هل أخطأ الحسين؟!

من هو الحسين؟

من منا لا يعرف الحسين؟، أبن فاطمة بنت رسول الله وعلي بن أبي طالب أبن عم محمد وصاحبه وخليفته الرابع وسيف الإسلام البتار، سيد شباب أهل الجنة هو وأخيه الحسن، سيد الشهداء وأفجعهم في موتته وأكثرهم إيلاما عند ذكره فهو المقدس عند الشيعة والملجأ والولي عند السنة والغالي المحبوب عند كل المسلمين.

موت الحسين في موقعة كربلاء سنة 61هجريا هو الحدث الأفرع في تاريخ المسلمين، قتل حفيد الرسول وحيدا بعد قتل العشرات من أهل البيت، بعد العطش والحصار والاستخفاف بمكانته العظيمة ومنزلته وقربه من النبي، قتل وحيدا مقابل أربعة الأف من من ادعوا الإسلام والإيمان بجده. ولسنا في هذا المقال نبكي علي الحسين فليس وقت للبكاء أو نفع، ولا نسرد أحداث كربلاء الأليمة فهي اشقي من أن نتحملها، ولكن نتأمل موقف الحسين وموته فقد كان مثالا للثائر الشهيد الذي رفض الخضوع وأبي إلا أن يكون حرا شريفا.

مقتل عثمان والفتنة الكبرى

لا يمكن الحديث عن موت الحسين باعتباره حدث فرديا، فهو حلقة في سلسلة الصراع والخلاف الذي بدا خلال حكم عثمان واشتد حتى وصل ذروته خلال حكم علي حتى وصفه المسلمين بالفتنة الكبرى، فتنة جعلت المسلمين يتقاتلون ويسفكون دمائهم بعد أن قاتلوا معا الفرس والروم وأقاموا دولتهم القوية وسادوا شبه الجزيرة العربية ومصر والشام.

والحديث عما سمي بالفتنة الكبرى يحتاج إلى أكثر من مقال ربما نكتب عنه في قت أخر بشيء من التفصيل، لكن هنا نسترجع الأحداث سريعا ونرتبها باختصار قد يوجب الإهمال حتى نصل إلى اللحظة المرجوة ونصل إلى موت الحسين علنا نجد في موته شيء من التدبر.

المنصف في قراءة التاريخ سيرجع الخلاف إلى عثمان فهو السبب الحقيقي للصراع والفتنة، حكم فلم يعدل واجتهد فأخطأ وخرج على منهج أبو بكر وعمر فخرج عليه المسلمون وطالبوه بالتخلي عن الحكم ولكنه تمسك بمنصبه فساءت الأوضاع وسيطر المعترضين على المدينة وحاصروا بيته حتى قتل وهو يقرأ القران. والخلاف مع عثمان لا يتعارض مع مكانته الدينية فهي شيء ثابت معروف لكن انتقاد فترة خلافته حق لكل مطلع أو محلل للأوضاع من وجهة نظر سياسية اجتماعية.

فترة ما بعد عثمان هي الأصعب في التاريخ الإسلامي، اختار الناس علي خليفة لهم، لكن سرعان ما تمرد معاوية وأعلن رفضه للمبايعة حتى يأخذ القصاص من قتلة عثمان، وتمهل علي حتى تستقر أوضاع دولته فيحاكم القتلة، وهنا بات الخلاف واضح والاتفاق مستحيل، ثم خرج طلحة والزبير وعائشة، فكانت موقعة الجمل ثم صفين والتحكيم بين علي ومعاوية، وتبع التحكيم ظهور الخوارج واتفاقهم على مقتل ثلاثة هم علي ومعاوية وعمرو بن العاص، فقتلوا الأول وأصابوا الثاني ونجي الثالث، وبموت علي بدأت مرحلة جديدة من الصراع.

حكم معاوية

رفض معاوية مبايعة علي حتى يثأر لعثمان، لكن بعد موت علي وجد نفسه مؤهل ليكون الخليفة، فهو يمتلك الشام وأهلها والطموح السياسي والتاريخ العسكري والإداري، والاهم من ذلك في رائي الانتهازية والحرص على الحكم والسيادة واسترجاع أمجاد بني أمية بعد فقدانها أمام بني هاشم.

اختار أهل المدينة الحسن خليفة لهم واختار أهل الشام معاوية، وأصبح الصراع والقتال قريبا مرة أخرى، لكن معاوية استغل طيبة الحسن وحرصه على حقن دماء المسلمين وخبرته في التفاوض والمراوغة فتنازل الحسن عن الحكم وأصبح معاوية خليفة للمسلمين سنة 41 هجريا لينتهي بذلك عهد الخلفاء الراشدين ويبدأ عصر الدولة الأموية.

والحكم علي معاوية واضح لكل من أنصف فهو مستبد انتهازي تاجر بموت عثمان واستغله في حشد أهل الشام، أعلن انه خرج من اجل عثنان لكنه خرج من اجل الحكم والخلافة وخوفا من استغناء علي عنه بعد سيطرته وقوته خلال حكم عثمان، خطط حتى نال مراده وأصبح الخليفة ثم نسي الثأر وتفرغ لأمور حكمه وتدعيم سلطته ووجه الجيوش إلى الفتح حتى شغل المسلمين ووحدهم تحت حكمه مرة أخرى بعد سنوات من الخلاف والتفرق.

يزيد خليفة للمسلمين!

لم يكتفى معاوية بما فعله من الخروج على علي، وسفك دماء المسلمين نتيجة ذلك الصراع، لكنه أبى أن يرحل عن الحياة إلا بعد أن ابتدع شيء جديدا لم يعرفه المسلمون من قبل وهو توريث الحكم ليزيد. يقول الرواة أن المغيرة بن شعبة هو من وسوس لمعاوية استخلاف يزيد، ولكن بالنظر في طبيعة ونفس معاوية نجد أن الأمر لم يكن بعيدا عنه وهو الحريص على الحكم، المتمسك بالمجد القبلي والتاريخ الأموي في سيادة قريش.

كان يزيد لعوبا لاهيا يقضي أوقاته في الصيد والشعر والغناء، لم يكن له مما كان في أبيه من الحكمة والدهاء شيء، بدا معاوية في أعداد ابنه للخلافة فأرسله لمحاربة الروم واشتد عليه حتى تتبدل تلك الصفات ويصلح للحكم، لكن ذلك لم ينفع كما سنري. وراح معاوية يدعو الناس لمبايعة يزيد، فيشتري مبايعته بالمال والمناصب والتهديد إذا لزم الأمر، راح الولاة يشتدون على الناس في مبايعة يزيد حتى بايع معظم الناس فمن منهم يقدر أن يخرج على قرار معاوية، أو يصمد أمام أغرائه بالمال والمناصب.

استمرت مبايعة يزيد سهلة حتى وصل الأمر إلى المدينة، اعترض الصحابة فقد جاء معاوية بما لم يفعله أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وسافر معاوية إلى المدينة واشتد في اخذ البيعة من الصحابة بالإقناع والأغراء، حتى بايع الجميع إلا أربعة الحسين بن علي وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر.

ورح معاوية دون اخذ البيعة من هؤلاء، واستمر حكمه حتى مات، وكان يزيد خارج الشام، فتولي الأمر للضحاك بن قيس حتى رجع يزيد إلى الشام وأصبح الخليفة الرسمي للمسلمين.

خروج الحسين إلى الكوفة

ما أن تولي يزيد الحكم حتى أرسل يطلب البيعة من الثلاثة الذين رفضوا خلال حكم أبيه وكان عبد الرحمن ابن أبي بكر قد مات. بايع عبد الله بن عمر ولم يخرج عن أجماع المسلمين، وسافر الحسين وعبد الله بن الزبير إلى مكة بعد أن رفضوا البيعة. وقد اشتدت الأمور بين عبد الله بن الزبير ويزيد فيما بعد، والمهم هنا هو موقف الحسين.

ما أن سافر الحسين إلى مكة حتى أتته الرسائل من الكوفة تدعوه إلى السفر إليهم ومناصرته حتى يكون الخليفة، وأدرك الحسين أن بقاؤه في مكة لن يحميه من يزيد وان خروجه لا مفر منه، وقد نصحه بن العباس وعبد الله بن الزبير بعدم الخروج لما في أهل الكوفة من الغدر والخداع، ولكنه أبى إلا أن يخرج ورفض الخضوع ليزيد، وأرسل ابن عمه مسلم بن عقيل يستطلع أهل الكوفة، فسافر وأرسل له يعلمه بان أهل الكوفة ينتظرونه خليفة لهم، ولم يعلم الحسين بما ألت أليه الأمور من مقتل بن عقيل وتخاذل الناس أمام بطش ابن زياد والي يزيد علي الكوفة. وتحرك الحسين مع اتباعه مع آل البيت يرفض الخضوع للمستبد وينشد الحق والعدل.

كربلاء ارض كرب وبلاء

خرج الحسين إلى الكوفة معتمدا على رسائل أهلها الذين بايعوه واستدعوه، حتى وصل إلى كربلاء، وهناك أدرك الأمر، بطش ابن زياد باهل الكوفة وقتل مسلم بن عقيل وخان الناس عهدهم للحسين بل خرجوا في جيش ابن زياد بقيادة عمرو بن سعد بن أبي وقاص ضد الحسين. وهمّ الحسين بالرجوع إلى مكة لكن جيش بن سعد حاصره في كربلاء ولم يرضوا منه إلا النزول في قصر بن زياد ومبايعة يزيد، وهو ما رفضه الحسين حتى لو قتل في سبيله. واشتد جيش بن سعد علي الحسين حتى حاصروه ومنعوا عنه الماء حتى عطش ومن معه من الأطفال، ولم يخضع الحسين أو ينزل لابن زياد.

وبدأ القتال، الحسين ومعه أقل من مئة رجل ضد جيش الكوفة المكون من أربع آلاف. وقتل الحسين في معركة أليمة لا يمكن سردها دون البكاء مع الحب والحزن علي الحسين، قطعت رقبته ونهشت جثته، قتلوه ومن معه من آل البيت من الأطفال والشباب، مات بعد أن بقي وحيدا وقد ضحي من معه بأرواحهم في سبيله، مات في كربلاء ارض الكرب والشده والبلاء.

مات الحسين ثائرا رافضا للخضوع، ضاربا المثل في التمسك بالمبادئ والثورة على الاستبداد. خرج وهو يعلم بانه سيموت في سبيل الله وكلمته ورسوله، مات بعد أن أعطي للمسلمين الطريقة المثلي في مواجهة الطغاة والفاسدين، ليرد على الوعاظ والشيوخ الخاضعين للمستبدين والمحرمين الخروج والثورة عليهم حتى يكفروا. مات الحسين وبقي حيا في قلوب المسلمين.

فيديو مقال هل أخطأ الحسين؟!

أضف تعليقك هنا