سقوط بغداد

عندما كنت صغيرا ومنذ نعومة أظفاري كنت منتشيا بانتصارات المسلمين وقصصهم البطولية التي كان يرويها أبي وأخي على مسامعي، والتي كنت أسمع عنها في خطب المساجد، كانت مداركي لاتعرف معنى الهزيمة، كنت أبني أفكاري الطفولية وأرتبها على أننا أمة منتصرة ممانعة لم تنحن قط، كانت تستهويني ملاحم المسلمين البطولية في بدر وحطين وعين جالوت التي كسرت فيها شوكة المغول.

أمنيات بعودة الإنتصارات مع بداية الغزو الأمريكي للعراق

استيقظت في أحد الأيام على صوت أبي وهو يتحدث عن الغزو الأمريكي على أرض العراق، أحسست بانشراح الصدر وبسرور لاحد له، كنت متيقنا وقتها أن النصر سيكون حليفنا حيث ذخيرة أفكاري الصغيرة الصافية لم تحتوي على معنى الهزيمة أو الانكسار كانت تحدثني نفسي وتقول لي أننا لم ننهزم قبل ذلك وسننتصر بالتأكيد.

كنت أتابع الأخبار التي كنت أكرهها وأكره قنواتها مثل أي طفل صغير لا تستهويه الا مشاهد أفلام الصغار الكرتونية كنت أتابع بشغف كبير دقيقة بدقيقة وثانية بثانية، حتى أنني أهملت اللعب مع زملائي لكي لا يفوتني خبر مقتل جندي أمريكي أو أسر آخر.

صدقوني يا إخوتي كانت الدنيا تكاد لاتسعني من الفرح عندما سقطت طائرة الأباتشي الأمريكية وعندما رأيت الجندي الأمريكي مذلولا صاغرا يأكل الكعك أمام الكاميرا، سألت أبي وقتها.. أن أبي لماذا يعاملونه بلطف وهو عدونا؟! فقال لي:  “أن بني نحن هكذا نعامل أسرانا فهذه أساسيات ديننا وعقيدته” فنتشيت بما سمعت وزاد افتخاري بذلك الدين الذي يتعامل بأخلاق حتى مع أعدائه. أصبحت أحفظ أسماء القادة العراقين ومتحدثيهم، كنت انتظر تصريحات (الصحاف) بالثانية.

سقوط العاصمة بغداد وأثره في النفس

وفي صباح مشؤوم استيقظت على خبر سقوط العاصمة بغداد، للوهلة الأولى لم أصدق ما حصل كنت أظن انه ثمت شيء غير منطقي كانت تراودني نفسي بأسئلة كثيرة أن كيف لنا أن ننهزم؟! نحن لاننهزم، ننتصر دائما فالله معنا ولا غالب الا الله.

كسر صمتي مشهد الجندي الأمريكي يرفع علمه في وسط ساحات العراق، عندها شعرت بطعم الهزيمة الذي كان ثقيل على قلبي لطالما لم أتجرعه قبل ذلك وأحسست بشعور المنهزمين، شيء ما كسر بداخلي، كسرت رؤاي، أهتزت ثقتي بقوة أمتنا ما أصعبه من شعور بالخذلان والضعف، ما أثقله من حزن قد حطّ رحاله في بنيات أفكاري. سقطت بغداد وسقط معها قلبي الصغير الصفي النقي.

كبرت وكبرت معي أفكاري الانهزامية وكلما حاولت أن أشحذ همتي واستنهض ثقتي بقوة أمتنا، كانت الأحداث التي نعيشها تحطم همتي وترجعني إلى ماتحت الصفر.

قراءة لأسباب تراجع الأمة الإسلامية وعدم انتصارها

أصبح لدي تصميم كبير على أن أعيد قراءة التاريخ الإسلامي مرة أخرى هل صحيح أننا لم ننهزم قط؟! وأصبحت أخوض في تفاصيل التفاصيل قرأت عن الهزائم التي تعرض لها المسلمون وركزت على أسباب الهزائم، وبدأت أقارن بين زمانهم وزماننا فعلمت عندها أن النصر هو عبارة عن تفصيل صغير جدا في المعركة إنما الأساس هو تحقيق أسباب النصر.

علمت أننا لم ننهزم لقلة عدد أو عتاد إنما لشرخ في عقيدتنا ولمسافات قطعناها بعيدا عن دين الله الحنيف. علمت أن تقدير الله العادل لن يمنحنا النصر ونحن في هذه الحالة الرديئة وفي هذا الانحطاط الاخلاقي والديني الذي نحن فيه الآن وعلمت أنه لو حصل وانتصرنا لكان استدارج وليس مكافئة أو رضوان من الله.

كيف ستنهض الأمة الإسلامية من جديد؟

لكن يا إخوتي هذا الكلام ليس إعلانا لليأس والانكسار بل إنما تشخيص بسيط ومحاولة لتفكيك أخطائنا وإعادة ترتيب حياتنا على أساس ديني بعيدا عن الجهل وتوهم الالتزام والتطرف.

نعم ينهش اليأس أحيانا بدواخلنا ويعتلي الانكسار سقف توقعاتنا لكن إذا ما تعمقنا في قصص نهوض المسلمين من بعد هزائمهم وانكسارهم نعلم أننا نظلم أنفسنا عندما نيأس.

يبذل عدونا الغالي والرخيص لكي يوهمنا بأننا لن نستطيع أن نرفع رؤوسنا وأننا لن نخرج من مستنقع الهزائم يريد عدونا أن ينسينا تاريخنا المجيد وقوتنا التي حكمنا بها العالم أجمع. ومهمتنا الآن أن نحاول جاهدين أن لا نحقق له مبتغاه، لنعلم كلنا أننا إذا ما صححنا أخطائنا وعدنا إلى الله فإنه لن يخذلنا ـ حاشا لله ـ فإنه لزوال الكون أهون على الله من ألَّا يحقق وعوده للمؤمنين:
﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) صدق الله العظيم

فيديو مقال سقوط بغداد

 

أضف تعليقك هنا