ماضٍ برفقة ماض – #تربية

بســـــــــــــــــــــــــــــم الله

 (شَذراتٌ على هامشِ التربية)

في مجتمع ينتشر فيه الجهل بالتربية والفقر بالتعليم، ويخرج فيه جيل مخنث الفكر في أمسّ الحاجة إلى التقويم، كان لزاماً أن ننظر بعين الاعتبار إلى أسباب ذلك بحثاً وتدقيقاً لنجد المخرج لنا والخلاص من ذلك الهوان والضعف الذي وقعنا أو خطط لنا أن نقع فيه، ومعلوم أن إحدى أسباب سقوط الأمم فساد الأسرة. فأنّوه في المقال على خللٍ في التربية نتج عن خطأ المربّي فصارت تربيته إماتة للقائد لا صنعاً له، فأنا أذكر بعض ما يحدث -على سبيل المثال لا الحصر- معقِّباً عليه.

أقولُ: إنّ من أسوأ ما قد يجد المرء في تربيته أن يقوم أهلهُ بتسفيهِ رأيه وإماتة فكره، يقول فلا يسمع، ويحلم فلا يشجع، إذا أراد أن يقول رأيَه في شيءٍ قوبل بالإنكار والزجر، والعتاب والردع وسقطت عليه المصيبة تلو الأخرى إما لعلة وجود من هو أكبر منه، أو ربما كان مرجوحاً فعلاً، أو حتى راجحاً، لكنه لم يوافق هوى غيره فالقاعدة تقول: لابد من احترام الكبير فلا قول فوق قوله، ولا كلام بعد كلامه. وكأنه إلهٌ يمشي على الأرض أو ملكٌ يمشي مطمئناً بين الناس قد عُصم من الخطأ و الزلل.

ومرة بعد مرة يعتاد الولد الإهانة وينمو بداخله حب التبعية والخنوع والذل كي يحفظ ماء وجهه من السب أو الشتم، أو نظرة حادة من أحدهم إثر ذكره وجهة نظره في أمر من الأمور وإن كان خاصا به، أو حتى مزاحا بالإهانة بعمد أو بغير عمد.

من أعراض حب التبعية والخنوع عند الولد

  1. أن ينشأ على حب التبعية والخنوع وتعود التذيل (كونه ذيلا)، فلا يفكر في التأثير في غيره فضلا عن تغيير نفسه ويرضى بالدُّون دوماً فأصبحت (الموضة) تسود في مجتمع الشباب بشكل مقزز يشمئز منه ذو عقل أو دين، بل ربما أقابل أناسا كانوا زملائي في الثانوية أو الإعدادية فأجد صعوبة في التعرف عليهم من بشاعة ما قد فعل الواحد منهم بشعره وملابسه فأتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه).
  2.  أنه يستحيل لمن وقع في هذا الوحل أن ينسى، وإن حاول التناسي بل إنه كثيرا ما يبكي إثر موقف من هذه المواقف، ويظل يعاني مدة من عمره من ضعف رأيه، أو عدم اعتباره، أو عدم وجوده أصلا لا لغباء أو نحوه بل لخوفه زمنا من إبداء الرأي، فيتبلد فكره أعواما.
  3. تتكون عنده الكثير من العقد النفسية ودائما ما يكون محبطا كئيبا لسبب وغير سبب.
  4. إذا خرج إلى مجتمع يخالف تقاليده أو تربيته تزعزعت مبادئه سريعا، ولا يستطيع الدفاع عنها، بل يميل إلى اتباع غيره كونه رضي بالتبعية.
  5. لا يستطيع أن يقيم حجة على غيره في أمر من الأمور لو ادّعى صاحبها حجة لا ترقى أن تسمى حجة، بل كلمات واهية لكنه اعتاد التبعية وألفها.
  6. قد يمتلك مفاتيح القيادة وأدواتها وأساليبها، لكنه يغفل عنها أو يتغافل. فمجتمعه الجديد يخالفها، فيرتد عنها لعدم كفاءته في إقامة حجته، أو يسرها في نفسه لتنتظر من يوقظه يوما من غفلته فتخرج.
  7. في أوقات كثيرة لا يحب أن يكتب ما مر به وإن كان محباً للكتابة خوفاً من مواجهة أهله أو أناس يكون الكلام شديدا عليهم وفيهم، وإن كان ذلك مجرد إسرار بينه وبين قلمه، لكنّه ربما يكتب شعوره وردّ فعله بعد موقف غضبٍ – يضحك عليه بعد ليلةٍ أو اثنتين- يخرج فيه طاقة غضبه المشتعلة ناراً، فيسبّ هذا ويشتم ذاك، وكلما تخيل نفسه لو أنهم رأوا كتابته يتراجع، ثم يمضي متردداً، لكنّ المسكين لا يدري أنه قد ماتت نفسه منذ زمن، وإن كانت روحه على قيد الحياة وأنه ليس بعدُ من عوض.
  8. حين يكتب تكون كل كلمةٍ قد خرجت من صميم قلبه فلا فيها تصنعٌ ولا بهرجة، بل يُخرج من جعبته الكثير والكثير مما قد يتعجب منه نفسه، لكنها حقيقة ما بداخله وتكون حياته صراعاً شديداً ليس مع أجنبيٍ، إنما صراعٌ مع النفس والذكريات والماضـــــــــي. فيكون طوال حياته ماضياً برفقةِ ماضيه لا يلوي على شيءٍ إلا التخلص من صراعه مع نفسه وماضيه.

كلمات إلى مربي الجيل وإلى الجيل نفسه 

فإلى مربي ذلك الجيل: كفاك جهلا وغفلة عن تربية صحيحة لأبنائك حتى لا يأتي يوم تتبرأ فيه منهم حين تكون في أمس الحاجة إليهم. وإلى ذلك الجيل أقول: أدرك ما أنت فيه من وهنٍ وتبعية، وتعلم كي تورّث علماً ينفعك اليوم وبعد الممات وتكون ملهِما لمن بعدك فهو والله عمر لك ثانٍ وثباتٌ لقدمك يوم تَزلُّ الأقدام.

فيديو مقال ماضٍ برفقة ماض

أضف تعليقك هنا