لحظة ثبات

لحظة رضا

ونحن في صَالةِ الانتظار فِي أحد المُستشفيَات مُستشفى مُتخصّص بِمَرض العَصر الفتّاك الذي انتشر حَتى لا تكاد تخلُو أسرة من إصابة أحد أفرادها به – نسال الله العَافية للجميع – ، كنا مجمُوعة مِن النّساء ننتظر نتائج التّحاليل الطّبية، يسُود المكان جو من الصّمت والقلق والترقّب بين التّفاؤل والتشَاؤم، وفِي كُل دقيقة تخرُج المُمرضة تنادي باسم المَريضة التي حان دورها لتخبرها ما إذا كانت قد نجت من الإصَابة به أم أنّها قد اُبْتليت به.

نادت: سَارة ، هبة ، نُور ، شروق. تقوم صاحبة الاسم تدخل الغرفة ثمّ تخرُج، ونعرف في مشيتها وهي عائدة إلى المقعد هل أصيبت أم لا؟ فالنّاجية تعود فرِحَة مُسرعَة وكأنّها ستطير إلى ذويها لتبشرهم، وأمّا الأُخرى فإنّها تعُود مُتثاقلة الخُطى حامِلة للهم وكأن الكون قد اسوَدّ من حولها.

هدوء شروق

و هذا ما أصَاب الأربعينيتين (شروق) و (هبة)، فقد أظهرت التّحاليل إصَابتهما بالمَرض المُهلك، تشابهتا في وقُوع البَلاء واختلفتا في ردّة الفِعل خلال الدقائق الأولى. (شروق) أغمَضَت عينيها بقوّة لتسِيل منهما دمعتين رقيقتين ترسُمان خطّان مُتوازيان على خديها تدلان على احتراق وألم داخلي، وكأنّها استعَادت شريط ذكريات حياتها استعدادا للوداع.

صدمة هبة وجزعها

بعد أن شعرت أن هذا المَرض سيكُون نِهايتها القريبة، وأخذت تفكّر في أبنائها وزوجها وأهلها، واستفاقت فَجأة قبل أن تستسلِم كُليّةً للتشاؤم والحُزن والسّلبيّة، ونظرَت إلى يمينها لترى (هِبة) وقد صرخت وجزعت وأجهشت في البكاء المصحُوب بالكلمات الساخطة المعترضة على المَرض والقدر والمُستشفى والأطبّاء – من تأثير الصّدمة عليها.

كلمَات شروق الحكيمَة المُختصرة 

حتى اجتمعنا حولها وأجلسناها سَعياً لتهدئتها وهُنا كَانت (شُروق) – المُصابة- سَيدة الموقف، وقفت وقالت: من نجّاها الله من الإصابة بالمرض فلتحمده وتشكره، ولتؤدِّ حق الشكر ولتشمّر عن سَاعديها لاستثمار الحياة بمَا ينفع البشريّة، ومَا ينفعها فِي الآخرة، ومن أُصِيبت به فلتعلم أنّها في اختبار مُشدّد ولتكُن على قدر من الفَهم والثبات، ( إذا أحب الله عبدا ابتلاه ) فلتكن على قدر المحبّة، ولتحتسِب أجرها عند الله جل وعلا، ولتبقى على أمَل وتفاؤل بالشفاء، أُصِبنا وأمَامنا طريقين إمّا النّجاح بالصّبر والرّضا، وإمّا السّقوط بالجَزع والاعتراض.

كلمَات مُختصرة حكيمَة منطقيّة عميقة مَليئة بالإيمان بالله تعالى، والثّـقة به، والرّضَا بالقضاء والقدر، نطقت بها المُبتلاه في لحظاتها الأولى، أسكَتت جَميع السّيدات، وظللتهم بالطمأنينةً والسّكِينة، وأيقظت الإيمان واليقين، وكأنّنا نسمَع هذه الكلمَات للمَرة الأولى، وكأن الشيطان يُنسِينا ما نحتَاج إليه حين نحتاج إليه، لذا قال ربنا تبارك وتعالى: (وذكّر فإنّ الذّكرَى تنفَعُ المُؤمنِين).

فيديو مقال لحظة ثبات

أضف تعليقك هنا

هدى حلاوة

هدى حلاوة