حياكة الموت

أموات أحياء

اليومُ، وفي ظل فسادٍ مالي وسياسي تشهده المنطقة المحلية والدولية وتقلب الأمور بين جذر السلام ومد الحرب والدمار حيث تصلب الحكام في آرائهم حول السلام وحفظ الأمن؛ أتى زمنُ حياكةٍ لم نعهده من قبل، إنه حياكة الموتِ؛ موتُ بشرٍ وهم على قيد الحياة؛ أولئك الذين يقتنون قبوراً غير التي يسكنها موتى الحياة. بيوتٌ لا رائحة للأمن والأمان فيها، لا تختلف في جوهرها عن تلك التي يسكنها الموتى إلا أنها فوق الأرض لا تحت التراب.

تفتح التلفاز، تُقلب القنوات الإخبارية من أنحاء العالم فترى الموتَ يجوب جميع الأمكنة، فذلك يموتُ محروقاً لانتشال روحه من هول الفاجعة التي اكتسحت حياته؛ فقرٌ وتشتتٌ وإهانةٌ ولا متسع للبحث عن رزق، عائلاتٌ بأكملها تموت بدمار بيوتها عقباً على رؤوسها دون الاكتراث بإنسانية خُلقت معها، ترى موتاً خلفته أزمات الحروب في دول النزاعات السياسية، موتٌ لا ذنب للموتى فيه سوى أنهم دروعٌ بشريةٌ، وموتى ذنبهم الوحيد أنهم ينتمون لبلدان مُتنازع على حيازتها وما تحويه من أسلحة و آبارٍ بترولية أو حتى أنها خطرٌ على أحد الدول التي سماها الكثيرون بالعظمى.

مرض الاستسلام

لم يعد الموتُ مقتصراً على نزاعات الخلافات الشخصية أو تسلط بعض العصابات الصغيرة، بل اتسع ليشملَ عصاباتٌ كونتها مصلحة المكان والزمان ليكون أعضاؤها من يحكمون العالم فيضعون قواعد التصرف في أنحاء الأمكنة وكأن لهم وصايةً على جميع البشر. والغريب هنا الاستسلام الذي نصَّبَ نفسه قاضي صلح ليمنع الناس من الانتفاض على الظلم، بل أصدر عليهم حكم الركود في بئر الخوف والعجز ليصبح باقي المظلومين مرضى نفسيين أو موتى المرض.

فيقول لهم من خاف سلِمَ؛ فلا تتحركوا كي لا تموتوا وكأنهم أحياء معنى الحياة، لكنهم بالواقع سكتوا أو انتفضوا سيموتون حتماً، وبأبشع صور الموت. وكأن حياكة الموت تحتاج إلى تفنن وابتكار لسبل إنهاء الحياة، فنٌ يتعلمه البعض في مدارس العنف والدكتاتورية، بينما يحاول آخرون تقليدهم ليحيكوا سبل الموت على طريقتهم الخاصة فإما أن يقوم أحدهم بقتل غيره ويُعزى السبب إما أنه مريضٌ نفسيٌ أو تُقيد ضد مجهول، وإما أن يقتل نفسه بالحرق كما ذكرنا أو إلقاء نفسه من مكانٍ عالٍ أو حتى شنق نفسه. وتأتي حالات أخرى يكون ضحية الموت بسبب عادات وتقاليد تُحرم ما أحله الله كأكل مال اليتيم أو ميراثٍ يعقبه تعذيب جسدي ونفسي مما يدفع بفتاة لقتل نفسها للخلاص من موتها وهي قيد الحياة ليكون موتها وهي فعلا على قيد الموت.

هذا كله يُوصلنا لنتيجة واحدة أن إنكار إنسانية بني البشر، وكيف كرمهم الله بحقهم في الحياة من أجل مصلحة شخصية أو دولية هو ما أباح فن حياكة الموت ليكون أهم فنون الأنانية التي يتعلمها الناس في نهاية زمننا هذا.

فيديو مقال حياكة الموت

أضف تعليقك هنا