عنه الله و رسوله. وفي غير ذلك الكثير والكثير من المواقف التي اتسم أصحابها بالتحيز وعدم الالتزام الكامل بكل ما نص عليه الدين. الكل يطمح في الأخذ فقط لا العطاء، فترى الكل يحفظ من الدين ما ينص على حقه، وما يأتي في مصلحته، ويرجح كفته دون الأخذ في الاعتبار بغير ذلك. “أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟ “.

فيديو مقال كيف تحايلنا على كتاب الله؟

أضف تعليقك هنا