متى يعد الكافر كافرا ؟

متى يعد الكافر كافرا ؟

قبل الخوض والتحليل في المسألة لا بد من تبيين أن الإنسان يتم برمجته بالكامل من قبل مجتمعه أو البيئة التي ولد فيها.. سواء فيما يتعلق : بالقناعة.. الدين.. الإيمان.. والأخلاق.. وحتى النظرة للحياة والناس..
فالإنسان منذ ولادته يتم برمجته شيئا فشيئا.. يشرب تلقائيا من المجتمع الذي ولد فيه
فالمتأملون وجدا أن الوعي والعقول تختلف باخلاف البيئات.. وحتى التفكير والمنطق.. وأيضا القيم والأخلاق..

طبع الانسان

فالإنسان : يرفض ويقبل ويستحسن ويستهجن طبقا للثقافة -بمعنى البيئة الجغرافيا-التي تطبع عليها
وأكيد الإنسان يبقى طول عمره مغتبطا بما تبرمج عليه..
فالذي يولد في بيئة مجوسية.. فسيورث تدينه من مجتمعه.. ومع مرور الوقت يصبح- بشعور أو بدون شعور- يبحث عن الحصون والقلاع والسدود والجدران والحجج والبراهين التي تبقيه متمسكا أكثر بدينه ويتمنى الموت عليه.. لأنه بُثّ فيه أنه صاحب الدين الصحيح ومن يخالفه هالك لا محالة.. بل كافرون.. وللحق معاندون..
ولهذا فأغلب الناس مؤمنون بالإيمان فقط..
يعني : تربوا أن يؤمنوا كما يؤمن مجتمعهم.. لذا فهم مؤمنون بإيمان مجتمعهم (وإنا على ءاثارهم مهتدون)

ما ذكرناه يمهد لنا الجواب عن السؤال بتعقل وتفطن بعيدا عن قيل وقال.. !
أصبحنا نعيش هجمة شرسة على ديننا وأصبحوا يصوروننا أننا أمة التكفير والقتل دون مبرر..!
لا يمكننا انكار أن التكفير موجود.. لكنه موجود فقط عند الشيوخ فهم يكفرون حتى بعضهم البعض فما بالك بغير المسلمين.. الذين يجوزون قتل الكفار الذين لا عهد له بدون مبرر.. يعني لو مررت في شارع ولقيت كافرا لا عهد له يحق لك قتله.. !!

أكد القرآن في عدة مواضيع أن لا عذاب بدون إقامة الحجة :

وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا..
فالله عز وجل لا يعذب الكافرين حتى يتبين لهم الحق ويتيقنوا أنه الحق.. لكنهم يجاحدون لدوافع مصلحية أو عاطفية..
ونحن لا نعرف نوايا البشر حتى نكفر.. فقبل أن نكفره علينا معرفة أنه عاند الحق رغم أنه اقتنع أنه الحق.. وهذا من خصائص..
يقول إمامنا الجاحظ رحمه الله :
( إن الله لا يعاقب الكافرين على كفرهم إلا من كان منهم معاندا حقا.. وهو الذي يقتنع بصحة الدعوة ولكنه يؤثر الكفر عليها بدافع من مصلحته الشخصية )
يعني : لكي تكفر شخصا لا بد أن تعرف أنه تيقن أن ما تقوله حق لكنه جاحد بذلك..
تأمل معي :
قال تعالى : (وجحدوا بآياتنا واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا)
قال تعالى : وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى..
فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به..
ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون..
وآيات أخر..
يقول أحمد أمين في كتابه ( ضحى الإسلام ) معلقا على كلام الجاحظ : “إن الإنسان وعقائده ليست إرادية.. بل هي مفروضة عليه فرضا.. وأنها نتيجة حتمية لكيفية تكوين عقله وما يُعرض عليه من الآراء . فمن عُرض عليه دين فلم يستحسنه عقله فهو مضطر إلى عدم الاستحسان . وليس في الإمكان أن يستحسن . وهو إذن ليس مسؤولا عن اعتقاده ، إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها . فمن أصيب بعمى الألوان فرأى الأحمر أسود فلا لوم عليه في ذلك… وكذلك الشأن في المعقولات..”
إننا لسنا وكلاء الله على عباده.. (وما أنت عليهم بوكيل)
الله وحده من يعلم سرائر عباده.. والأنبياء لم يكفروا عباده إلا بعد أن أوحى لهم.. لأن الله وحده هو من يعلم من يجاحد.. ومن غير مقتنع..

إقامة الحجة

تطرق لهذا مجموعة من العلماء بعنوان : إقامة الحجة.. لكن هذا غائب تطبيقيا فقط في الكتب والصفحات ولم ير النور..
ومنهم ﺍﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ الذي يقول :‏( ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ ﻗﺪ ﺩﻻ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻻ ﻳﻌﺬﺏ ﺃﺣﺪﺍً ﺇﻻ ﺑﻌﺪ ﺇﺑﻼﻍ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ، ﻓﻤﻦ ﻟﻢ ﺗﺒﻠﻐﻪ ﺟﻤﻠﺔ ﻟﻢ ﻳﻌﺬﺑﻪ ﺭﺃﺳﺎً ، ﻭﻣﻦ ﺑﻠﻐﺘﻪ ﺟﻤﻠﺔ ﺩﻭﻥ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺘﻔﺼﻴﻞ ﻟﻢ ﻳﻌﺬﺑﻪ ﺇﻻ ﻋﻠﻰ ﺇﻧﻜﺎﺭ ﻣﺎ ﻗﺎﻣﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺤﺠﺔ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﻴﺔ ‏) …‏( ﻓﻤﻦ ﻗﺪ ﺁﻣﻦ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ ، ﻭﻟﻢ ﻳﻌﻠﻢ ﺑﻌﺾ ﻣﺎ ﺟﺎﺀ ﺑﻪ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ، ﻓﻠﻢ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﻪ ﺗﻔﺼﻴﻼً ، ﺃﻣﺎ ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺴﻤﻌﻪ ، ﺃﻭ ﺳﻤﻌﻪ ﻣﻦ ﻃﺮيق ﻻ ﻳﺠﺐ ﺍﻟﺘﺼﺪﻳﻖ ﺑﻬﺎ ، ﺃﻭ ﺍﻋﺘﻘﺪ ﻣﻌﻨﻰ ﺁﺧﺮ ﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺄﻭﻳﻞ ﺍﻟﺬﻱ يعذ ﺑﻪ ، ﻓﻬﺬﺍ ﻗﺪ ﺟﻌﻞ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻹيمان ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ ﻣﺎ ﻳﻮﺟﺐ ﺃﻥ ﻳﺜﻴﺒﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ.. ﻭﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﻪ ﻟﻢ ﺗﻘﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻪ ﺍﻟﺤﺠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻜﻔﺮ ﻣﺨﺎﻟﻔﻬﺎ ‏)
ﻭأيضا ﻗﺎﻝ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ : ‏( ﻭﻫﺬﺍ ﻛﺜﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻳﺨﺒﺮ ﺃﻧﻪ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻌﺬﺏ ﻣﻦ ﺟﺎﺀﻩ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﻭﻗﺎﻣﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺤﺠﺔ ‏)
ويقول ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﺬﻫﺒﻲ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ : ‏( ﻓﻼ ﻳﺄﺛﻢ ﺃﺣﺪ ﺇﻻ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺑﻌﺪ ﻗﻴﺎﻡ ﺍﻟﺤﺠﺔ ﻋﻠﻴﻪ.. ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻟﻄﻴﻒ ﺭﺅﻭﻑ ﺑﻬﻢ.. ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)

ويقصدون بقيام ﺍﻟﺤﺠﺔ :

ﺃﻥ ﻳﻔﻬﻤﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻬﻤﺎ ﺟﻠﻴﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﻔﻬﻤﻬﺎ ويقتنع بها ﻣﻦ ﻫﺪﺍﻩ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻭفقه..
ولهذا اطلاق التكفير شيء خطير لأننا لا نعرف ما في القلوب.. ولا من المجاحد.. ومن الذي لم يقتنع..

فيديو مقال متى يعد الكافر كافرا ؟

أضف تعليقك هنا