اليأس و الرجاء في مصر!

طرق الأطباء بالعلاج

للأطباء في معالجة الأدواء ومداواة الأمراض طريقتان معروفتان ؛ إحداهما : مقاومة المرض بمناولة الأدوية في أوقات معينة بمقادير معلومة ، وهي معالجة المريض بما هو خارج عن ذاته منفصل عن ماهيته . والثانية : الأزم بمنع المصاب من كل ما يزيد المرض ويطيل أمده ، وهو الذي يسمونه : ( الحمية ) ومحاولة تقوية المزاج بذلك وبما يستلزمه من تدبير الغذاء المناسب والنظافة التامة واستنشاق الهواء النقي وحسن الخدمة وإزالة ما يهيج الانفعال ويؤلم النفس من كل شيء .

وهذه الطريقة هي المثلى ، وعليها يعتمد الحكيم النطاسي وبها يثق ؛ لأن إشعارها تقوية المزاج حتى يقتدر على دفع المرض بذاته ، والعلاج بالأدوية والعقاقير إنما هو مساعد لقوة المزاج على دفع المرض ؛ لأنه هو الدافع له ، فهو كالسلاح : لا عمل له في نفسه ولكنه مساعد للشجاع على الظفر.

وعادة السيف أن يزهو بجوهره … وليس يعمل إلا في يدي بطل

وقد ضرب سيدنا الزبير بن العوام رجلاً فقدَّه نصفين ، فقيل له : ما أمضى سيفك ! فقال : كلا إنما هي قوة الساعد ، فإذا ضعف المزاج وحرض البدن لاستحكام الداء ، فالعلاج الخارجي لا يكاد يفيد شيئًا ، وإذا قوي فربما يطرد المرض من غير مساعدة الدواء ، وأكمل المعالجة ما كانت بالطريقتين معا . فإن القوي الأعزل إذا غلب اليوم فلا يأمن أن يُغلب غدًا ، هذا كله معروف في معالجة الأشخاص.

الشبه بين مرض الأمة ومرض الأفراد

المقدمة السابقة كتبها الشيخ العلامة محمد رشيد رضا في مجلة المنار ـ العدد رقم 33 ـ لمقالة نشرت بالعنوان أعلاه بتاريخ 21 نوفمبر 1898 الموافق 16 جمادى الآخرة – 1316هـ وقال : ما أشبه أمراض الأمم بأمراض الأفراد ، وما أشبه معالجتها بمعالجتها، إذا مرضت الأمة بانتشار الجهل فيها واستبداد حكامها، أو فقد المحبة منها والغفلة عن الجامعة التي تضمها وتجمعها ، أو الانخداع لعدو في ثياب صديق طوح بها وعمل على تفريق كلمتها بعنوان الناصح المصلح ، أو الاغترار بنعيم يزول وصفو عيش لا يدوم ، وأعقب هذه الأمراض افتقاد الثقة بين الحاكم والمحكوم له.

وبين الأفراد بعضهم مع بعض والالتجاء إلى الأجنبي واتخاذه بطانة والاعتماد عليه والثقة به ، وكثرة الرشوة والمصادرة والسخرية والتعذيب من الحاكم للمحكوم له ، والسفه والتبذير من الخاصة والعامة ، وصارت الأمة بهذا كله طعمة لكل طاعم ، ونهبة لكل ناهب طامع ، وضريت الأمم القوية بصيد بلادها ، وضربت الدول الفاتحة في أحشائها ، فعظم عليها الخطب وأنساها هذا المرض الأخير جميع ما تقدمه من الأمراض المتولد هو منها ؛ لأنه هو الذي يودي بحياتها وينتهي بمماتها ( وهو فقد الاستقلال ) إذا كان هذا كله ، فهل الصواب الاهتمام بمعالجة هذا المرض دون ما تقدمه من الأمراض ؛ لأنه المذفف على تلك الجروح والمجهز على حياة الأمة ، أو الاعتناء بمعالجتها جميعًا ؟

يجب القضاء على العلة الأولى للشفاء من باقي العلل

أقول : إن السعي بمعالجة مرض نتج من أمراض أخرى تقدمته مع بقاء تلك الأمراض متأصلة في الجسم عبث وضلال ، وقصارى ما تفيد هذه المعالجة إزالة بعض أعراض المرض بأدوية خارجية ، ولا يؤمَن بعد إزالته أن يعود هو أو مثله ما دامت العلة الأولى موجودة بمقدماتها كلها .

فيا أيتها الأمة التعسة الحظ النكدة العيش هبي من نوم الغفلة وانفضي عن رأسك غبار الخمول ، ولا تنخدعي لكلام المغررين ، لا تيأسي من روح الله ولا تعتمدي بعد التوكل عليه إلا على سعيك ، فالعلاج الصحيح الذي يدفع عنك جميع الأمراض ويذهب مع العرض الأكبر ( يقصد الاحتلال الإنجليزي لمصر وقتها ) بسائر الأعراض – إنما يطلب منك لأنه يتعلق بداخليتك وما هو إلا تعميم التربية الصحيحة والتعليم ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .                                      في المقال يصف العلامة محمد رشيد رضا الرأي العام المصري بقوله : وصار الرأي العام المصري كما قيل :

كلما ذاق كأس يأس مرير … جاء كأس من الرجا معسول

استمرار معاناة مصر

و لا تزال مصر حتى اليوم تعاني من أمراضها فما أشبه اليوم بالبارحة !! يقول العلامة محمد رشيد رضا في المقال : فلا جرم أن مرائر الرجاء تسحل ، وأسباب الأمل تقطع ، ولكن هل ييأس المصريون من الاستقلال وجلاء الإنجليز ؟

وكما جاء في المقال فالإختلال ـ المرض ـ الذي تعرضت له الأمة المصرية أسلمها في الماضي إلى الإحتلال ولا زال هو ذاته ما يُسلمها إلى ما تعانيه اليوم ألا وهو فقد الاستقلال رغم جلاء الإنجليز ؟!

وبعد 120 سنة من نشر مقالة العلامة محمد رشيد رضا يُطرح ذات السؤال : هل ييأس المصريون من تحرير بلادهم من التبعية للخارج و استرداد مصر و استقلال وطنهم ؟!

فيديو مقال اليأس و الرجاء في مصر!

 

أضف تعليقك هنا

هيثم صوان

الكاتب هيثم صوان