الراي؛ نهاية حكاية عظيمة

أين ذهبت تلك الموسيقى؟

يا رايح وين مسافر، وهران وهران, عبد القادر و آخرهم البيضا؛ جميعها أغاني مرت على جيل التسعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، مرت علي كل دولة و كل إقليم في وطننا العربي. نستمع لها في شرائط الكاسيت و نرى حفلاتها على التلفاز و لكننا لم نسأل يوماً عن قصة تلك الموسيقى التي ظهرت في حياتنا لعقدين من الزمان، و الأسوأ أيضاً أننا لم نسأل إلى أين ذهبت تلك الموسيقى؟

فن غناء الراي

مدينة وهران، الجزائر.

بدأ الراي في القرن الثامن عشر من مدينة وهران و سيدي بلعباس، لم يكن مثل ما سمعناه في التسعينيات، بل كان يميل أكثر للموسيقى البدوية التي بدأها عبد القادر الخالدي و كان أصل تطور موسيقى الراي من الشكل البدوي لتتطور للشكل الفلكلوري على يد الشاب دريسي، الذي طور تلك الموسيقى لتصل إلى ما يقارب لشكل الراي النهائي. بدأت ثورة الراي في منتصف سبعينيات القرن الماضي عندما زادت معدلات الهجرة لبلاد أوروبا من شباب المغرب، تونس و الجزائر. في هذه الفترة رفض الشباب استكمال حياتهم بالجزائر نظراً لتأثرهم بأوروبا، و ظنهم أن بلاد أوروبا تقدم معيشة أفضل، معيشة قد تكون أغنى بالمال و الحياة، لكنها تفتقر للروح و للوطن، تفتقر احترامها لأصولك و الأدهى أنها تفتقر إلى احتضانها لك لكونك متحدثا للغة العربية يظنون أن عرب المغرب العربي ما هم إلا بربر، نسوا  يوما كانوا يكادون يبيعون أرضهم للدخول إلى أرض المغرب.

أهم أربع مغنين للراي

ظهر في التسعينيات أهم أربع مغنين للراي و كانت هذه الفترة لهم هي قمة النجاح على المستوى العربي و العالمي، كان هؤلاء الأربعة هم: الشاب خالد، الشاب مامي، رشيد طه و الشاب حسني. طغوا على الساحة الموسيقية في تلك الفترة، بدأها الشاب خالد بتوجيه أغانيه لقضايا الشباب و القضايا الحديثة ليبعد عن الأغاني الجزائرية التي تركزت على الغزل فقط. تناول قضايا الإرهاب و الهجرة و ما شابه، حتى أطلق عليه لقب “مزمار من مزامير الشيطان” على يد إسلاميي الجزائر في تلك الفترة حتى وصلت للتهديد بالقتل.

هذا لم  يؤثر في خالد، حتى قام بإنتاج ألبومه “خالد” الذي أظهره للعالمية بعد تصدره للمبيعات في فرنسا و الوطن العربي. في نفس الوقت يظهر رشيد طه الذي استطاع مزج موسيقي الروك و الراي في أغانيه المستوحاة من الأصول المغربية، اشتهر رشيد طه بألبوم “Carte Blanche” الذي احتوى على اغنية “يا رايح” بصوته حتى تجد إعجاباً من الجمهور أكثر من النسخة الأصلية من دهمان الحراشي في عام 1973. نجاح حسني و مامي جاء متأخراً نظراً لتركيزهم على الساحة الجزائرية أكثر من العربية أو العالمية حتى.

رشيد طه، خالد و فوضيل
رشيد طه، خالد و فوضيل

رشيد طه، خالد و فوضيل في لحظات قبل الحفلة.

التحول لأغاني البوب

توقف معظم مغني الراي عن الغناء أو تركوا هذا النوع للتحول لأغاني البوب، لم يتبق غير مامي، خالد، طه و فوضيل متمسكين بتلك الأغاني إلى وقت قريب. فطه توقف عن إنتاج ألبومات جديدة و يكتفي فقط بالغناء في الحفلات بحانات و صالات أوروبا. الشاب خالد ترك لقب “الشاب” حتى يصبح خالد فقط، ترك الراي و مشى مع التيار الجديد للغناء بعد تحالفه مع RedOne المنتج المغربي ليغني البوب و الR&B. أما فوضيل فأيضاً عاد ليمشي مع تيار الأغاني الحديثة التي ظهرت في منتصف الألفينات.

يعتبر هذا الفن الموسيقي منته وحالياً هو جزء من التراث، تراث المغرب العربي الذي لن ينسى أو ينتهي أبداً. توفت أم كلثوم و لا زالت تتصدر أغانيها الأسواق، اعتزلت فيروز و لا زالت تسيطر على ساحة الأغاني لوقتنا هذا. انتهى الراي و لكنه سيظل يعزف في مغربنا العربي لنهاية الأزل، هكذا قدر العرب الموسيقى، ولم ينكروها أبداً في تاريخهم. كانت قصة جميلة عاشها فن ثائر، راقٍ و مسموع و لازلنا ننتظر عودة هذا الفن يوماً ما.

فيديو مقال الراي؛ نهاية حكاية عظيمة

أضف تعليقك هنا