أهو المتسبب؟

المغالطات التاريخية

بسم الله. يَعُج تاريخنا بالكثير من المغالطات والأكاذيب والتزييفات؛ بما يتناسب مع النسق السياسي الموجود؛ فليس من مصلحة الحاكم أن يكشف مساوئه السابقة أو نقاط ضعفه مثلاً، فهم ينظرون إلى العقل البشري السليم بمثابة خطر يُهدد مصالحهم. فكل حضارة لها مؤرخ وكل مؤرخ يعتمد على حواسه فقط بما أنعم الله عليه من قوة بصر وسمع؛ فهو يدون ما يراه وما يسمعه دون تزييف للأحداث سواء بزيادة تمجيد شخصية مُعينة، أو إهمال شخصية أخرى، فيُدون بعيداً عن ارائه الشخصية.

أما نحن، فرجال سياستنا الذين هم من المفترض أن يكونوا قدوةً حسنة لنا ومثالا للمثابرة والتضحية والصدق، فهم على عكس كل ذلك فمُحِيَ دور المؤرخين واختفت المعارضة السياسية، أصبح هناك رأي واحد يجب تأييده، هذه السياسة ليست سياسة مصر في عصر الجاهلية او عصر ما قبل السياسة.

إنها ليست سياسة قديمة

بلى، هذه سياسة مصر المُتّبعة من بعد عصر الملكية واتباع ما تُسمى بالجمهورية، فيتم إخفاء كل المصادر التاريخية وإخفاء التاريخ الحقيقي، وما دَل عليه واستبداله بتاريخ مُزيف يُمجد فيه خونة وموالين للاحتلال وإهمال رموز كان كل ما يهمها صمود البلد والوقوف ضد أي مُستعمر وتنشئة أجيال كاملة على هذا النمط، من خلال تدريس تلك الأحداث المُزيفة لهم وإقرارها في المناهج الدراسية والإحاطة الإعلامية الكاذبة لهم؛ وبذلك أصبح هناك فجوات كبيرة في تاريخنا ما بين الحقيقة والزيف.

فمثلاً: حتى الآن لا يوجد دليل قاطع يوضح دور ( أحمد عرابي )، هل ما قام به أنقذ البلاد من مفاسد الخديوي، أم هو انقلاب عسكري مثله كمثل انقلاب ٢٣ يوليو ١٩٥٢م، أم هو سبب رئيسي في دخول مصر في احتلال إنجليزي استمر ٧٤ عام، أم كُرسي السلطة سيطر على أفكاره وأراد أن يحكم مثل من سبقوه؟ وهناك (٣ أراء) تتلخص في التشكيك واليقين والتسليم:

اختلاف الآراء حول أحمد عرابي

الرأي الأول: هو الرأي المُشكك، فيرى البعض أن ما فعله عرابي هي حركة فوضوية هدفها إفساد حكم الخديوي وإحداث خلل في السياسة الداخلية لمصر، مما يُسهّل للإنجليز من مُهمة دخولهم مصر، خصوصاً أنها تزامن تلك الأحداث مع قيام الثورة المهدية في السودان التي أدت إلى خلل في السياسة السودانية وبالتالي احتل الإنجليز السودان وأصبحت كلاً من مصر والسودان مصبوغتين بالصبغة الإنجليزية.

الرأي الثاني: هو رأي أصحاب اليقين، يرى اصحاب ذاك الفريق بالقطع أن عرابي خائن وموالٍ للإنجليز مستندين إلى بعض الدلائل وأشهر تلك الدلائل: أولاً : توكيله محامٍ إنجليزي للدفاع عنه عندما انقلب عليه الإنجليز في بعض الأوقات، ولكن سرعان ما أبدت تعاطفها معه، وقلصت الحكم من إعدام إلى نفي، وذلك فضلاً.
ثانياً: عقب عودته من المنفى ١٩٠٣م لم يقف في صف الحركة الوطنية والتعلم من أخطائه، بل اتبع السياسة الإنجليزية، واستمر في دعمهم في الصُحف.
الرأي الثالث: هم أصحاب التسليم، هو الفريق الذي يرى عرابي مُناضلاً وزعيماً وطنياً، مستندين على بعض الأدلّة أيضاً منها:

  1. – إعادة حركة الترقية بالجيش المصري للمصريين “التي قيل إنها اقتصرت على الاتراك والشراكسة مع أن أحمد عرابي وصل لرتبة أميرلاي في نفس النظام العسكري”.
  2. – إقرار دستور مصري ثابت “بميول إنجليزية”.
  3. – تعيين مجلس النواب وتفعيل دوره “بما يتناسب مع مصالح الإنجليز”.
  4. – السماح بتعيين المصريين في المناصب العُليا للجيش “إلا المالية”.

⁦كل فريق سلم برأيه وسلم بدلائله وترك لنا الشك، فعند النظر لذاك الموضوع من جهة الحيادية، نجد أن الـ ٣ أراء قابلة للتصديق ومنطقية إلى حد كبير، ليس هذا الموضوع فقط الذي يضل عنه الناس، بل تتعدد المواضيع والسبب واحد؛ هو تعمد الجهات الحاكمة تضليل الشعب وإبعاده عن معرفة الحقيقة قدر الإمكان؛ فسقوط الأُمم يبدأ من تضليلها عن المعرفة وتجريدها من تاريخها الحقيقي، فلا نتسرع في الحكم على الأحداث التاريخية مهما كانت صدمتنا فيما يُقال. فكُل تاريخ قابل للشك وكل موضوع قابل للشك يقينه عند الله سبحانه وتعالى.

 لا بد من معرفة تاريخنا الحقيقي

أما الإنسان السوي الذي نشأ في مجتمع درس وتربى على شيء والحقيقة شيء آخر، فهو في حيرة من أمره فمثلاً:
أحمد عرابي خائن أم بطل قومي؟، سعد زغلول مناضل أم مقامر وموال للإنجليز؟، الملك فاروق عربيد أم أغرقته حاشيته؟، جمال عبد الناصر زعيم أم بطل من ورق؟، ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢م ثورة فعلية أم انقلاب عسكري؟. ما بين التاريخ الحقيقي والحاضر نقف تائهين، نقف عاجزين، نقف كالأصنام أجساداً بلا عُقول؛ وهذا هدفهم.

لقد خلقنا الله سيان، لم يفرق بين واحد والآخر، وأمرنا بإعمال العقل، نحن من نحدد مصيرنا سواء بالعمل لما ينفع حياتنا، وينفع بشريتنا وبذلك تُذكر أسماؤنا في التاريخ وهذا ما أنزلنا الله من أجله، أو لتضليل الناس وخداعهم وإقناعهم بكل الوسائل بما هو غير صحيح وإخفاء تاريخهم وحضارتهم عنهم.

لا بد من معرفة تاريخنا الحقيقي، لا بد من البحث والقراءة للفهم والتنوير، ما وصلنا له من جهل وخراب وتشويه لحضارتنا نتيجة انصياعنا للسياسات المفروضة والتسليم بما هو موجود، ليست فقط التسليم للسياسات المفروضة، بل التسليم العقلي أيضاً والابتعاد عن الفِكر والاتجاه لما يُشبع شهواتنا ورغباتنا، لا بد من إعمال عقولنا جميعاً، وليس في مجال التاريخ فقط، لو برع هذا الرجل في مجاله، وطوّر هذا الرجل من نفسه، واستمر هذا الرجل في نشر فكرته؛ سننهض جميعاً.

أما فِكرَتي فأنا مُصمم عليها مهما كلفني الأمر، ومهما كذّبني الكثيرون؛ سأستمر في كتابة التاريخ الحقيقي للشخصيات التاريخية وعرض الشخصيات التي ظلمها التاريخ سواء سياسية أو دينية. فَـ “نهضة الأمم تبدأ من معرفة تاريخها” وَ “تنوير العقل بالنسبة لنا كارثة بالنسبة لغيرنا”.⁩

فيديو مقال أهو المتسبب؟

أضف تعليقك هنا

حمدي سامي إبراهيم

طالب بكلية الأداب قسم التاريخ والاثار، أسعى لتطبيق فكرة جديدة وهي ما اسميها بـ التاريخ النفسي، وهي ذِكر بعض الأحداث التاريخية وإستخلاص العِبرة والحِكمة منها ،مع ذكر كل المصادر التاريخية، وتطبيق تلك الحِكم على حياتنا جميعاً