جريمة داخل أسوار الدير!

جريمة أبو مقار

الصلاة والطهارة ونقاء النفس والضمير والبعد عن ملذات الدنيا ومتاعها هو مسلك كل من وهب نفسه راهباً في محراب الطاعة الإلهية.. وهو سلوك قويم بالرغم مما قد يؤخذ عليه في المجتمعات الحديثة من علامات العزلة والانفصال ولو جزئياً عن المجتمع والبشر.

جريمة أبو مقار يوليو  2018 التي راح ضحيتها أسقف ورئيس الدير الأنبا/ أبيفانيوس هي الأولى من نوعها في تاريخ مصر، وظني أنها لن تكون الأخيرة لأسباب قد ندركها من سياق المقال. ولذا، أحسب أن تناول إنعكاساتها يجب أن يأتي بشيء من الموضوعية حتى لا تتسرب الحقائق التي قد تقترن بدوافعها الحقيقية بعيداً عن الخوض فيما هو ديني أو ذو قداسة، فالأمر لا يخلو من ملامح دنيوية انتقامية لا تتفق حتماً مع ما نعرفه عن طبائع الرهبان وسماحتهم وزهدهم المتناهي.

البعد الاجتماعي للجريمة

ما يتعلق بالجريمة يُترك للتحقيقات الرسمية، خصوصاً بعد أن أعلنت جهات البحث الجنائي توصلها إلى الجاني، وأنها حصلت منه على عدة اعترافات حركت القضية إلى بعدها القانوني حتى تنظرها المحاكم المختصة ويصدر الحكم القضائي بشأنها. لكن ماذا عن البعد الاجتماعي للجريمة، وكيف أنها هزت موازيين القداسة الراسخة للرهبانية بشكل غير مسبوق!؟  دأب أغلبنا في اليهودية والمسيحية والإسلام على إضفاء قداسة خاصة لرجال الدين خصوصاً الرهبان، حتى وصل البعض بهم إلى مصاف القديسين والرسل، هذا بالرغم من أنهم بشر مثلنا يخطئون ويصيبون.

تباينت سلوكيات رجال الدين على مر العصور، فمنهم من كرس حياته لخدمة البشر ونصحهم وتبسيط الأمور العقائدية بالنسبة لهم، ومنهم من اهتم بجانب الفقه والتفاسير والشروح وأصدر مدونات عديدة بهذا الصدد، ومنهم من سلك المسار التعليمي وصار معلماً لأصول الشرائع والأديان. لكن من بين هؤلاء أيضاً من لم يستطع التغلب على شهوات الدنيا ومغرياتها، وراح يعبث بمصائر البسطاء ويستغل جهلهم من أجل الحصول على عائد دنيوي وفير.

وهذا هو أسوأ نموذج قد نكون بصدده. في العصور الحديثة زادت حدة ردود الأفعال تجاه سطوة السلطة الدينية، ولا يغيب عن وقائع التاريخ أن أحد أهم نتائج الثورة الفرنسية 1789 : 1799 كان هو وضع حد لسطوة الكنيسة الكاثوليكية وسيطرتها على العقول، وثرائها الفاحش غير المبرر على حساب الشعب، حيث كانت الكنيسة تمتلك وحدها حوالي 10% من إجمالي الأرض الفرنسية المعفاة من الضرائب، وكان لها حق جمع العشور وإدارتها بالإضافة إلى العديد من الامتيازات الشرفية الأخرى التي منحت رجال الدين ثراء فاحش استثار حفيظة النبهاء ونقمتهم على كل ما هو ديني حينها.

قوة الكنيسة والأسرار المقدسة

تكمن قوة الكنيسة في الأسرار المقدسة، وهي العقود السبعة التي تمنحها السيطرة والتحكم في الذات الدينية لأي فرد يعتنق الديانة المسيحية. وتلك الأسرار هي التعميد، تثبيت العماد، الكفارة، القربان المقدس، الزواج، رتبة الكهنوت، والمسح قبل الوفاة. من السياق نجد أن حياة الفرد ومسارها حتى وفاته هو شأن شديد الارتباط بالكنيسة، وهذا أمر طبيعي إذا ما افترضنا توافر الشفافية في تلك العلاقة ووقوع أحكامها بالعدل والمساواة للجميع على السواء.

لكن يبدو الأمر على غير ذلك في أحيان كثيرة، خصوصاً فما يختص بالعلاقات بين الرهبان داخل أسوار الأديرة من حيث الرتب والمناصب والمهام والمميزات. فهل حدث ما يثبت عدم المساواة داخل الدير مع الراهب إشعيا المقاري المتهم الرئيس وشريكه فلتائوس المقاري الذي أقدم على الانتحار بعد اعترافات الأول؟ أم أن كلاهما اغتر بما استطاع أن يحصل عليه من مميزات مادية وعينية بالمخالفة لتعاليم الرهبانية في داخل أغنى أديرة الصحراء الغربية في مصر على الإطلاق.

موقف الكنيسة

لا تحتاج الكنيسة لتبرير رسمي لشلحها راهب من رتبته، ولعلها تكتفي بالعقاب المتعارف عليه بتجريده من رسامته واسمه المقدس وإعادته للحياة الدنيوية مع مراقبة سلوكه. لكن أن يفضي الأمر إلى ارتكاب جريمة قتل لأعلى سلطة داخل الدير، فالأمر إذاً خطير وربما يهدد بفتح دولاب أسرار طالما حرص الرهبان على حفظها بعيداً عن أعين المتلصصين. فهل كان لثراء الدير وطريقة إدارة ممتلكاته الثمينة من أراض ومزارع ومنشأت ومقتنيات سبباً في وقوع مثل تلك الجريمة غير المسبوقة؟ أمر أحسبه يحتاج لبعض الشفافية قبل أن يدهمنا عصر كعصر أسطورة خوستو رولدان ساينيرو قاتل الرهبان ونزيل سجن يسيرياس!.

فيديو مقال جريمة داخل أسوار الدير!

أضف تعليقك هنا