هندسة الفوضى – #سياسة

الأسد والمعضلة اللبنانية

تقاسمت القاهرة ودمشق وبغداد إرثاً سياسياً إقليمياً ثقيلاً منذ ما يقارب السبعمائة عام؛ وكان لبنان دوماً، بالنسبة للسوريين، جزء لا يتجزأ من بلادهم، سلخه الچنرال الفرنسي “غورو” عن جسد سورية، حيث الاتفاق في العملة المتداولة “الليرة”، والعادات والتقاليد والأعراف، والطبيعة الديموغرافية المتعددة الطوائف، واللغة المحلية، وأشياء أخرى تدلل على وحدة هوية البلدين.

ومنذ أواخر السبعينيات، وفي أوج الحرب الباردة، كان اختيار “مصر” موقفاً عقلانياً حيال الصراع بموجب اتفاقية السلام، إلى جانب الأردن التي عقدت اتفاقية سلام مع إسرائيل عام ١٩٩٤م سببان كافيان لطمئنة تل أبيب نسبياً.

وفي ذات السياق فقد حظيت اسرائيل -بدعم من واشنطن- بمناطق عازلة مثل: الضفة الغربية في ١٩٤٧م، ثم الضفة الغربية ومرتفعات الجولان كإقليمين “محتلين ” وفقاً لأحكام اتفاقيات “لاهاي” الخاصة بقوانين وأعراف الحرب البرية منذ يونيو ١٩٦٧م؛ وشرقاً ملحق عسكري خاص بالتسليح في سيناء وحرية الملاحة في مضيق تيران وممر السويس في معاهدة كامب ديڤيد ١٩٧٨م واتفاقية السلام ١٩٨٩م. ومن ثَمَّ تفرغت تل أبيب للجبهة الشمالية حيث الصراع مع سوريا على مرتفعات لبنان والجولان.

وفي حين أن تل أبيب لا تريد التحرك متراً للخلف ولا شبراً للأمام – على الأقل في الوقت الراهن – في الجولان، فإنها تشتهي التدخل في لبنان، وسبق أن خاضت ثلاثة حروب في لبنان منذ أواخر السبعينيات وحتى حرب يوليو 2006م؛ ورغم أن الساسة والخبراء يحذرون من التورط في المستنقع اللبناني من جديد، إلا أن جزءاً كبير من التيارات السياسية الإسرائيلية – خاصةً حزب الليكود – قد لا يمانع في تكرار المحاولة إذا واتتهم الفرصة المناسبة؛ لأن نظرية بن غوريون الأمنية تسعي ليكون لإسرائيل ” قلعة جبلية طبيعية ” تحصّنها في حال نشوب أي نزاع عسكري محتمل.

ولهذا فقد حرصت إسرائيل دوماً على تزكية التوتر في الداخل اللبناني منذ السبعينيات تمهيداً لنشوب أحداث عنف طائفية “سياسية”، تضطر بموجبها إلى التدخل لحماية حدودها من تأثيرات الحرب الأهلية؛ وباستراتيچية مضادة عمل “الأسد” على التدخل – بدءاً من العام ١٩٧٦م – في الصراع اللبناني الطائفي خاصةً بين المسلمين والمسيحيين، واستهدف إشراك دمشق في حكم لبنان بدعم الأحزاب الشيعية والدرزية السورية في الانتخابات البرلمانية؛ والتواصل مع رئيس الوزراء اللبناني “السُنّي”.

وبناء على ما تقدم، فإن تعاظم شعبية “حزب الله” و”حركة أمل” الشيعييّن في الانتخابات البرلمانية اللبنانية الأخيرة التي أعلنت نتائجها في الثامن من الشهر الماضي، مقابل المسيحيين الموارنة من جهة، ومقابل تيار المستقبل الذي يرأسه رئيس الوزراء “السُنّي” سعد الحريري من جهة، يشكل بالنسبة لإسرائيل تهديداً خطيراً خشية من تأثير “حزب الله” – الذي نشأ على خلفية الاجتياح الثاني للبنان عام ١٩٨٢م – على السياسات اللبنانية، هذا إلى جانب الخبرة والتدريب الإيراني اللذين اكتسبهما “حزب الله” أثناء الحرب السورية.

وهو ما أكده تصريح ” كريم المفتي ” أستاذ العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف في بيروت لوكالة الأنباء الفرنسية عقب إعلان نتيجة الانتخابات حيث يقول: “إن حزب الله في طريقه لأن يكون مؤثرا في عملية صنع القرار، ولكن ذلك سيعتمد أيضا على التحالفات التي سينسجها أو يجددها”.

تل أبيب تقرع طبول الحرب

نشرت جريدة “الشرق الأوسط” في مارس 2018 تصريحات للجيش الإسرائيلي، وذلك بعد ساعات قليلة من إعلان قائد القوات البرية في الجيش الإسرائيلي “أن الحرب باتت أقرب من أي وقت مضى، وأن إسرائيل نشرت تسع وحدات احتياط من قوات حرس الحدود، تتلخص مهمتها في ملء الفراغ الذي سيتركه جيش الدفاع وقت اندلاع الحرب، وربما تسيطر على كل الضفة الغربية وقت الطوارئ والحالات المتطرفة”.

وأن “العملية البرية في الحرب القادمة ستبدأ في مرحلة مبكرة، وستكون واسعة وسريعة ومدمرة أكثر من الماضي. وستنتهي باغتيال (نصر الله). وإذا نجحنا في الحرب المقبلة بقتل حسن نصر الله، فإن هذا سيعني الحسم”.

استراتيچية التوقيت

إن سبع سنوات منذ تعثُّر نظام الأسد وحلفاؤه في مستنقع الحرب منذ ٢٠١١م، وانشغال القاهرة بإنعاش اقتصادها؛ وخمسة عشر عاماً من تغلغل للنفوذ الإيراني في أوصال “بغداد ما بعد صدّام”، قد عززت عملياً من فرص تل أبيب في التدخل في لبنان حين تحين اللحظة المناسبة.

تماماً مثلما كانت اللحظة المناسبة في إبريل ٢٠١٦م لاجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي في الجولان السورية المحتلة، وإعلان “نتنياهو” أن الجولان جزء لا يتجزأ من إسرائيل. وتماماً مثلما كانت اللحظة المناسبة “١٤ مايو ” “٢٠١٨” لافتتاح السفارة الأمريكية واعتراف واشنطن بالقدس “المحتلة” عاصمة أبدية لإسرائيل.

فيديو مقال هندسة الفوضى

أضف تعليقك هنا