هل مازال الدواعش بيننا؟

شراء السيارة

سلمى فتاة في 31 من عمرها، تعول أسرتها، وتعمل محاسبة براتب لا يتجاوز 4 آلاف، يذهب جزء كبير منه للسائق، الذي يقوم بنقلها إلى مقر عملها، وينقل أيضا الأسرة لقضاء حوائجها، وذات يوم تحمست سلمى لفكرة شراء سيارة، وبما انه تم تحديد تاريخ مسبق للسماح بقيادة المرأة، بدأت سلمى بالادخار، والاشتراك في جمعية لجمع المال الذي يمكنها من شراء سيارة، وبعد أن تم السماح بقيادة المرأة، وبدأت بممارسة حياتها الطبيعية، ومنها قيادة السيارة كأي شخص، بدأت المضايقات للفتاه من بعض الشباب، الذين وصل بهم الأمر أن قاموا بحرق سيارتها وفروا هاربين، وبما أن “معظم النار من مستصغر الشرر” تساءلت هل مازال الدواعش بيننا؟

حرق السيارة وأسبابه

إن هذه الجريمة، من الممكن أن ترقى لِأن تكون جريمةً إرهابيه، إذا ثَبُتَ أن الدافع لتنفيذ الجريمة هو كون مالك السيارة امرأة ،  وربما كان لمنفذي الجريمة تصوّر ما وشعور بالاستياء، أو الاعتراض على قيادة المرأة، ولم يستحسنوا هذا الأمر، وربما أيضا هناك من غذى هذا الشعور لديهم.وهنا أتساءل، ماذا لو كانت هذه المرأة بداخل مركبتها  لا قدر الله ساعة تنفيذ الجريمة؟ هل وصل الأمر بهؤلاء المتشددين بأن يزهقوا الأرواح، لمجرد اعتراضهم على قيادة المرأة؟ أليس هذا تهديدا لغيرها من النساء بعواقب قيادة السيارة؟ أليس هذا ترويعا للآمنين وزعزعةً للأمن؟ ثم منذ متى كان الاعتراض على أمر ما بإتلاف الممتلكات الخاصة أو العامة؟

هنا اطرح للقراء بعض التساؤلات، ماذا لو أُدين شخص ما بتهمة معينه، ولنقل مثلا أنها تتعلق بأمن الدولة، ثم بعد أن قضى فترة عقوبته عاد إلى نفس الطريق، ولم يُمنع من أي شيء، يكتب ما يحلو له، وكتبه مازالت منتشرة، ويدلي بآرائه كما يريد، وربما أيضا يخطب من على المنبر أمام جمع من الناس، ويلعب على وتر العواطف أو القبلية أو الطائفية، ماذا لو تأثر عدد معين من الناس بأفكاره، وأصبحوا مقتنعين تماما بها؟

ماذا لو كان هذا الشخص في مكان ما يمكنه من التعامل مع الطلاب، أو في صياغة المناهج الدراسية؟ ماذا لو كان فيما يكتب هذا الشخص تحريضا على الدولة وكيانها، والمساس بتماسكها، ودق الأسافين بين أطياف المجتمع المختلفة، وزرع بذور الخلاف وتغذيتها، واستغلال أي حدث لتضخيمه، بالتعاون مع قنوات شغلها الشاغل فقط، المملكة العربية السعودية؟ ماذا لو تعاون هذا الشخص مع جهات خارجية، لتنفيذ مهام معينه تخدم أعداء الوطن؟ أو أن يذهب بعيدا فيلمّح أحيانا وأحيانا يصرّح ويدعوا إلى قيام الخلافة تحت راية “العثمانيين الجدد”.

ضرورة تدعيم النظام الأمني

إننا بحاجة ماسة إلى استحداث جهة يكون منوطا بها، تطوير وتفعيل القضاء المنعي، ووضع استراتيجيات، تعمل على التصدي فكريا وامنيا، لأي فكرة أو عمل يراد به الإخلال بالأمن بكافة أنواعه، والتحري عن الأشخاص الذين يشتبه بوجود نزعة إجرامية لديهم، وميول نحو التشدد، وكل ذالك للحيلولة دون وقوع تلك الجرائم قدر الإمكان، والتي من الممكن أن ترقى لِأن تكون جرائم إرهابيه. إن منع حدوث الجرائم تماما لهو أمر مستحيل، ولكن النقطة هنا هي، أن نجعل احتمالية حدوث الجريمة ضئيلة جداً، وهذا ليس بمستحيل، وهنا يأتي دور مجلس الشورى في التشريع، وسن قوانين تجعل من احتمالية حدوث الجريمة ضئيلة، كما انه لا يمكن أيضا إغفال دور المسئولين عن المناهج في البحث والتنقيح لجميع المناهج الدراسية مما شابها من غلو، وكذالك دور المسئولين عن دور النشر ومعارض الكتب.

فلسفة الردع

إن تحقيق فلسفة الردع، تستلزم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية بحق مرتكب الجريمة، ولكن ما نحن بحاجته، هو البحث في أسباب ومعطيات تلك الجريمة، واتخاذ كافة التدابير لتفادي حدوثها مستقبلا، وتلك الإجراءات يمكننا تسميتها بفلسفة المنع، التي هي مجرد تدابير احترازية، يتم أخذها من قبل قضاء مختص، اخذ بعين الاعتبار رأي المختصين بعلم العقاب، وتلك التدابير لا تصادر الحرية بل تحفظ للمجتمع تماسكه، وعدم انسياقه وراء أشخاص، يسعون هم ومن خلفهم لتفكيك المجتمع، وليس لنا أن نعلق على أحكام القضاء، فنحن بذالك نصادر على القضاء حقه في أداء مهمته، كما أن تلك التدابير، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ترقى إلى مسمى عقوبات.

انه في ما مضى من قرون، من رأى حرمة بعض علوم الطبيعة، والكيمياء، بل وشبه تلك العلوم بالسحر والتنجيم! وانه في ما مضى من عقود، من رأى حرمة التلفاز، و ذهاب الفتيات إلى المدارس، ورأى في ذالك تغريباً للمجتمع! وانه في ما مضى من سنوات، من رأى حرمة اللواقط الفضائية، والهواتف التي تحتوي على كاميرا، ورأى في ذالك انحلالاً خلقياً! ثم بعد ذالك، اتضح أن كل تحريم فيما سبق، “كان من باب استنكار الشيء الجديد، وعدم التعود عليه”!

مروجي الجرائم

هناك من يصب الزيت على النار، ويسعى جاهدا بأن يأخذ المجتمع بأكمله ويعود به لعقود مضت، إن رَغِب أولائك أن يعودوا هم وحدهم فقط إلى الوراء فهذا شأنهم، ولكن رغبتهم بإرهاب الآمنين، والرجوع بالمجتمع إلى عقود مضت ولن تعود لهو أمر مرفوض. ليس هناك ثمة شك في أن الفكر المتشدد مازال موجودا في مجتمعاتنا، وانه يقف حجر عثرة أمام كل تحديث وتطوير، وعلينا الاعتراف بذالك ومن اجل ذالك، وقبل ان تكبر كرة الثلج، لابد من التدخل لوقفها، قبل أن تدحرج وتكبر شيئا فشيئا وتأخذ معها آخرين، وعند ذلك قد يكون التدخل متأخراً، وربما يصبح الثمن باهظاً.

فيديو مقال هل مازال الدواعش بيننا؟

أضف تعليقك هنا