هل ينتهي الغلاء عندما تتحجب النساء؟

«ينتهي الغلاء عندما تتحجب النساء»؛ عبارة قد نجدها مكتوبة على أحد الأسوار أو معلقة في أحدى وسائل المواصلات أو في مداخل أحد المنازل وهي تعني ببداهة منطقها؛ أن سبب الغلاء هو تخلي النساء عن الحجاب، فما مدى صحة هذه العبارة ومنطقيتها؟ وهل حقًا أن الغلاء سينتهي بارتداء النساءُ الحجابَ؟.

في البداية عندما تقرأ العبارة قد يعتريك شيء من الغموض واللبس يعقبه بدوره شيء من الإيمان لها والتسليم بها، وذلك سبب ارتباط العبارة ببنية الخطاب الديني ومصطلحاته وهو “الحجاب” والتي استخدمته العبارة هنا استخداما خداعيا، فما إن تعرف أن سبب هذا الغلاء اللعين هو انتزاع النساء لحجابهن، فبطبيعة الحال ترى أن الأمر مرتبط بالدين، فيعقبه زيف عقلي وخطل منطقي في هذا الحكم المعرفي دون فحص أو نقد.

خدعة العلاقة بين الغلاء والحجاب

فبالنظر لصحة العبارة الخادعة هذه نجد أن الصواب الذي كان ينبغي أن تستقيم عليه العبارة هو: “ينتهي الغلاء بزيادة الإنتاج” أما ارتباط الحجاب بالغلاء فهو من الزيف والخطل بمكان. ألم تعلم أن أقوى البلاد إنتاجا هي الدول التي لا تتحجب فيها النساء؟ وأن أكثر البلاد استهلاكا هي البلاد التي فيها النساء متحجبة ومنتقبة! ليس الحديث هنا عن الحكم الشرعي للحجاب أو النقاب، إنما نعرض القضية من حيث إثبات حقائق وتقرير وقائع.

كما  أن هذه العبارة السمجة تظلم المرأة، فتضع على كاهلها أسباب الغلاء وارتفاع الأسعار دون النظر إلى الأسباب الرئيسة المرتبطة بغلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، فالتعويل على أن لباس المرأة باعتباره سببا أوحدا لارتفاع الأسعار والغلاء أمر غاية في المهانة، وكأننا نلقي بالتهمة على الأبرار ونبرئ الجناة من الجرائم.

فبدلا من لوم الحكومات والمؤسسات المعنية بالإنتاج الاقتصادي والمؤسسات والقطاعات المسؤولة عن تقرير مصائر السلع وتسعيرها، نقوم نحن برمي الكرة في ملعب المرأة وحدها، وليس هذا وحسب، إنما في اقتصار المشكلة والقضية برمتها على لباس المرأة وحده وما أسهله من تبرير!.

إنه لمنطق غريب حقا، حينما نربط الأسباب بغير مسبباتها، ونفسر الوقائع بغير عللها، ثم نشكوا تأخرنا وانحطاطنا. إن في مثل هذه العبارات والشعارات نوع من إقصاء المرأة في المجتمع، وبراءة السلطات والحكومات من إخفاقاتها وخيباتها، والتنصل من مسؤولياتها في غلاء المعيشة وصعوبات الحياة والكساد الاقتصادي.

فما أكثر مثل هذه العبارات في شوارعنا وعلى ألسنتنا، نتحدث بها كأبيات شعرية وكأمثال شعبية لها سلطتها الثقافية والمعرفية، وللأسف نرى في مثل هذا الخطابات الوعظية التي تعتمد على مصطلحات يتم إلصاقها بمصطلحات دينية مثل “الحجاب” و”الحلال” و “الحرام” و “الجنة” و “النار” حتى تتم عملية تزييف الوعي، وإقصاء النقد، فتكتسب مثل هذه المقولات سلطة وقداسة لا يمكن بعدها الفحص والتمحيص، دون أدنى تحليل للواقع ومنطق للحكم والتفكير.

فيديو مقال هل ينتهي الغلاء عندما تتحجب النساء؟ 

أضف تعليقك هنا