التخصص وأثره في إنتاجية المجالس المحلية

التخصص عند العلماء

يقول الإمام الشافعي كان همي في أمرين: “الرمي والعلم. فأمّا الرمي فبلغت فيه أن أصيب من عشرة عشرة لا أخطئ في واحدة منها”.
وسكت عن العلم، فقال أحد الحاضرين: “لَأنت في العلم أكبر منك في الرمي”.

إن التخصص في مجال محدد وتركيز الجهود والوقت له هو أكثر نفعاً من العمل في مجالات عديدة ودليل ذلك أن الشافعي الذي قال الكلام السابق لو سألت العديد من الناس في مدينة غالب أهلها يتعاملون بهذا المذهب في عباداتهم ومعاملاتهم لن يعرفوا شيئاً عن مهارته في الرمي بل قد تجد مختصين في علوم الفقه وأصوله لا يعلمون شيئاً عن ذلك.

وهذا لأن الشافعي في نهاية الأمر اختار مجالاً واحداً للتعمق فيه وتعليمه وممارسته هو العلم الشرعي وهو المجال الذي اشتهر به، وأخذه عنه الناس. ومن أجل ذلك صار الشافعي العالم الذي نعرفه. فلولا هذا القرار ظل الشافعي مثل كثير من طلاب العلم العاديين يصلي إماماً في مسجد وخطيباً للجمعة كل أسبوع. فإذا حان أجله غاب كأنه لم يعش في هذه الدنيا.

نماذج التخصص عند الصحابة

وما ذكرناه عن الشافعي ينطبق على كثير من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، ويكفي أن أذكر لك بعض أسمائهم ليتداعى إلى ذهنك المجال الذي ركزوا عليه، وصبوا جهدهم فيه.
مثل: أبو هريرة ـ الحديث
خالد بن الوليد ـ العسكرة
عبد الله بن مسعود ـ القرآن
معاذ بن جبل ـ الفقه
أبو ذر الغفاري ـ الزهد
وغيرهم كثير.

إلا أننا لا ننكر تمكن عدد منهم في أكثر من مجال وإبداعهم فيها جميعاً وذلك ظاهر عند الخلفاء الأربعة وبعض الصحابة الآخرين مثل عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم أجمعين. لكن هذا كما بيّنت قليل الوجود بين الناس لذلك فالقاعدة العامة التي يمكن الاعتماد عليها هي أن يكون لكل فرد مجال واحد يختص فيه، ويتفرغ له. وهذا الأمر الذي ندعو إليه هو بغية استثمار قدرات الناس بالشكل الأمثل لأن الدراسات أثبتت أن الفرد إذا كانت إنتاجيته – فرضاً – في مجال واحد ثماني ساعات يومياً فإن إنتاجيته إذا عمل في مجالين ستكون ساعتين فقط في كل مجال ومجموع الإنتاجية في المجالين هي أربع ساعات. وهذا يعني إضاعة أربع ساعات كان سيستغلها لو تفرغ لمجال واحد.

الشافعي والشعر

ولقد أشار الشافعي رحمه الله إلى ذلك بشكل واضح عندما قال:

ولولا الشعر بالعلماء يزري… لكنت اليوم أشعر من لبيد

فهو صاحب موهبة شعرية عالية. ولو أراد التركيز عليها وإظهارها لصار في أعلى مراتب الشعراء كما كان الشاعر لبيد بن ربيعة في الجاهلية. وهو من أصحاب المعلقات، لكنه يبين بوضوح سبب إعراضه عن ذلك، وهو أن التركيز على الشاعرية سيضعف إنتاجيته في مجاله الأساسي العلم الشرعي لذلك أضحى الشعر والرمي عنده بمثابة هواية يمارسها وقت فراغه أو لإمتاع النفس قليلاً وعدم إغراقها في الجد دائماً.

قواعد علماء الإدارة

وتجدر الإشارة هنا أننا عندما نستعرض قواعد علماء الإدارة المرتبطة بهذا الموضوع ونصائح خبراء التنمية البشرية وهي: “التركيز على مجال واحد في العمل وجعل ما سواه من مواهب ومهارات يتقنها المرء بمرتبة الهواية لا أكثر وإعطاء هذا المجال خمسين بالمئة من الوقت بعد حذف وقت النوم وخمسين بالمئة من علاقات المرء أيضاً يجب أن تكون مرتبطة بهذا المجال”.

نجد الشافعي رحمه الله يمثل نموذجاً بيّناً ساطعاً في تطبيق هذه القواعد وعدم الإخلال بها. فكأن تجربته جعلته يدرك هذا منذ ذلك الزمن ورجاحة عقله التي أسست لنا علم أصول الفقه الذي نفتخر به على غيرنا من الأمم لأنه يبرهن أن واضعيه يتمتعون بأعلى مستوى من التفكير هذه الرجاحة جعلته يسير على هذه القواعد طيلة عمره حتى عدّه أهل عصره مجدد المئة الثانية كما عدّوا عمر بن عبد العزيز مجدد المئة الأولى بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

ولو أردنا التفصيل والشرح وبيان الفوائد التي تتحقق من تحديد المجال الواحد والالتزام بالقواعد المذكورة لَاحتجنا صفحات عديدة إلا أننا اكتفينا بالإرجاع على سيرة الإمام الشافعي. وسيشفي صدر المهتم الحريص أن يقرأ سيرة هذا الإمام. ويعيش مع مواقفه الحياتية الواعظة النافعة، فإنه سيجد في ذلك الفائدة العظيمة الجمة.

الأثر على إنتاجية المجالس المحلية

وكان المقصد من ذكر هذه المعلومات تعريف أحبابنا وشبابنا العاملين في المجالس المحلية والمتابعين لأعمالها في أي مجال تعريفهم بهذه القواعد المستمدة من دراسات عميقة في علم الإدارة عسى أن يأخذوا بها كي تتضاعف إنتاجيتهم في خدمة بلدهم ومجتمعاتهم،
وأن يدرك بكل وضوح وتأكيد يترسخ في قلبه أن عمله في مجال واحد أنفع وأجدى من العمل في مجالين أو ثلاثة بدرجة لا تقلّ عن الضِعف، فيطبق ذلك، ولا يبخل على أهله ومجتمعه بهذا النفع، وإذا كانت الأولوية في رئاسة المجلس هي القدرة الإدارية والقيادية بغض النظر عن مجال تخصصه الأساسي فإن العاملين والموظفين فيه كرؤساء المكاتب أو العاملين يجب مراعاة هذا الأمر بشدة في اختيارهم، فلا يوضع خريج الأدب العربي في المكتب المالي أو خريج الهندسة او الرياضيات مسؤولاً للمكتب الإعلامي وغير ذلك من الأمثلة نسأل الله التوفيق للجميع.

فيديو مقال التخصص وأثره في إنتاجية المجالس المحلية

 

 

أضف تعليقك هنا