الأزمات النفسية التي قد تصاحب المسافر!

أسباب السفر

كل شخص لديه أسبابه الخاصة في السفر، فالبعض يسافرون للعمل ، والبعض يسافر للمتعة، وهناك بالطبع السفر الديني أو السفر من أجل العلاج، ولا شك أن عند الكثير صار السفر في الأجازة جزء مهم من حياتهم فهم يسافرون ليعيشوا الحياة، وليهربوا منها في الوقت نفسه! ومع أنتهاء المدارس و دخول موسم السفر السياحي و غير السياحي وجدت الموضوع مناسباً.

وهنا أطرح ثلاث حالات من الصدمات و المشاكل النفسية التي قد يتعرض لها المسافر.

النوع الأول “السفر السياحي القصير”

الأول السفر السياحي القصير المصاحب لخيبة الظن وهو السفر لأحدى الحواضر العالمية او المناطق السياحية المشهورة بالسياحة من مثل مدن العالم الأقدم و الأجمل سواء تلك المدن التي تغنى بجمالها الشعراء و الفنانون فكانت رمزاً للرومانسية أو الثقافة بالأمس القريب أو تلك الشواهد التأريخية و الأطلال التي تشهد على مدن كانت حجر أساس في الحضارات الأنسانية المتعاقبة والتي غيرت مجرى التأريخ و طالما قرأنا عنها في كتب التأريخ.

مثال

لألخص هذه الحالة الأولى سأضرب لكم مثلاً شائعا نوعاً ما، فالعاصمة الفرنسية باريس هي دون شك في قمة الواجهات السياحية عالمياً، ولا غرابة فهي كما تعودنا وصفها في الكتب و المجلات والتلفاز و السينما بأنها مدينة الجمال و الأناقة، مدينة الحب و العلم و الثورة الحداثة …الخ، حتى اللغة تختلف عن سواها، ففرنسا و باريس بالذات لا شك مميزة بكل شيء.            مع ذلك فأن الكثير ممن قصدها للسياحة لأول مرة يُصاب بالصدمة لأن الفرق شاسع ما بين الذي تخيله السائح قبل سفره و بين الواقع.

فالشوارع الباريسية مكتضة بالسائحين من كل حدب و صوب حتى أن الواحد منهم قد ينتظر شوطاً ليخلو له المنظر ليقتنص صورة. شوارع باريس لا يُسمع بها نغم أو موسيقى بل و أصحاب المحال التجارية ليسوا بتلك اللطافة التي ينتظرها السائح و الشوارع ليست مليئة بعارضات الأزياء، بل هناك عدد ليس بالقليل من الشباب يجبون مركز المدينة قادمين من ضواحيها الفقيرة ليذكرونا أن واقع العيش هنا لا يشبه الحلم الذي قد يتخيله سائح. هذا أضافة الى أمكانية التعرض للسرقات و خاصة في المواصلات العامة.

النوع الثاني “متلازمة باريس”

أن من أكثر السواح الذين يصابون بخيبة امل لدى زيارتهم لباريس هم اليابانيون فيبدوا أنهم يرمون السياحة هرباً من نمط عيشهم الروتيني العملي المنظم ظناً منهم أن باريس ستمنحهم ذلك الأنفكاك من القيود ولو لشهر عسل قصير!

لكن سرعان ما يصابون بالصدمة و الخيبة فتبدأ عندهم أزمة نفسية يصطلح عليها  Paris syndrome أو متلازمة باريس وهي وأن لم تدخل بعد في تصنيف التشخيص الآزمات و الأمراض النفسية ألا أنها معروفة منذ زمن ليس بالقصر، وذلك ما أكسب الأطباء المختصين معرفة ودراية في معالجتها حتى أن أحد الأطباء اليابنيون و مقره في باريس وهو البرفسور  Professor Hiroaki Ota هو أول من وصف هذه المشكلة النفسية عام ١٩٨٦و عرضت علية أكثر من مئات الحالات، و يُقال أن السفارة اليابانية في باريس منحت مواطنيا اليابانيون خطاً تلفونيا مفتوح لتلقي شكاويهم و نصحهم وأرشادهم.

أعراض المتلازمة

تتميز المتلازمة بعدد من الأعراض النفسية مثل الأصابة بأفكار واهمة كالهلوسة ، والشعور بالاضطهاد (تقمص دور الضحية أو العداء للآخرين) ، لا واقعية ، القلق ، وكذلك المظاهر النفسية الجسدية مثل الدوخة ، وعدم انتظام دقات القلب ، والتعرق ، القيء و غيرها.

هذه الأعراض تشبه نوعا ما مشاكل نفسية تصيب المسافرين لأسباب دينية وهذه هي الحالة الثانية التي سنتناولها.  هذه الأعراض قد تصيب المسافرين لروما، او القدس أو الحاجين والمعتمرين الى مكة و هي معروفة منذ امد بعيد بمتلازمة القدس و التي وصفت من قبل أطباء علم النفس في ثلاثنيات القرن الماضي. وصفت كذلك في بعض من الوثائق منذ القرون الوسطى. 

تتلخص الأعراض بمجموعة من الأضطرابات العقلية التي تنطوي على وجود أفكار الوسواس و الأوهام أو غيرها من تجارب تشبه الذِهان أي ال Psychosis  التي تسببها زيارة لمدينة القدس. و لا غرابة أذا علمنا أن طبيعة تلك الوساوس و الذِهان و الأوهام ذات طابع ديني ولكن الجدل قائم بين العلماء أن كانت غالباً تصيب من سبق وكان معرضاً لنوع من تلك الأعراض قبل زيارته للأماكن المقدسة أم هي أصابات جديدة!

و بغض النظر عن الأسباب فأن لا شك تتفاقم المشكلة أذا لم يتخلص منها المسافر لدى عودته لدياره، وأستمرت على غير العادة أشهراً عدة يعاني فيها المسافر من أعراض تشبه الكآبة و يعاني من حوله في العمل و البيت من صعوبة التعامل مه، حينها قد يكون الحل الأمثل بالذهاب لمعالج نفسي مختص. 

نصيحة عامة

وكنصيحة عامة لتكون مسافراً ناجحاً نذكر لك هنا نصيحة الكاتب الشهير مارك تون:

“Travel is fatal to prejudice, bigotry, and narrow-mindedness”

ومعنى القول بالأضافة لكون السفر متعبا مكلفاً ألا أنه خطراً بسبب الآفات النفسية لمن كان سريع الحكم، صاحب الأفكار غير الواقعية، المتحامل المتعصب المشبع بالأوهام و ضيق الأفق. فالذي يبحث عن السعادة بشراء رحلة لابد خاسر لأن السعادة عامل داخلي، كذلك من يملك تصوراً خاطئا عن العالم من حوله أو عن كيف حال السفر والمسافرين في الغالب غالباً ما ينتهي به المطاف بخيبة آمل.

هؤلاء للاسف فاتهم أحد أهم الأمور التي تغني تجربة المسافر و هي التأقلم. فالسفر لعالم مختلف، سواء كان ذلك في وتيرة الحياة ، أو اللغة ، أو ببساطة التغيير في الطقس ، فذلك التغير يوجب على المسافر التكيف. هذا ما يجعل السفر مدرسة حين ننفصل عن الروتين ونتكيف مع المتغيرات الجديدة.

النوع الثالث

ونختم المقال هذا بالنوع الثالث من الأزمات النفسية التي تصيب المسافرين والتي هي في رأي الأهم لشيوعها و لأنها لا تختص بنوع معين من السفر سواء كان للسياحة أو غيرها، لكنها تصيب غالباً المسافرين في الأجازة السنوية.

المسافرون في أجازتهم السنوية في نشوة من الأسترخاء الذهني بعيداً عن ضغوط العمل و الروتين اليومي وكل متطلب أثقل كاهلهم أثناء أشهر السنة الأخرى. فأما يكون سفرهم لواجهة سياحية يستجمون بها، لتغمرهم مشاعر السعادة رغم ما أنفقوا من مال في حلهم و ترحالهم و مركبهم و مطعمهم، أو أن يكون سفرهم للقيا الأحبة والأصحاب وقضاء اطيب الأوقات معهم.

وسواء في كلا  الحالتين فأن نشوة السفر يوهم أن هكذا لا بد يكون العيش وألا فلا هناء و لا رغد! و هنا يكن الخلل و الذي قد يُسبب أزمة نفسية تعرف متلازمة قلق ما بعد السفر أو Post travel stress or syndrome هو الاسم العلمي الذي يطلق على هذه الحالة.

وأعراض هذه الحالة ببساطة تشبه الكآبة، من مثل القلقل و أضطراب النوم والشعور بالأحباط .. الخ. ورغم أن الأعراض مشابه لحالات الكآبة المرضية المعروفة ألا أنها أقل حدة، ألا أن الأعراض تزداد حدة بزيادة مدة الرحلة.

 قد تستغرق هذه الأعراض بضع من الأيام أو قد تطول لعدة أسابيع الشيء الذي قد ينعكس على أداء الفرد في بيته والعمل. ومن تلك الأعراض التي قد تسترعي أنتباه الزملاء في العمل أو الأقرباء: القلق المفرط ، والأرق ، والتهيج ، والصداع ، وسوء الانتباه أو التركيز.

الوقاية أو التخلص من أعراض الاحباط ما بعد الاجازة

  • أولاً

و قبل العودة يجب التخطيط جيداً لكيفية الرجوع للبيت و العمل بصورة تمكن المرء أسترجاع روتينه تدريجياً كأن يكون هناك يوم أو أكثر أو لنقل مدة كافية ما بين الرجوع و المباشرة بالعمل من جديد بعد الرحلة.

  • ثانيا

أستحضار السفرة التي قمنا بها بصورة خلاقة أيجابية، أي أن تستذكر الأوقات الأجمل و اللحظات الأسعد في الرحلة، و الكتابة عنها أو طبع صورها … الخ بأختصار أحتفظ و عزز تلك الذكريات الجميلة لأنها ستعزز مشاعر الساعدة لديك فيما بعد.

  • ثالثا

بعد الرجوع من الرحلة ينصح المختصون بأن يحاول المرء السياحة في موطنه أو محل أقامته بأن يستكشف مناطق و أماكن لم يزرها من قبل. ومن الجدير من الذكر ان السياحة لا تقتصر على السفر لخارج البلد الذي أنت فيه! يكفينا أحياناً أن نبعد بضع كيلومترات عن موطن سكننا لنجد أختلافاً صالح للأستكشاف.

  • رابعا

النوم المنتظم، الأكل الصحي و ممارسة الرياضة خطوات مهمة جداً يممن القيام بها. كذلك الأتصال ببعض المعارف و القيام بفعاليات متنوعة.

أما أذا لم يخرج المرء أبداً من حالة الذهول و التعلق الفكري بالماضي القريب و الخروج من أجواء السفر و تقبل الروتين اليومي كما هو، فيمكن أن يشتت تفكيره السلبي مؤقتاً ويشحن لهيب شوقة بجرعة جديدة من أماني السفر! 

وذلك بأن يخطط لسفرة قادمة، لمكان جديد دون الحاجة لتحديد موعداً للسفر أو رصد مبلغاً من المال، أنما يقوم بجمع أكبر قدر ممكن  من المعلومات السياحية و الثقافية التي يستطيع من خلالها تنطيم رحلته القادمة و المحتملة.  يكون بذلك قد حضر السفرة قبل آونها و كثير منا من جال العالم من خلال كتاب وقلبه معلق بالأماني كما قال الشاعر:

أعلِّلُ النفس بالآمالِ أرقُبُها                      ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأمَلِ

فيديو مقال الأزمات النفسية التي قد تصاحب المسافر!

أضف تعليقك هنا