جارك نصيبك

رحيل الجار العزيز

فجعنا، ولا أبالغ، قبل أيامٍ برحيل جارٍ عزيز علينا جداً من مكان إقامته بنفس المبنى إلى مدينة أخرى بعيدة، كانت فاجعة لأننا وإن كنا نعلم أن الفراق قادم لكن الأمل كان باقٍ حتى حانت لحظة الحقيقة التي ملأناها بالتشكيك حتى رضخنا عندما خَليَ المكان،  ذكرياتنا امتدت لأكثر من ٨ سنوات مشتركة في ثقة وأمان تام تجسدت فيها أسمى قيم العلاقات الإنسانية حقاً.

أخلاق الجار أبو عبد الله

جاري أبو عبدالله هو خمسيني أردني يقيم في المملكة منذ ريعان شبابه، يتمتع بذكاء وحكمة يفيد منها الناس، وله حضور اجتماعي مميز يتصدر به المجالس، ويأخذ زمام الحديث دائماً، وجوده بهذا القرب مني أول ما انتقلت للرياض كان محض صدفة طيبة وحظ سعيد، حكى لي كما حكى أهله من بعده أنه مذ تحدث معي لأول مرة أبلغهم متفرساً أن الجار الجديد طيب، وسيكون بيننا “عيش و ملح” كثير.

لم يتوان يوماً عن خدمتي حين احتجت، ولم يتأخر علي في طلب رغم كل التقلبات، ظل وأهله يقرِّبون أولادي إليهم حتى ألِفوهم وعدوهم كعائلة كبيرة لهم في غربتهم، بل وصل الأمر بابنتي الصغرى أن صارت تناديه جدي، الجار الطيب دليل توفيق ورضا إلهي لأن أحدنا قد يشتط به الطموح أو ترمي به الخطوب إلى حيث لا أحد له من قريب ولا من بعيد، ولا يجد في غربته إلا جاره هذا ونصيبه، هو نصيبه لأنه لا يدري ما سيقع عليه حظه.

الجار الطيب نعمة من الله

قد يكون من أهل البلد ومن حوله عزوته يلتقون في المسجد، ويتقابلون في الطرقات يتبادلون التحايا والزيارات وأنت بينهم ضائع لأنهم مشغولون فيما بينهم لتواجه مشقة الانخراط في مجتمعهم مخاطراً بكبريائك، فإما أن يقبلوك لتصبح واحداً منهم أو يصلك منهم ما يعني أنهم قد يلفظوك خارج محيطهم في أسوأ الظروف، في المقابل، قد تقع على مغترب مثلك تجده متلهفاً للتعارف مبدياً حقوقك كجار كما لو كان ينتظرك منذ سكناه ليقيم علاقة أخوة وصداقة ومودة مستمرة تمتد أواصرها زمنا، وقد تورَث أجيالاً، لأن ما بينكما متعدٍ لمفهوم الجيرة التقليدي، حتى وصل حقاً إلى مكنون ما وصى به النبي محمد صلى الله عليه و سلم. 

فيديو مقال جارك نصيبك

أضف تعليقك هنا