بين سماعة طبيب وقلم أديب

أحلام الحياة 

تمضي الحياة بأحلام بدايتها تبدو مستحيلة لكي تتطور ونصبح أمام الواقع الخيالي حقيقة، الفتى الحالم في الغد المشرق والمتفائل فيه لا بد له أن يبني جسر النجاح ليحقق مراده، ويقود سفينة المستقبل إلى جزيرة الرقي والازدهار.

من روائع الأدب العربي نغمس ريشتنا في وعاء سكبت فيه ألوان الجدال والصراع لنرسم لوحة أركانها التضحية والاستمرارية والإنسانية، فما بقيت هناك بفعل الفكر والعرف لعنة اجتماعية تخلق وسط هذا الواقع ألوانا من الآلام، وتعقد بالمحن البشرية المشيئة الإلهية. ولم تستمر مشاكل العصر الثلاث كسقوط المرأة بفعل الجوع وهزال الطفل بفعل الظلمة وبعبارة أخرى، وبنظرة أشمل ما ظلت على وجه الأرض ظلمات من الجهل والأمراض حتى سطع نور الفرج والإنسانية في قلب الرجل المثقف الحامل في رقبته السماعة.

عند الطبيب

لطالما ترددنا في قاعة انتظار الطبيب لنسمع صوت بكاء طفل راهب يخرج من غرفة الطبيب، ذلك الطفل الذي أرهبه الطبيب لا يزال يخاف من الذهاب إلى الطبيب، لكنه أيقن أنه يريد الابتعاد عن الطبيب ليس كرها له، بل تفاديا للمرض و الألم.

في أحدى الليالي من الشتاء البارد وفيما كانت الساعة الكاتدرائية تدق الثانية صباحا، استيقظ الشاب الذي لا يزال في العقد الأول من دراسات الطب وكان ما أيقظه هو ضغط الامتحانات التي لا تكاد تنتهي، فهذا الإحساس كان من الجدة بحيث نغص عليه النوم. وكان قد نام أكثر من أربع ساعات محت تعبه، وكان متعودا على عدم الركون طويلا إلى الراحة، وفتح عينيه، ونظر برهة في الظلمة من حوله، ثم أغلقهما ليعاود النوم.

هموم سنوات الدراسة

وعندما تكون إحساسات متباينة قد كدرت النهار، وتكون أمور كثيرة قد شغلت البال ينام المرء، و لكنه متى استيقظ لا يعاود النوم. فالنوم يأتي في البداية بسهولة، ولكنه لا يعود بمثل هده السهولة. وهذا ما حدث لهذا الشاب فلم يستطع أن يعاود النوم، وشرع يفكر. وكان في لحظة من تلك اللحظات التي تضطرب فيها الأفكار التي تجول بخاطره، فراحت أفكار تروح وتغدو غامضة في مخه، و طغت ذكرياته القديمة المختلطة بذكرياته الجديدة، وتضخمت بصورة تتجاوز كل حد، ثم اختفت فجأة كما ابتلعتها مياه موحلة، فعلا فكر في هده المهنة التي لا يزال يدرسها، لكن الأفكار تارة تؤيد فكرة إيجابية فيكون متفائلا وتارة تؤيد فكرة سلبية فيكون متشائما، لكنه لا يكون إلا واقعيا.

هذه المهنة التي تؤدى على شيء خلقه الله عز و جل في أحسن خلق وأبدع فيه ليكون معجزة ربانية، فهل هي مهنة أم رسالة يؤديها صاحب السماعة الذهبية تحت مسؤولية كبيرة أقسم عليها يوم فرحته بالتخرج؟ أكيد هي رسالة وليست مهنة يتقاضى بها المال فقط.

جمال الثوب الأبيض

هذا الذي زاد للثوب الأبيض نصاعة وبريقا ليبتهج المريض عند رؤيته، هذا الذي سجل الطفل عند ولادته، وأتم حياته عند الشدة والمرض، ثم سجله عند المنية، أليست رسالة يا معشر القراء؟ أليست مهنة نبيلة أعطاها الله لأشخاص مختارين لتأديتها على أتم وجه؟ هذا الذي ضحى بشبابه كي يتعلم علما ينفع به المجتمع والجيل الصاعد، فعندما يرتقي الطبيب ويسير في زفاف ملكي إلى الفوز الأكيد عندما لا يبقى لدينا شيء لنفعله أو نقوله، لأنه قد لخص كل قصتنا بابتسامة.

فقد احترق كثيرا وذاب كي ينير للأطفال والشيوخ، النساء و الرجال، فقد جعل من عظامه جسرا ليعبره الآخرون وجعل نفسه كالشمس التي تشرق إن حل ظلام المرض والمعاناة، فهو رمز الإيثار. فلا تكفي هذه الأسطر لذكر هيمنتك السائدة على قلوب المرضى، لا يكفي الإيحاء لذكر فضلك الذي هو بمثابة فضل الشمس على سائر الكواكب.

مكانة الأطباء نبيلة

إنهم فعلا يحملون مكانة نبيلة ورسالة إنسانية فإذا غابوا غاب معهم الوعي الصحي. إنها فعلا مكانة عظيمة نعرفها بعكسها فلولا وجود عكس المعنى لما كان للمعنى معنى، نعرفها عندما نمرض ويساعدنا الطبيب بأسبابه للشفاء الممنوح من الله تعالى. فإنه فعلا زرع تلك الشجرة التي يحين وقت قطافها عند المرض. فمهما منحناكم أيها الأطباء فلا يعادل تعبكم وسهركم ولا يكفي لتبجيلكم.

فيا قلمي الحزين لا تخطوا على ما عجز به اللسان، فإننا سئمنا من مرض الأبدان

أنفس ضحت بشبابها وانفردت بخصال الإحسان، بقيت لها إلا الفوز بجنات الريحان

هيا يا حبر انقد فقد جفت دموع الطلاب، هيا يا قلمي توقف فقد ابيضت المقلتان

فيديو مقال بين سماعة طبيب وقلم أديب

أضف تعليقك هنا