سياحة المذاقات

ماضي السياحة المحلية

حتى عهد قريب لم تكن في أغلب مدن المملكة فعاليات سياحية تكفي لتكمل دورة  سياحة متكاملة، باستثناء السياحة الدينية المعتمدة على زيارة الأماكن القائمة بقداستها وإرثها التاريخي، عدا ذلك فكل ما كان يحدث هو التعرف على ما يميز مدينة عن أخرى باستخراج الفروقات الحضرية بين المعالم والمباني، والتدقيق في اللهجات و طرق نطق الحروف و الكلمات المختلفة و التسميات المتفاوتة لنفس الأشياء بالإضافة للتعرف على المتنفس السياحي، الذي غالباً ما يكون وحيداً في المدينة لدرجة أن كل من أراد التنزه انطلق إلى هناك.

و وارد جداً أن يصادف المرء أحد معارفه أو حتى إخوته في نفس المكان، و وارد أكثر أن نفس الثلة من الأصدقاء المتقابلين طوال يومهم في عمل أو جامعة أو مدرسة أو حارة يكملون ما تبقى من ذلك اليوم في ذلك المنتزه الوحيد الصالح  لاستقبال البشر في المنطقة، نفس الوجوه طوال اليوم بل طوال الأسبوع بل طوال العمر حتى وصلوا بلا شك إلى مرحلة من الأخوة لم يصلها إخوة في بيوتهم. 

السفر في الداخل

حسناً إذاً، ماذا بعد؟ أين لهم اللقاء و تغيير الأجواء و تجديد الهواء؟! سيسافر الكثير منهم للخارج و لا مشكلة في ذلك طالما حسُن المسلك. لكن موضوعنا هم سواح الداخل الذين يمرون بنفس معاناة على اختلاف المناطق و اتساع الأرجاء، حيث يخطون الدروب الطويلة بسياراتهم، لأنهم اعتادوا القيادة لمسافات طويلة. يجدها من في دول مجاورة ضرباً من المستحيلات.

و تحول المشوار عندهم إلى مجرد لفة عندنا، و الطريق عندهم لمشوار عندنا و الرحلة الطويلة التي تحتاج لتوقف واستراحات عندهم ما هي إلا مجرد  طريق سفر سريع  عندنا. يبدو أننا تميزنا في هذا الجانب، و تفوقنا حتى أن أحدنا ليسافر فجر يوم عمل مسافة ٤٠٠ كيلومتر منتدباً من  عمله إلى  فرع إدارة أخرى ليعود من ليلته، و يصبح متوجها لدوامه المعتاد.

اعتذر عن الشرود فقد استحق التنويه. لذلك، الحاصل أن سياح  الداخل يصلون و ينتهون من كل النزهات الممكنة في وجهتهم وكذلك الرحلات الطويلة و القصيرة حولها، فيبدأ التململ خصوصاً إن كانو ذوي أطفال يبحثون عن مرح الإجازة و لم يكن لهم في تلك البلاد أقران، في مقابل كل ذلك لا يبقى أمام هذا السائح إلا السوق و بالضرورة يأتي بعده المطعم.

عالم من المطاعم

بحديثنا عن المذاقات هنا، يجب أن نقر أن فسحتنا في المطاعم تعدت مفهوم الأكل و حسب. جرب مثلاً أن تكتب في محرك بحث تويتر “مطاعم الرياض” أو ” مطاعم جدة” و قارنها بعدد النتائج في أي مدينة شرق أوسطية و لسوف تجد الفرق شاسعاً. حماستنا في تقييم المطاعم اقتربت منها في  تحليل مباريات كرة القدم بسبب كثرتها و تنوعها الكبير، فبحسب خبر قديم في الشرق الأوسط، بلغ عدد المنشآت التي تقدم الأغذية في الرياض حوالي ٢٣٠٠٠ منشأة، قد يثير الرقم الشك لكن مصدره معروف و إن لم يكن دقيقاً فلازال يقدم دلالة واضحة على ضخامة العدد.

برامج سياحية 

 أظننا هنا نستطيع بسبب هذه العوامل أن نوجد برامج كاملة و متنوعة تكفل للناس أوقاتاً ماتعة يستفيدون فيها من العروض الموسمية التي تحل مع قدومهم للأسواق و يستمتعون بالمذاقات المحلية للمدينة بشكل كامل، و المذاقات العالمية الموجودة في المدن الكبيرة على شكل رحلات جماعية  تعريفية بالبلد و شواهده و أشهر أماكنه تنتهي بمكان جميلٍ لنفترض أنه يقدم طعاماً من المطبخ الإيطالي يتذوقون فيه أطباقا شهيةً، و يتركون ذكريات فريدة و ابتسامات رضى سعيدة.

و في المدن الصغيرة، و لنأخذ الساحلية منها مثالاً، تبدأ الرحلة على قارب سياحي في وقت متأخر من الليل يستمتعون فيها بالسكون و القمر و يشاركون الصيادين الصيد متتبعين أول خطوات تحضير طبق محلي بحري، ثم يعودون لسوق الأسماك ليتعرفوا على مراحل البيع و التجهيز، و يلحقوا بتبكير التجار سعياً لأرزاقهم و يتوقفوا عند عالم الأسماك و المخلوقات البحرية بألوانها و أنواعها الجذابة، كذلك يتعلمون فيما يطبخ كل نوع و كيف، حتى يعودوا في المساء بعد استراحتهم ليشهدوا تحضير صيدهم، و يأكل منه الرفاق و الأطفال و في ذلك شعور فخر و غبطة داخلية لا تشترى بالمال.

فيديو مقال

أضف تعليقك هنا